ربما يبدو ما أتناوله في رسالتي إلي «بريد الأهرام» للوهلة الأولي غريبا بعض الشيء لكنه تجربة نمر بها جميعا كل يوم دون أن نعرف كيف نتعامل معها وتترتب علي ذلك أضرار كثيرة ربما تأخذنا إلي متاعب صحية ونفسية لا نتمكن من علاجها، وعلي مستوي المجتمعات الكبيرة والدول يترتب عليها مشكلات تضيع بها شعوب ودول ولكي أوضح المعني الذي أقصده سأعطي مثلا يخصني شخصيا منذ سنوات قريبة توفي ابني الأكبر أثر حادث سيارة في السعودية انقلبت حياتنا رأسا علي عقب حزنا وكان لكل منا حزنه الخاص وكان أكثر مظاهره ضررا لوالدته ربط الله علي قلبها، أما أنا فبقدرة الهية أقنعت نفسي أنه لم يمت ولم انطق أبدا لفظ «مرحوم» الذي يذكرني برحيله واعتبرت اني لم أفقده لكنه غائب عني، واتخيله أمامي بكل تصرفاته، يعينني وأعينه وأمازحه ويمازحني يطلب مني واقنعه، أعرف رغباته وأنفذها في أولاده، ولكني لم اتمكن أبدا من أن أشرح الفكرة التي باتت حية لوالدته، لكنها ربما استغربت في نفسها اني لم أنطق لفظ المرحوم عنه غيبيا أبدا! هكذا تعاملت مع خسارتي بفن، وهكذا يمكن أن استوعبها فيما بقي لي من حياة. فعندما يصيب أحدنا مرض مزمن كالضغط أو السكر فإنه يتعايش معه فيأخذ العلاج، وتستمر الفحوص وتمضي الحياة. من هذا المنطلق فإن مصر الدولة والشعب والكيان والبقاء تمر بمحنة وهي محفوظة بفضل الله وشعبها الواعي لمجريات الأمور عبر حضارة عمرها سبعة آلاف سنة، وبفضل قادتها ومن قيضه الله لها وقت المحنة فقاد شعبها للنفاذ من الخطر. ان المحن تأتي لهذا الشعب فيمارس فن الخسارة وبذكاء يمر منه ضاحكا، ولأول مرة تحيط بمصر عداءات الأشقاء مع الأعداء عبر تاريخها لكن شعبها وقيادتها تعرف فن الخسارة، وتدركه جيدا فيأبي فهمها له ان تعاتب الأشقاء أو نتقاتل مع الأعداء في زمن أصبحت الحروب تذهب بكل الأوطان كيانا ووجودا وشعوبا وثروات. ومن فن الخسارة، أن هذا الشعب تقبل مشرط الجراح الذي غابت عن علاجه طويلا قرارات تمس حياته ومعيشته وقدرته علي الاستمرار لدرجة تصور البعض أن التضييق خارجيا علينا من بعض الأشقاء بالدعوة ليوم تظاهر اسموه 11/11، أن الشعب سيخرج صارخا وساعتها سيقال إن الشعب رافض لقيادته لكنهم لا يستوعبون «كلمة مرور» هذا الشعب الذي جعل يومهم الموعود نكتة عام 2016 قبل أن يمضي بحلوه ومره، وحتي أمريكا لم تدرك هذا الفن فحين فاز دونالد ترامب برئاستها بعكس كل توقعات مراكز التقدير والتوقعات شكل نجاح الرجل صدمة للكثيرين داخل وخارج أمريكا، وهؤلاء لم يعرفوا فن الخسارة ولم يدركوا ان مفاهيم الديمقراطية لديهم ليست كما يحاربون العالم لتطبيقها فخرجوا يتظاهرون ضد نتائج صندوقهم لا لشيء سوي لأن من نجح رجل بعيد كل البعد عن دهاليز الساسة والسياسة هي فن «السفالة الأنيقة» لكنه رجل اقتصاد واضح وصريح ما في قلبه يخرج سريعا علي لسانه سواء أعجب أو لم يعجب أحدا؟ وان الكثيرين من المغرورين من الدول ستزداد خسارتهم في الفترات المقبلة لكنهم لن يعرفوا أبدا ما هو فن الخسارة! د.محمد يحيي حجاب