مرحبا أيها الخريف.. هكذا قلت لنفسي وأنا أراقب أشعة الشمس الذهبية وهي تختفي وراء سحب بيضاء تناثرت في السماء بينما صوت احدي المدرسات في المدرسة التي تقع في مواجهة بيتي يدوي عبر الميكروفون وهي تحث التلميذات علي الانضمام لطابور الصباح استعدادا للصعود إلي الفصول, حيث يتم حشو عقولهن بمعلومات معظمها لا يفيد بشرا يعيشون في القرن الحادي والعشرين.. فالتعليم لا ينبغي ان يهدف كما قال المؤرخ وول ديورانت إلي تكديس المعلومات في عقول الطلبة أو اعدادهم لكسب قوت يومهم.. بل يجب ان يهدف إلي مساعدتهم علي فهم الحياة والسيطرة عليها والاستمتاع بها.. فهل التعليم في مصر يساعد علي ذلك؟.. قبل الاجابة عن هذا السؤال نقرأ نتائج الدراسة التي اجراها اخيرا الجهاز المركزي للتعبئة والاحصاء عن الانتحار لندرك أن التعليم في مصر لا يساعد علي الاستمتاع بالحياة بل والمفزع انه لم يمنع البعض من محاولة التخلص منها.. فقد ضمت الدراسة أرقاما رهيبة عن عدد محاولات الانتحار التي بلغت في العام الماضي104 آلاف محاولة بزيادة قدرها61 ألفا بالمقارنة بالعام قبل الماضي.. وإذا عرفنا ان معظم هؤلاء التعساء الذين فضلوا الموت علي الحياة أعمارهم تتراوح بين15 و25 عاما أي انهم إما تلاميذ في المرحلة الثانوية أو طلابا يدرسون في الجامعة أو متخرجين حديثا لأدركنا أن مناهج التعليم لم تعلمهم كيف يواجهون المواقف المأساوية ويحاربون الأفكار السلبية.. فقد قضوا معظم سنوات دراستهم في حفظ جدول الضرب وقواعد النحو والاملاء والفيزياء والكيمياء والنظريات الهندسية والأحداث التاريخية والظواهر الطبيعية والخطوط الجغرافية وحساب المثلثات والست قارات.. ولكنهم تخرجوا دون ان يتعلموا كيف يتصرفون عندما يشتد بهم اليأس ويحاصرهم الفشل ويسحقهم الاحباط.. لذلك عند أول محنة تقابلهم يقررون التخلص من الحياة بعد أن يتركوا رسائل تقطر حزنا ويأسا.. وللحق فقد تركنا جميعا المدارس والجامعات دون أن نتعلم كيف نعيش سعداء.. وكيف نحتفظ بحماسنا.. وكيف نفتح عقولنا علي الأفكار الجديدة.. فأكثر الناس نجاحا في الكرة الأرضية هم من يملكون الافكار لا من يملكون الوظائف, والدليل علي ذلك ان قائمة اثري اثرياء الدنيا تصدرها لسنوات طويلة شاب هو بيل جيتس كل ما كان يملكه فكرة قذفت به إلي القمة.. كذلك لم نتعلم كيف نكتشف مواهبنا الدفينة.. فالتعليم الذي يؤهلك كما قال بات أوبريان أحد اشهر عازفي الجيتار في العالم للجلوس في مكتب واداء اعمال روتينية يعد تعليما مناسبا لو كان هدفك ان تصبح عاملا في مصنع في القرن التاسع عشر.. أما إذا كنت تريد أن تصبح مبدعا فإن هذا النوع من التعليم يعطيك كل ما تحتاج إليه كي تكون فاشلا.. وابدا لن يساعدك هذا التعليم علي أن تعزف لحنك الخاص.. وقد يدهشك ان تعرف أن زيج زيجلار اشار في كتابه خطوات نحو القمة إلي أن أعظم مأساة في العالم هي ان معظم البشر يموتون وموسيقاهم حبيسة بداخلهم. ولأن العالم كله يواجه الآن منعطفا خطيرا لذلك يطالب أصحاب الرؤي المستقبلية في انجلترا وامريكا بإحداث انقلاب في المناهج الدراسية لتعليم الأجيال القادمة كيف ينبذون العنف الذي تتزايد حدته في كل بقعة في الأرض.. وكيف يتجنبون الكراهية التي تتصاعد حدتها بين الثقافات والحضارات.. وكيف يواجهون الاكتئاب الذي ينتشر كالوباء في تجمعات الاغنياء واكواخ العشوائيات كل ذلك يحدث بينما الناس في مصر مازالوا يتكلمون عن مأساة الدروس الخصوصية وكابوس الشهادة الثانوية وإلغاء سنة في الابتدائية وكارثة الكتب الخارجية.. ولا تسأل عن أسباب تعاسة الأسرة المصرية!!