نجا بأعجوبة من محاولة اغتيال, فقد طعنته امرأة في عنقه إبان حملته الانتخابية, وبينما كانت جراحه لاتزال غائرة ومؤلمة, تلقي هزيمة سياسية ثقيلة. وكان أوسكار لافونتين قد استجمع أطراف طموحه وهو يمني نفسه بامكان الفوز بمنصب المستشار الألماني في انتخابات.1982 لكن أوسكار مرشح الحزب الاشتراكي الديمقراطي عاد إلي بيته حزينا ومكتئبا, فقد فاز عليه هيلموت كول مرشح الحزب المسيحي الديمقراطي فوزا مبينا, ولم يبرأ من آلام الهزيمة إلا بعد فترة, وظن منافسوه أنه قضي نحبه سياسيا, أو هكذا ثرثروا وتمنوا. غير أنه فاجأ الجميع بعودته إلي المسرح السياسي, وبدا عازما علي إعادة بناء الحزب الذي وهن واهترأ, وتمكن من تولي زعامته عام1985 ودعم قواعده توطئة لخوض غمار المعركة الحاسمة في انتخابات.1989 وكان انتصار الحزب الاشتراكي الديمقراطي تاريخيا, فقد تولي السلطة جيل ما بعد الحرب العالمية الثانية, وهي الحرب الهوجاء التي أشعل نيرانها النازي الألماني هتلر, وانتهت بهزيمة المانيا, وانشطارها إلي المانياالشرقية التي خضعت لهيمنة الاتحاد السوفيتي ونظامه الشيوعي والشمولي, والمانياالغربية التي تأسست عام.1949 وانتهجت الديمقراطية نظاما للحكم, والسوق الحرة الاجتماعية أساسا للاقتصاد. وحققت معجزة اقتصادية, وأخري اجتماعية تجلت في دولة الرفاة الاجتماعي, وهي تستهدف وأد الصراع بين الطبقات, وتوفير الحياة الانسانية الكريمة للجميع. وهكذا كان السبيل لسد الثغرات التي يمكن أن يتسلل منها أي ديكتاتور مثل هتلر. ولم يكن ثمة خلاف يذكر بين اليمين واليسار في المانياالغربية حول ضرورة دعم دولة الرفاة الاجتماعي. {{{ لكن هذه الدولة التي صارت نموذجا مثاليا, تعرضت لهجمات عنيفة باعتبارها عبئا اقتصاديا, في الوقت الذي فاز فيه الحزب الاشتراكي وجيل ما بعد الحرب العالمية الثانية بالسلطة. وكان جيرهارد شرودر قد أصبح مستشارا, أما أوسكار فكان زعيما للحزب ووزيرا للمالية, وتقافز السؤال: من الذي يحكم جيرهارد أم أوسكار؟ ولم ينكر جيرهارد فضل أوسكار في فوز الحزب, ولكنه كان يؤكد أنه المستشار. وكان أوسكار بسبب عمق ثقافته وقدراته الحزبية مثيرا للقلق, وخلعت عليه وسائل الإعلام لقب أوسكار الأحمر, وأخطر رجل في أوروبا. فقد كان ينتمي للجناح اليساري التقليدي, ويؤمن بأهمية دولة الرفاة الاجتماعي, بينما كان شرودر يجنح نحو الوسط تيمنا بتوني بلير رئيس وزراء بريطانيا وزعيم حزب العمال الجديد. وكان بلير قد انقلب علي المباديء التقليدية لحزب العمال وبدأ يروج لما سماه الطريق الثالث. وانضم إليه بيل كلينتون, وكان شرودر يحث الخطي للحاق بهما. وبدا الموقف مضطربا في أروقة السلطة الألمانية, فقد تناقضت رؤي جيل ما بعد الحرب العالمية الثانية وتضاربت. {{{ وذات مساء اختفي أوسكار لافونتين في ظروف غامضة, وأعلن استقالته من زعامة الحزب ومن منصبه الوزاري. ولم تمض شهور حتي نشر كتابا سماه القلب يدق يسارا, دافع فيه عن مباديء الاشتراكية الديمقراطية, بينما كان شرودر يمضي علي درب الطريق الثالث, الذي تبددت معالمه بانضمام توني بلير لبوش الابن في الحرب علي العراق. يا لها من مشاهد للصراع الخلاق حول المباديء والرؤي, وهو ما يفضي إلي التقدم, أما الصراع العبثي الغوغائي الذي نكتوي به في هذه الفترة الصعبة فلا يفضي إلي أي تقدم. المزيد من أعمدة محمد عيسي الشرقاوي