قبل 16 عاما، أنشئت لجان فض المنازعات وفق القانون رقم 7 لسنة 2000، للتوفيق فى المنازعات المدنية والتجارية والإدارية التى تنشأ بين جهات الدولة والعاملين بها، أو بينها والأفراد والأشخاص الاعتبارية الخاصة، وألزم القانون كل صاحب شكوى أو دعوى قبل رفع دعواه بالمحاكم ان يتقدم بطلب للجنة الخاصة بالجهة أو الوزارة المشكو فى حقها ، وإلا قضى بعدم قبول الدعوى ، لأن تجاهل اللجنة يقضى بعدم قبولها فى المحاكم بعد ذلك. ولكن أداء هذه اللجان جعل معظم المتعاملين معها يعيبون عدم التزام الوزارات والهيئات بتوصياتها، وهو ما أفقدها الثقة بها، مع إضاعة وقت المواطنين الذين يتجهون للتقاضى بعد ذلك، فقدمت الحكومة مشروع قانون يعالج عيوب هذه اللجان، نناقشه مع خبراء القانون. المستشار رفعت السيد رئيس محكمة جنايات القاهرة السابق، أكد أن قانون لجان فض المنازعات الحالى يلزم المتقاضى باللجوء للجنة قبل رفع الدعوى أمام المحاكم، ثم نجد أن توصياتها غير ملزمة، ولذلك وصفها البعض بأنها «لجان تعطيل المنازعات» وأنها تطيل فترة التقاضى وتكلف المتقاضين مصاريف إضافية، لذلك كانت هناك مطالبات بتوقفها والعودة للقاضى الطبيعى مباشرة دون وسيط، خاصة أن جميع توصيات تلك اللجان ارتبطت بمواد مالية تحتاج للموافقة في التنفيذ من قبل وزارة المالية التى دائما تقر بعدم وجود اعتمادات مالية لتنفيذ توصياتها، مما يؤدي إلى عدم الالتزام بها، وكأن شيئا لم يكن. إضافة إلى أن عددا كبيرا من أعضاء هذه اللجان لا تسمح لهم ظروفهم الصحية بممارسة العمل لأنهم «فوق السبعين من العمر» وبعضهم تخطى الثمانين، كما أن كثيرا من أعضاء لجان فض المنازعات ليسوا من رجال القضاء ولكن من هيئة النيابة الادارية أو هيئة قضايا الدولة . وأضاف: ومن واقع تجاربى باعتبارى رئيس لجنة فض منازعات ظهرت عقبات كثيرة فى فعالية هذه اللجان باعتبار أن قراراتها لا تزيد عن التوصيات فقط، لذلك فإن الحكومة مشكورة تقدمت بمشروع قانون يواجه سلبيات هذه اللجان فأصبحت بموجبه تصدر قرارات ملزمة للطرفين، إضافة لتقصير فترة نظر الدعوى إلى 30 يوما، حتى لا تكون اللجنة عائقا أمام صاحب الدعوى وتأخيره فى رفع قضيته أمام المحاكم العادية، وتسهم هذه القرارات فى تنوير المحكمة بعد ذلك إذا كان المبلغ المطلوب أكثر من 40 ألف جنيه فى الدعوي باعتبارها دراسة سابقة للمنازعة مصحوبة برأي متخصص، في حالة رفض أطراف النزاع الأخذ بتلك القرارات وإحالة المنازعة إلى القضاء من لجان فض المنازعات والمختصة بنظر نزاعات مدنية وتجارية وإدارية ، وما يخص العاملين في الوزارات والمحافظات والهيئات والمصالح العامة مع الجهات الإدارية، مثل تضرر العامل من تخطية ترقية أو عدم منحه علاوة أو توقيع جزاء عليه ، أما المنازعات المدنية والتجارية فيمثلها أشخاص من المتعاملين مع الإدارة مثل المطالبة بمستحقات مالية، لذلك أصبح تغيير القانون ضرورة لتفعيل دور لجان فض المنازعات . مزايا التعديلات وأشار المستشار رفعت السيد إلى أن المشرع يجب أن يتنبه لجوانب حيوية قانونية ومزايا التعديلات التشريعية التى أضافت ثلاث مواد جديدة تشمل : »أنه يجوز اختيار عدد من القضاة العاملين ، أعضاء فى اللجان» وكان يقتصر على المحالين بعد سن السبعين وهذا يعطى دفعة قوية لدخول الأصغر سنا ليكون عطاؤه أعلى، كما شمل التعديل أن تكون القرارات الملزمة من هذه اللجان لا تتعدى قيمتها 40 ألف جنيه وهو مايرفع من الضغوط عن القضاء والمحاكم، وفيما عدا ذلك يستأنف المدعى أو المدعى عليه (الدولة) إذا كان المبلغ أكبر، ولأن هذه اللجان لا تكلف المدعى أى رسوم قضائية أو مصروفات، وغالبا ما يتوجه لها الموظف لصرف البدل النقدى فى الإجازات، أو للحصول على الحق فى الإجازة لمصاحبة الزوج فى السفر أو رعاية الأطفال وغيرها، ولكن التجربة أثبتت تعنت بعض الجهات الإدارية فى الموافقة على هذه التوصيات التى تصدر عن لجنة فض المنازعات ، برغم مطابقتها للقانون، ويكون الرفض دون إبداء الأسباب، مما يترتب عليه لجوء العاملين وطالبى الحقوق إلى القضاء فتزدحم ساحات المحاكم بمئات الألوف من القضايا التى عرضت مسبقا على لجان التوفيق فى المنازعات، وهناك بعض الهيئات والوزارات استجابت لصوت الحق، والتزمت بأحكام القانون التى جاءت وقبلت توصيات اللجان وتصالحت مع خصومها ومن بينها الجامعات المصرية والأزهر الشريف والأوقاف وغيرها وبنسبة 80% تقريبا ، لكن الغالبية العظمى من الوزارات والهيئات رفضت التوصيات ، ولا تلتزم بالأحكام الباتة التى تصدر من المحاكم ، وتدعى عدم توافر تمويل. الهيئات القضائية وقال السيد: هناك عوامل كثيرة تستوجب أن تتشكل اللجان من ثلاثة قضاة ممن أحيلوا للمعاش، ولأن كلا من الحكومة والمواطنين خصوم فى الدعوى أمام اللجان فيجب ألا يشاركوا فى عضويتها لأنه ليس من المستساغ أن يكون الخصم قاضيا فى قضيته، كما يجب أن يعاد تشكيل اللجان على مستوى الجمهورية بإنشاء «لجان مدنية» أى تختص بالنظر فى القضايا المدنية ، وتشكل من مستشارين سابقين عملوا فى القضاء المدنى، وتشكيل لجان أخرى من المستشارين الذين عملوا فى القضاء الإدارى، وأن تكون هذه اللجان ذات الاختصاص القضائى، تصدر أحكاما وليس قرارات، ويكون الطعن على هذه الأحكام الصادرة أمام دوائر متخصصة من مستشارى محكمة النقض المتقاعدين فى القضاء المدنى أو المحكمة الإدارية العليا، كما يجب أن يكون حق اللجوء لهذه اللجان برسوم محددة لا تمثل عبئا على المواطنين أو العاملين عند لجوئهم إلى هذه اللجان ، على أن تخصص هذه الموارد المالية لهذه اللجان والتى تنحصر فى الرسوم المستحقة عند رفع الدعوى للإنفاق منها على رواتب قضاة اللجان وموظفيها، كما أنه من الأهمية أن يكون مقر هذه اللجان فى دور العدالة وليس فى المواقع المدنية والإدارية ، حفاظا على هيبة القضاء ، ويمكن عقدها فى الفترة المسائية بديلا عن الصباحية حتى لا يتعطل عمل المحاكم، كما لا يجب أن يزيد عمر من يمارس وظيفة القضاء أو تحضير الدعاوى فى هذه اللجان على 75 عاما لأنه بعد هذه السن لا نجد الطاقة المطلوبة لهذا العمل فى غالب الأحوال، وأن يكون عمل اللجان جميعا من المستشارين لمدة سنة واحدة تتجدد بموافقة الأمانة العامة بحد أقصى لمدة خمس سنوات. التعديل تحول كبير وقال المستشار مجدى العجاتى وزير الشئون البرلمانية إن مشروع التعديل بمواد قانون لجان فض المنازعات ، يعتبر تحولا كبيرا وجيدا بالنسبة للمتقاضين ويرفع عنهم الأعباء ، ويسهم عمليا فى تقليل القضايا بالمحاكم ، إذ إن التوصيات التى كانت تصدرها هذه اللجان لم تكن الجهات فى الدولة تنفذها وبنسبة 99% مما أضاع جهد هذه اللجان، وأن التعديل بنصه على أن تكون أحكام هذه اللجان قرارات ملزمة سينصف عشرات الآلاف من الموظفين والعاملين الذين لا يستطيعون الحصول على حقوقهم، خاصة أن المبلغ المحدد ب 40 ألف جنيه حدا أقصى لقرارات اللجان، يتناسب مع ظروف ومطالب الموظفين والعاملين والتى لا تتعدى هذا المبلغ بحال ، وهذا يحقق أيضا أملا انتظره شيوخ القضاة بعد أن تبدد مجهود اللجان حتى إن البعض كان يعتبر القانون(7) وهذه اللجان وسيلة للتعطيل، لأنه يضطر بعد ذلك لرفع قضية بالمحكمة بعد مماطلات الجهة المدعى عليها، مؤكدا أنه بالنسبة لبعض الأقوال التى تدعى أن القاضى المتولى لجنة فض المنازعات يجب أن تكون صحته جيدة لهذا العمل لذا لايجب أن يتعدى سن الخامسة والسبعين، وهذا غير دقيق لأن هناك اللجنة التى توافق عليه وترشحه ، وهى التى تحدد ذلك خاصة أنه يتقدم لهذا العمل فلابد أن ظروفه الصحية تسمح بالجهد فى هذا العمل، كما أن من مزايا التعديلات أنها أتاحت إشراك القضاة الذين مازالوا عاملين فى الميدان حتى الآن، مما يدفع طاقة جديدة فى هذا العمل.وأشار الوزير إلى أن مطالب البعض بجعل جلسات لجان توفيق المنازعات بالمحاكم «غير ممكنة» لأن المحاكم مزدحمة جدا ولا توجد فرصة لتوفير مقار بها ، ولو فى الفترة المسائية، وفى نفس الوقت فإن اللجان تكون بين العاملين فى مؤسساتهم دون أى تأثير أو مجاملات ، وفى استقلالية تامة ، فالقضية هنا ليست أن نعقد الجلسات هنا أوهناك، ولكن فى إنجاز قضايا مكدسة ، وإنصاف أصحاب الحق وفى نفس الوقت فإن مطالبة البعض بأن تكون هناك تخصصات بين القضاة العاملين فى لجان فض المنازعات سواء الإدارى أو المدنى وحسب تخصص القاضى ، فإن ذلك غير عملى لأن أغلب هذه القضايا لموظفين وعاملين بالحكومة أو الهيئات فأغلبها إدارية لا تحتمل التخصص توصيات اللجان وأوضح محمود عبد الهادى المحامى بالنقض أن التعديلات الجديدة جاءت لمواجهة العوائق الكثيرة التى تواجه لجان فض المنازعات إذ إن نسبة ما تم إنجازه لا يتعدى أكثر من واحد فى الألف، إضافة إلى أن معظم القضاة فى لجان فض المنازعات غير متخصصين، فى حين أن هذه اللجان لا تتولى المشكلات الخاصة بالجمارك والضرائب والإصلاح الزراعى، فالفترة الزمنية التي تستهلكها هذه اللجان فى مرحلة التقاضى تتراوح ما بين 60 و 100 يوم دون مبرر قانونى ، لأن بعض المحاكم تنفذ حرفية النص وتنتظر لمدة 60 يوما، في الوقت الذي دافعت فيه وزارة العدل عن لجان فض المنازعات باعتبار أنها نظرت مليونين و681 ألفا و77 منازعة على مستوى الجمهورية وأصدرت مليونين و674 ألفا و108 توصيات ، كما أصدرت صيغا تنفيذية في صورة أحكام لنحو176 ألفا و663 قضية ، وبلغت التكلفة العامة لما تم إنفاقه على هذه اللجان اكثر من100 مليون جنيه لم تتحمل موازنة وزارة العدل منها أي نفقات.