رسالة بكين سامى القمحاوى "كل شىء فى الصين بخدمة الاقتصاد وأهداف التنمية".. حقيقة لا يمكن أن تخطئها أى عين مراقبة للشأن الصيني، ويتأكد منها يوما بعد يوم كل متابع لتصريحات المسئولين الصينيين، الذين يعملون كل فى مجاله لاستمرار نمو اقتصاد "التنين الأصفر"، من خلال إستراتيجية التوجه نحو الخارج وزيادة الانفتاح على العالم، وعقد اتفاقيات التجارة الحرة مع الدول المختلفة، لتصبح الصين أول شريك تجارى لأكثر من 120 دولة حول العالم، تحقيقا لهدف "الكسب المشترك"، الذى تعتبره أحد محددات سياستها الخارجية. هذه الإستراتيجية الصينية للتوجه نحو الخارج والتعاون مع الدول المختلفة، أيا كان حجم اقتصادها أو معدل نموها، تسعى لصنع شركاء بدلا من الحلفاء، وستعمل الحكومة الصينية بكل وزاراتها وإداراتها على تحقيق هذا الهدف، حسبما أكد لى كه تشيانج، رئيس مجلس الدولة (مجلس الوزراء) الصيني، خلال عرضه لتقرير عمل الحكومة الصينية للعام الماضى، وخطتها للعام الجديد 2015، وذلك خلال افتتاح الدورة الثالثة للمجلس الوطنى لنواب الشعب. الصين والعرب العلاقات العربية - الصينية كانت حاضرة بقوة فى الصين خلال الأيام الماضية، ففى الفترة من 3 إلى 15 مارس الجارى شهدت العاصمة بكين جلسات متواصلة لأهم مجلسين فى الصين، حيث انعقدت الدورتين السنويتين للمجلس الوطنى لنواب الشعب الصيني، أعلى سلطة تشريعية فى البلاد، والمؤتمر الاستشاري السياسى للشعب الصيني، أعلى هيئة استشارية، وهى الاجتماعات، التى تعرف ب"الدورتين"، أو المؤتمر الوطني للحزب الشيوعى الصينى، وخلال هذه الجلسات، وما عقده المسئولون الصينيون من مؤتمرات صحفية على هامشها، ظهر مدى اهتمام الصين بعلاقاتها مع الدول العربية، واعتبارها 2015 عاما لمبادرة الحزام الاقتصادى وطريق الحرير، الذى ترى الصين أن الدول العربية ستكون أهم محطاته. فتقرير الحكومة الصينية أشار فى خطوطه العريضة لسياسات الحكومة فى 2015 أكد ضرورة المضى قدما فى دفع التعاون فى بناء الحزام الاقتصادى لطريق الحرير، وبناء طريق الحرير البحرى للقرن الحادى والعشرين، من خلال التخطيط الموحد للانفتاح والتعاون على الصعيد المتعدد الأطراف والثنائى والإقليمي، وذكر التقرير أنه يجب تحريك مفاوضات منطقة التجارة الحرة مع دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية. وهى المفاوضات التى بدأتها الصين مع مجلس التعاون الخليجي عام 2004، ويرى المسئولون الصينيون أن معدلات التبادل التجارى والاستثمارات الصينية فى الوطن العربى مازالت لا تعبر عن أهمية العلاقات التاريخية بين الصين والدول العربية، حيث تشير الأرقام إلى أن التبادل التجارى بين الصين والدول العربية مجتمعة لم يتجاوز 240 مليار دولار عام 2013، تمثل أسعار الطاقة التى تستوردها الصين من الدول العربية أكثر من نصفها، ومن بين 700 مليار دولار إجمالى استثمارات الصين فى العالم، لا يزيد حجم هذه الاستثمارات فى الدول العربية مجتمعة على 8.3 مليار دولار. الحزام والطريق مبادرة الحزام الاقتصادى وطريق الحرير ستكون بمثابة الجسر الجديد، الذى سيزيد من متانة العلاقات الصينية العربية، ومن حجم الاستثمارات والتبادل التجارى بين الجانبين، وسيكون عام 2015 عام الانطلاقة لهذا المشروع الضخم، ومن المنتظر أن تسخر الصين كل إمكاناتها لإنجاحه، فوزير الخارجية الصينى وانج يي، خلال مؤتمره الصحفى لعرض سياسة وزارته للعام الجديد على هامش جلسات المجلس التشريعى، أكد أن مبادرة "الحزام والطريق" ستكون الكلمة المفتاحية للدبلوماسية الصينية في 2015، حيث ستزيد الصين من تعزيز الاتصالات مع البلدان الأخرى، وتوسيع تلاقي المصالح المشتركة، والبحث عن مجالات جديدة تحقق التعاون المربح للجانبين. وأشار وانج يي، إلى أن الأولويات ستشمل تعزيز التواصل وبناء ممرات اقتصادية برية وتعزيز ركائز التعاون البحري، والعملعلى تعزيز التبادل الثقافى والشعبى، وتسريع محادثات إنشاء مناطق التجارة الحرة مع الدول ذات العلاقة، وأضاف:"نحن على ثقة بأن مبادرة الحزام والطريق ستحظى بمزيد من الدعم، حتى أنها ستحصد ثمارها مبكرًا أيضًا". وتؤكد الصين دائما أن مبادرة الحزام والطريق، التى طرحها الرئيس شي جين بينج في عام 2013، من أجل تعزيز التعاون بين الدول في آسيا وأوروبا وإفريقيا، ليست حكرا على أحد، وأعاد وزير الخارجية الصيني التأكيد على ذلك بقوله:»المبادرات ليست عزفا منفردا للصين، لكنها سيمفونية تعزفها كل الدول المشاركة»، معتبراً أن السمة المميزة للدبلوماسية الصينية مع الدول الأخرى هى التعاون متبادل المنفعة. عام الحسم للمشروع ولم يختلف اهتمام الذى أبداه وزير التجارة الصيني، قاو هو تشنج، المسئول الصيني الأول عن اتفاقيات التعاون التجارى مع الدول الأخرى، خلال مؤتمره الصحفى على هامش جلسات المجلس التشريعي الصيني بمبادرة الحزام والطريق عن اهتمام وزير الخارجية، حيث أكد أن الصين ستجري تعاونا إقليميا أو ثنائيا مع الدول المعنية سواء كان مستوى تنميتها رفيعا أم منخفضا، واعتبر أن هذا العام حاسم بالنسبة للمشروع، مشيرا إلى أن الصين بدأت مشاورات مثمرة مع دول معنية. وأعاد وزير التجارة الصيني التأكيد على أن «الحزام والطريق» مشروع للتعاون الصيني مع جميع الدول، حيث قال:»برغم أن مشروع الحزام والطريق مبادرة صينية، فإنه لا يستثني دولا أخرى، بل يشجع على التعاون بتسامح وانفتاح. لا يتخذ المشروع نمط تنمية لأي بلد كمقياس، تبنيا لمبدأ الانفتاح والتسامح، يسمح لأي بلد ومنطقة ومنظمة إقليمية أو دولية لديها نية للمشاركة في هذا التعاون بالانضمام إليه بمبادئ التشاور والبناء والتقاسم المشترك». وأوضح قاو هو تشنج: أن الصين اتخذت بالفعل خطوات عملية لدفع هذه المبادرة، حيث أنشأت بنك الاستثمار الآسيوي للبنى التحتية، وأقامت صندوق طريق الحرير، الذى يبلغ رأسماله 40 مليار دولار أمريكى، وتم تشكيل مجلس إدارته، كما ستقدم مصارف تجارية ومؤسسات تأمين في الصين ومؤسسات تجارية ومالية في الدول المعنية دعما ماليا لبناء الحزام والطريق، مضيفا أنه يثق فى أن بناء الحزام والطريق لا يصب في تنمية الصين فحسب، بل يعزز اقتصاد الدول المعنية والاقتصاد العالمي أيضا. خطوات عملية اعتبار الصين عام 2015 عام مبادرة طريق الحرير سبقه عمل مكثف، فالصين تحلم بطريق حرير برى وبحرى وجوى وآخر إلكترونى، وفى سبيل ذلك يجرى على قدم وساق لإنشاء منطقة خليج يويه هاى التجارية الإيكولوجية (CBD) فى مدينة يينتشوان، التابعة لمنطقة نينغشيا ذاتية الحكم لقومية هوي المسلمة، والواقعة على طريق الحرير القديم، وتحدد هذه المنطقة موقع التدويل والتحديث وتشكل معلما جديدا لبناء منصة تخدم التبادل التجارى الصينى - العربى، فالمنطقة تقوم على أربع صناعات كبرى تتمثل فى الاقتصاد، والأعمال المصرفية المتكاملة، والصناعات الإسلامية، والخدمات المتخصصة، وقد حجزت أكثر من 500 شركة من أقوى الشركات الصينية والأجنبية مكانها فيها، ويجرى بناء مجموعة كبيرة من الفنادق الضخمة، حيث تعد أيضا المنطقة الدائمة للمعرض الصيني - العربي. هذا الكم الهائل من الإنشاءات، واتباع أحدث الوسائل التكنولوجية فى التبادل التجارى، وتسهيل التجارة الإلكترونية، يتوازى معه عدد كبير من التشريعات والتسهيلات الحكومية، حيث وافقت الحكومة الصينية على إنشاء منطقة تجريبية للاقتصاد المفتوح بمنطقة خليج يويه هاي، ستصبح الأولى والوحيدة التى ستغطى جميع المناطق والمقاطعات الصينية، بالإضافة إلى الرؤى الإستراتيجية التى اقترحتها الحكومة الصينية لبناء الحزام الاقتصادى على طريق الحرير، وطريق الحرير البحرى فى القرن الحادى والعشرين. ومن الخطوات العملية التى اتخذتها الصين لإنجاح مبادرة الحزام الاقتصادى لطريق الحرير إعلانها منذ أيام أنها أصدرت أطلسا للبلدان الرئيسية على طول حزام طريق الحرير الاقتصادى، يتضمن معلومات عن الجغرافيا والمواصلات والثقافة والاقتصاد ل 16 بلدا ومنطقة. وقالت: إن هذا الأطلس، الذى أصدرته مصلحة المساحة ورسم الخرائط والمعلومات الجغرافية في مقاطعة شنشي شمال غربي الصين، يعد أول ملف شامل للبلدان الرئيسية على طول طريق الحرير. مطلب شعبى انتهاز فرصة مبادرة طريق الحرير لزيادة جودة العلاقات الصينية - العربية والتبادل التجارى بين الجانبين، ليس توجها حكوميا صينيا فقط، بل إنه مطلب شعبى لسكان منطقة نينغشيا ذاتية الحكم، التى تعيش فيها قومية هوى المسلمة، فسكان هذه المنطقة مهتمون بشكل خاص بالعلاقات مع الدول العربية، ويستطيع الزائر لها أن يجد ذلك واضحا فى أسماء الشوارع المكتوبة باللغة العربية على اللافتات، وبالمزارات التى تحمل مكونات الثقافة العربية والإسلامية، وأعلام الدول العربية المنتشرة فى كل مكان، ومصانع الأطعمة الحلال، التى تطمح إلى تصدير منتجاتها للدول العربية. وخلال جلسات المجلس التشريعي الصيني عقد النواب الصينيون من منطقة نينغشيا اجتماعا مفتوحا لمناقشة سبل تحقيق تنمية المنطقة وانفتاحها على الخارج، حضره أكثر من ثلاثين وسيلة إعلامية، للاستماع إلى كلمات النواب وطرح الأسئلة عليهم حول المواضيع ذات الاهتمام، وقد كان معظم هذه الكلمات والأسئلة يتعلق بالتعاون بين الصين والدول العربية بشكل وثيق. وفي الاجتماع أشار النواب إلى أن منطقة نينغشيا تعمل على وضع الخطط والترتيبات فيما يتعلق بالتعاون بين الصين والدول العربية، وتتمثل هذه الخطط في أربعة جوانب تشمل بناء النظام الحديث والشامل للمواصلات، وبناء طريق الحرير على شبكة الإنترنت، وتطوير المناطق الصناعية المنفتحة على الخارج، وتعزيز التبادلات الإنسانية بين الصين والدول العربية، من خلال تشييد المقاصد السياحية للمسلمين من الدول العربية. وتحدث أحد النواب عن أن الرحلات الجوية المباشرة بين مدينة يينتشوان والدول العربية ستوفر الوقت وتكلفة السفر، لقربها من الدول العربية، مقارنة مع الرحلات بين المدن الصينية الكبرى مثل بكين وشانغهاي، وهذا سيدفع التنمية اللوجيستية الجوية بين الجانبين، ويدفع التبادلات الشعبية مع الدول العربية من خلال النقل الجوي للركاب. يذكر أن منطقة نينغشيا أقامت الدورة الأولى لمعرض الصين والدول العربية بنجاح عام 2013، وحظي هذا المعرض باهتمام كبير من قبل الدول العربية، وفي شهر سبتمبر المقبل ستقام الدورة الثانية للمعرض في مدينة يينتشوان. المستوى الثنائي وبعيدا عن إستراتيجيتها لتطوير علاقاتها مع جميع دول حزام طريق الحرير، ومن بينها الدول العربية، فإن الصين تحتفظ بعلاقات ثنائية متميزة مع معظم الدول العربية، وتؤكد دائما سعيها نحو تطوير هذه العلاقات، فالعلاقات الصينية مع مصر تشهد نموا متسارعا وتعيش فترة تاريخية، حيث اتفق الجانبان خلال زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي الأخيرة للصين فى ديسمبر الماضى على رفع مستوى هذه العلاقات إلى الشراكة الإستراتيجية، وهى الخطوة التى دفعت بشدة نحو مستوى مختلف من العلاقات التجارية والاستثمارات، وتأكد ذلك بالتمثيل الصيني رفيع المستوى فى مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادى، كما تؤكده أيضا الزيارة المرتقبة للرئيس الصيني شي جين بينج لمصر فى شهر إبريل المقبل، بعد أشهر قليلة من استقباله للرئيس السيسي فى بكين. وتبرز أيضا العلاقات الصينية السعودية، فبعد مشاركته فى مؤتمر شرم الشيخ زار وزير التجارة الصيني قاو هو تشنج الرياض، لحضور افتتاح أعمال الدورة الخامسة للجنة السعودية - الصينية المشتركة، وتطرق الوزير خلال لقائه مع وزير المالية السعودي إبراهيم العساف إلى بحث سبل تنمية التعاون الاقتصادي بين البلدين في المجالات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية والفنية. وقال وزير التجارة الصيني في كلمته خلال افتتاح أعمال اللجنة: إن المملكة تعد الشريك الرئيسي للصين في الشرق الأوسط ودول الخليج، مشيرا إلى أنه مع نهاية العام الماضي بلغ حجم الاستثمارات الصينية فى المملكة 5.6 مليار دولار، فيما يقدر عدد الشركات الصينية العاملة في السعودية بنحو 150 شركة.