◙ ◙ نأمل أن تساعد سياسات «ترامب» على الاستقرار .. و«الحزام والطريق» جسر للتعاون «السفير لى تشنج وين رئيس منتدى التعاون العربي–الصيني، سيكون بالقاهرة خلال يومين وهو يريد لقاءك»هذا ما قاله محدثي، الموظف بالسفارة، على الهاتف . رحبت كثيرا. عرفت الرجل خلال زيارة أخيرة إلى الصين، بساطة آسرة وذكاء حاد ودبلوماسى يحمل حقيبة مملوءة بملفات ثقيلة، حول الشرق الأوسط الذى لايتوقف عن التجوال فيه، يعرف شوارع عواصمه أكثر من بعض قاطنيها، وسط منافسة شرسة بين التنين الآسيوى وقوى كبري، فى عالم البقاء فيه للأقوى والأمهر. لبيت الدعوة فى المكان والزمان المحددين، وقبل أن أشرع فى الحوار معه، قال إنه يريد أن يهنئ الشعب المصرى بالعام الجديد 2017، متمنيا له الازدهار والتقدير، وأعرب عن اعتزاز بلاده بدور «الأهرام» العريقة فى توطيد العلاقات بين الشعبين، ثم أجاب عن أسئلتي، وإن طلب عدم نشر بعضها، فإلى الحوار. ◙ كيف تنظر الصين إلى المنطقة العربية فى ظل الظروف الحالية؟ ◄ تعيش منطقة الشرق الأوسط منذ زمن بعيد مشكلات متعددة وحالة عدم استقرار، بالتوازى مع رغبة شعوبها فى الاستقرار، وفى أن تصبح «التنمية» محددا وهدفا رئيسا، نحن فى الصين ندعم تحقيق السلام بالمنطقة، ونرجو أن تكون السنة المقبلة نقطة انطلاق للتنمية، الصين صديق قديم للعرب ولدينا علاقات تاريخية وحضارية وتعاونية ممتدة. التعاون العربي-الصينى يشمل مجالات واسعة، والأهم أنها علاقات صداقة بين الشعوب العربية والشعب الصيني، مما يتيح أن تكون العلاقات أوسع فأوسع، وأنا مسئول عن تعميقها من خلال منتدى التعاون. ◙ هل يمكن أن توضح للقارئ دور هذا المنتدى وأهميته؟ ◄ تأسس منتدى التعاون العربي- الصينى بين الطرفين عام 2004، ونضج بسرعة، يشمل أكثر من عشر آليات تعاون، منها حوار سياسى على مستوى وزراء الخارجية وكبار المسئولين، ومسارات للتعاون الاقتصادي، مثل مؤتمر رجال الأعمال لدفع التبادل التجارى الذى يقارب 240 مليار دولار، والاستثمارات المشتركة، أيضا الزراعة والصحة والصحافة والإعلام والتبادل الشبابى والحوار الحضارى وحماية البيئة، والتدريب وتبادل الخبرات فى مختلف التخصصات لدعم التعاون الجماعى العربي-الصيني، والعلاقات بين الصين وكل دولة عربية على حدة، وقد أصبحت الصين ثانى أكبر شريك تجارى للعالم العربي، وأكبر شريك تجارى لتسع دول عربية. وفى المقابل، تعتبر الدول العربية سابع أكبر شريك تجارى للصين، وأهم شريك لها للتعاون فى مجال الطاقة وسوقاً مهمة للمقاولات الهندسية والاستثمارات الصينية. وفى السنوات الأخيرة، شهد التعاون الصينى العربى زخماً طيباً للتطور فى مجالات جديدة تشمل المالية والفضاء والطاقات الجديدة . ◙ رحبت القاهرة بمبادرة «الحزام والطريق» التى أطلقها الرئيس الصيني، فما هى أهداف المبادرة؟ ◄ أود أن أؤكد أن مبادرة «الحزام والطريق»، «الحزام الاقتصادى لطريق الحرير» و «طريق الحرير البحرى فى القرن ال21»، التى أطلقها الرئيس شى جين بينج، فى شقيها البرى والبحري، إستراتيجية بعيدة المدي، وبالغة الأهمية للصين ولكل الدول التى تقع على خطوطها، والمنطقة العربية فى القلب منها، تتسع الاستراتيجية لحزمة واسعة من آفاق التعاون، وترمى إلى ثلاث نقاط رئيسية: تعزيز التواصل عبر الموانى البحرية والبرية وخطوط السكك الحديدية، مما يسهم فى تنشيط التجارة وتحديث البنى الأساسية فى الدول التى يمر بها الخطوط البرية أو البحرية.. ثانيا: رفع القدرة الصناعية لمصر والدول العربية، مما يزيد من قدرتها الاقتصادية، من خلال الاستفادة من النضج الاقتصادى والصناعى فى الصين، وهو ما يزيد من وزن مصر والعالم العربى اقتصاديا ودوليا، النقطة الثالثة: هى التفاهم بين الشعوب, لأن المبادرة هى جسر للتعاون المستديم، وفكرتها الأساسية هى مشاركة الجميع فى مشروع للجميع ولمصلحة الجميع، ولدينا مثل يقول: «إن الذين يتقاسمون الأهداف لا تفصلهم الجبال». ◙ ما الذى يمكن أن تضيفه مبادرة «الطريق والحزام» إلى الاقتصاد المصرى والعربي؟ ◄ هناك نحو 1000 مشروع فى طور الدراسة والتنفيذ، وستحظى البلدان العربية بعدد كبير منها، إسهاما فى مضاعفة قدرتها الصناعية وفرص العمل للشباب والاستثمار وغيرها، إنها «إستراتيجية بعيدة المدي» تتطلب تعاونا واسعا من الجميع. تأمل الصين فى تعزيز التعاون مع الدول العربية فى المجالات التقليدية مثل الطاقة والاقتصاد والتجارة والبنية التحتية، وكذلك فى المجالات الناشئة مثل الطاقة النووية والفضاء والطاقات الجديدة، وتقاسم ثمار التنمية والازدهار المشترك. كما نتطلع إلى أن تقابل الدول العربية انفتاح الصين ب «إستراتيجية التوجه نحو الشرق»، وتوظف مزاياها النسبية، بما يوفر للطرفين مزيدا من الفرص والمجالات للتنمية، واسمح ليّ فى هذا السياق أن أتوجه بالشكر العميق إلى «الأهرام» لدورها العميق والمتواصل فى التعريف بالمبادرة للشعوب العربية وتقريبها منهم، نحن نرى أن «الأهرام» هى لسان الشعب المصري، ولها إسهام كبير فى مد جسور الصداقة بين الصين وشعوب المنطقة. ◙ دعنا نتوقف عند «سر المعجزة الصينية»، والانتقال الكاسح من الفقر والتخلف المؤلم إلى الثراء والتقدم الباهر؟ ◄ السر بكلمة واحدة، هو اختيار طريق مناسب للظروف المحلية، لا استنساخ تجارب الآخرين كيفما اتفق، العالم كبير والبلاد متعددة، والتاريخ يعلمنا أنه لا إمكانية ل«النسخ»، الفيصل فى إدراك ظروف الداخل ولابأس من التعلم والانفتاح على تجارب أخرى بعد ذلك، لقد مرت الصين بتجارب كثيرة عبر العصور، جربنا أن نتعلم من الغرب من التجارب الاستعمارية، لكن المحتلين كانوا «معلمين قساة»، وفى النهاية فشلت التجربة، لقد خسرنا وضحينا كثيرا، حتى وجد الشعب الصينى طريقه الصحيح، تحت قيادة الحزب الشيوعي، بالاستقلال الوطنى والاعتماد على النفس، والتواصل مع الشعوب الأخري. لقد وضعنا هدفا هو «سعادة الشعب الصيني» واستقرار بلادنا والسلام مع العالم، هذا هدف لا نحيد عنه، إطلاقا، ونتمسك بالأساليب التى توصلنا إليه. ◙ لكن كيف تجمع الصين بين «الشيوعية» فى الحكم و«الرأسمالية» فى الاقتصاد؟ ◄ تسير الصين فى طريق خاص، لكنه ليس مغلقا، فإذا أردنا تحقيق التنمية فلا بأس من النظر إلى تجارب الآخرين والاستفادة بخبراتهم وتجنب أخطائهم، ترفع الصين شعار «الإصلاح والانفتاح» المستمر، بمعنى أنه إصلاح لايتوقف، لأن المشكلات والعراقيل أمام التنمية أيضا لاتتوقف، وهناك دائما بحث دائم عن حلول لها. ◙ هل أعطيتنا أمثلة لما تقصد، خاصة أن العملاق الصينى هو الاقتصاد الثانى دوليا ؟ ◄ نحن دولة نامية لديها طموح للوصول إلى صدارة العالم فى التنمية، توجد نحو 1000 منطقة صناعية وتجارية حرة مختلفة الأحجام والأشكال فى كل المقاطعات الصينية، كلها ناجحة للغاية، بفضل التعاون الدولى والانفتاح على الخارج، نستقبل 100 مليون سائح سنويا، ويخرج 100 مليون صينى للسياحة، العام الماضى تجاوزت استثماراتنا بالخارج ما يأتينا من استثمارات بنحو 100 مليار دولار، للمرة الأولى، هذا كله بوابة مهمة للانفتاح على الآخرين ولن تغلق، وتعزز من قدرة وجاذبية الاقتصاد الصينى عالميا. ◙ مصر أول دولة عربية وإفريقية اعترفت بالصين، ووقع الجانبان أخيرا اتفاقية «شراكة إستراتيجية»، لكن النتائج مازالت أقل من المرجو، لماذا؟ ◄ أود هنا أن أشكر الرئيس السيسي، لأنه زار الصين مرتين، كما حضر قمة العشرين بدعوة من الرئيس شي، والذى زار بدوره مصر يناير الماضي، هذه القمم المتوالية تعكس حرصا أكبر على تعزيز التعاون بين البلدين والشعبين الصديقين والارتقاء بها إلى مجالات أوسع، وقد حث الرئيس شى الشركات الصينية على الاستثمار بمنطقة محور قناة السويس، وتطوير الصناعة فى مصر وتوفير فرص عمل للشباب، أيضا يأتى السياح الصينيون إلى بلادكم، للتعرف على حضارتها العريقة. ◙ لكن ألا ترى أن هذا كله دون المستوى المأمول، بين بلدين تجمعهما «شراكة إستراتيجية»؟ ◄ من جانبنا نشجع شركاتنا على العمل بمصر، ولاحظت أن الحكومة المصرية تسعى لتوفير الظروف لجذب الشركاء الأجانب. ◙ هل توجد معوقات أو العراقيل تعطل المسيرة المشتركة؟ ◄ كل شيء صعب فى بدايته، لكننا مستمرون بضخ الاستثمارات فى مصر، وندعم استقرارها وتقدمها, لأنها بلد مهم ومحوري. وهى تسير بخطى ثابتة فى مسيرة الإصلاح الاقتصادي، ونتطلع إلى ضخ استثمارات فى المشاريع التنموية الكبيرة التى أعلنتها الحكومة المصرية، خصوصاً مشروع العاصمة الإدارية الجديدة، كما أن هناك نحو 700 مليون دولار تدفقات استثمارية، هذا غير حزم القروض والمساعدات بعدة مليارات لمصر. ◙ 100 مليون صينى يزورون بلاد العالم لايأتى منهم إلى بلدنا سوى 200 ألف؟ ◄ نعم المقارنة، تقول إنه رقم ضئيل، لكن لو رجعت خمس أو عشر سنوات، كانوا 10 آلاف فقط، هذا معناه، أن سوق السياحة المصرية ينمو وتزداد جاذبيته بالنسبة للصينيين، بمعدلات كبيرة وهذا مبشر، ونحن ندفع فى هذا الاتجاه بإصرار. ◙ بعض المؤشرات تقول إن العجز فى الميزان التجارى يقارب 10 مليارات دولار لمصلحة الصين، من بين 13 مليارا هى حجم التجارة البينية، فكيف نحد منه؟ ◄ نهتم بذلك، ونعمل عليه، لأن التجارة هى الاستفادة المشتركة، هذا سبب أساسى لإطلاق مبادرة «الطريق والحزام»، ومن خلالها سوف تقوى القدرة الصناعية المصرية وتزيد الصادرات ويقل العجز..بكين رصدت نحو 15 ملياردولار قروضا متخصصة لتطوير الصناعات فى دول المبادرة وكذلك 10 مليارات للبنية التحتية، والقاهرة ستسفيد من ذلك حتما. ◙ كيف ترى اتفاق الجانبين على التعامل بالعملة الصينية «اليوان» فى تبادلهما التجاري؟ ◄ خطوة تصب فى الاتجاه ذاته، مع مبادرة الطريق والحزام، تساعد مصر وتقوى اقتصادها وقطاعاته المختلفة وترفع التعاون المشترك وتخفف الضغوط على الميزانية، إننا دولتان صديقتان.. ◙ هل توافق الصين على انضمام مصر إلى تجمع دول «البريكس»؟ ◄ هناك نظام داخلى فى «البريكس»، لقبول أعضاء جدد، ولابد من موافقة الجميع، وهذا أمر يحتاج إلى مشاورات بين الأعضاء قبل الشروع فيه، والصين تدعم الأصدقاء فى كل المناسبات. ◙ كيف تنظر بكين إلى الأزمات المشتعلة بالعراق وليبيا وسوريا واليمن وفلسطين؟ ◄ نرجو أن تشهد السنة الجديدة تكثيفا للجهود المبذولة للوصول إلى حلول سياسية فعالة، لحل النزاعات سلميا، لإحلال السلام والاستقرار بالمنطقة وكبح الإرهاب، ولابد أن أذكر بأن الرئيس شى جين بينج شدد من القاهرة على ثلاث نقاط أساسية، هي: تسوية النزاعات بالحوار، والبحث عن مخرج نهائى للمشكلات, والتمسك بالتنمية واختيار طريق للتنمية مناسب للظروف الداخلية لكل بلد، هذه النقاط تحدد ملامح سياسة الصين صوب المنطقة، وتجيب عن سؤالك. ◙ مجىء دونالد ترامب إلى البيت الأبيض وتصريحاته المعادية للصين وتوجهاته الحمائية للمنتجات الأمريكية، ماذا تتوقعون؟ ◄ أثار الرئيس الأمريكى المنتخب الكثير من التساؤلات حول توجهاته وسياساته، وطبيعى أن يكون ما قبل الرئاسة شيء وما بعد الرئاسة شيء آخر، بكين تهتم بعلاقات مستقرة مع واشنطن، ونتمنى أن تخدم سياسات ترامب الاستقرار العالمى ونشر السلام والتعاون فى جميع الأرجاء. ◙ يبدو أن مياه بحر الصين الجنوبى تخفى براكين نزاعات قابلة للاشتعال بأى وقت مع الجيران؟ ◄ فى الوقت الذى نتمسك فيه بسيادة الصين برا وبحرا، دون تنازل عن أى شبر من أراضينا، لأنه لاشبر زائد فى خريطة الدولة الصينية، فإننا أيضا نتمسك بتسوية المشكلات بسبل مباشرة وعبر الحوار والتفاوض، لقد استطعنا تسوية مشكلات حدودية برية مع 14 دولة مجاورة، ولدينا ثقة بحل بقية المشكلات سلميا، نحن ننتمى إلى هذه البقعة ونحتاج كلنا إلى البيئة السلمية لمواصلة التنمية لكل شعوب المنطقة.