عندما سألت حفيدي البالغ من العمر عشر سنوات.. السؤال التقليدي الذي سمعناه جميعا ونحن صغار: عايز تطلع إيه لما تكبر؟.. فوجئت بإجابته حين قال: عايز أبقي ساحر.. وفوجئت بكلماتي حين قلت: ليه ما تطلعش رئيس للجمهورية؟.. إنها جملة ما كان يمكن أن تقال في أي بيت في مصر قبل ثورة25 يناير.. قبل هذا اليوم الرائع لم يستطع خيال أي أب أن يجنح به ويصور له ابنه جالسا علي مقعد الرئاسة.. أما الآن فإنه يمكن للجدود والآباء أن يضموا إلي قاموس الدعاء للأبناء والأحفاد عبارة: يارب يابني أشوفك رئيس جمهورية.. إلي جانب العبارات القديمة التقليدية مثل: نفسي أشوفك دكتور.. أو نفسي تطلع مهندس. لا ينبغي لأحد أن يقلل من تأثير الكلمات التي يقولها الجدود والآباء للأبناء.. أو يعتقد أنها تذهب هباء.. إنها تتسلل ببطء إلي الأعماق.. وتستقر في الوجدان.. تحرض الخيال علي التوهج.. وتحدث العقل علي التفكير.. وليست الكلمات فقط هي المحفزة.. فأحيانا موقف عابر قد يدفع الصغير إلي درب لم يكن يتخيل أن يسير فيه.. وأتذكر في أثناء تحقيق صحفي.. أجريته منذ سنوات مع أوائل الخريجين في الجامعات.. أن قال لي الأول علي دفعة كلية الطب إنه لم يكن في صباه يحلم بأن يكون طبيبا.. بل تمني أن يري نفسه لاعب كرة.. مثل صالح سليم.. حتي جاء يوم فوجئ فيه ب بواب المدرسة يقول له: انت حتبقي دكتور.. خد بالك من الناس الغلابة اللي زيي.. عالجهم ببلاش.. لحظتها شعر الصبي بأن هذا الرجل قد وضع يده علي رغبة دفينة في أعماقه وهي أن يكون طبيبا. المهم الآن أننا في لحظة مصيرية فاصلة.. تتشكل فيها أفكار جيل جديد لدي كل فرد فيه نظريا الفرصة لأن يصبح رئيسا للجمهورية.. جيل ينبغي أن يتعلم ويتدرب ويفهم كيف يصبح رئيسا.. وكيف يصبح مرءوسا.. وكيف يصبح مؤيدا.. وكيف يصبح معارضا.. وكيف يتقبل الهزيمة.. وكيف يحتفل بالنصر.. وكيف يتلقي التهم.. وكيف يوجه النقد. يروي زيج زيجلار في كتابه أراك علي القمة قصة شابة أمريكية أرادت أن تلتحق بالجامعة وبينما كانت تملأ طلب الالتحاق.. أصيبت بخيبة أمل عندما قرأت سؤالا يقول: هل تتمتعين بشخصية قيادية؟.. ولما كانت الشابة صادقة وحية الضمير فقد كتبت لا.. ثم سلمت طلب الالتحاق وهي تتوقع أسوأ سيناريو.. وكانت المفاجأة أنها تلقت هذا الخطاب الطريف من الجامعة: عزيزتنا المتقدمة.. أظهرت دراسة طلبات الالتحاق أن جامعتنا هذا العام سوف يلتحق بها1452 قائدا جديدا.. وقد قررنا قبولك شعورا منا بأنه من المهم أن يكون لدي هؤلاء تابع واحد علي الأقل!. ويبقي أن أقول إن حفيدي عندما قال كلمة ساحر أعاد لي هاجس انتابني منذ فترة إن المصريين يريدون ساحرا يملك عصا سحرية يمحو بها في لحظة واحدة البطالة والفقر والفساد والعشوائيات والفوضي.. وعندما يكتشفون أن الساحر لا يملك عصاه.. ستكون الصدمة كبيرة والغضب شديدا!. المزيد من مقالات عايدة رزق