يصدر الشهر المقبل كتاب جديد للباحث الأمريكي ساشا بولاكو سورانسكي بدورية الشئون الخارجية الشهيرة' فورين أفيرز' حيث يخوض في منطقة غامضة لم يسبقه اليها أحد وهو ما ينطق به عنوان الكتابUNSPOKENALLIANCE التحالف الخفي. ( أو الذي لايمكن النطق به) علاقة اسرائيل السرية مع نظام الفصل العنصري في جنوب افريقيا'. وقد حصلت الأهرام علي نسخة مبكرة من الكتاب الذي يتواكب صدوره مع القمة النووية ومؤتمر مراجعة معاهدة منع الإنتشار النووي في مايو المقبل. رجع المؤلف وهو أكاديمي شاب حصل علي الدكتوراة من جامعة أكسفورد في هذا الموضوع إلي7 الاف صفحة من الوثائق التي لم يسبق الإطلاع عليها في أكثر من أرشيف واجري اكثر من100 مقابلة ليخرج بتصور كامل عن العلاقة والتحالف المقدس بين النظام العنصري في بريتوريا جنوب إفريقيا الذي إختفي في مطلع التسعينيات من القرن العشرين وإسرائيل خلال سنوات الحرب الباردة وهي العلاقة الإستراتيجية التي تعمقت بعد حرب1967. وقد قضي ساشا ست سنوات في مطاردة الشخصيات التي لعبت دورا في هذا التحالف داخل اسرئيل وخارجها بحثا في أصول العلاقة التي لم يجرؤ أحد علي الخوض في ملفها وما نشر عنها مجرد معلومات صحفية غير موثقة نتيجة التعتيم الرسمي علي المعلومات وفقا لما يذكره المؤلف في المقدمة. ويكشف عن إطلاعه علي وثائق جنوب إفريقيا بما فيها إتفاقية موقعة مع إسرائيل عام1975 لكن اسرائيل تنبهت وطلبت عدم حصوله علي أية وثيقة تخص تلك الفترة السرية في العلاقات. الرابطة النووية في الفصل الثالث يقول المؤلف إن أمريكا تحولت للحصول علي اليورانيوم من جنوب أفريقيا بعد أن رفعت مستويات التخصيب بعد الحرب الثانية حيث لجأت إلي تنويع مصادر واردات اليورانيوم لتضمن عدم الإعتماد بشكل مبالغ فيه علي الكونجو التي كانت محتلة من بلجيكا وفي وقت لاحق تنوعت الدول التي تعتمد عليها أمريكا ووجدت حكومة بريتوريا نفسها أمام إغراء التعامل مع الاسرائيليين بحلول منتصف الستينيات. ويضيف ساشا أنه في مطلع الستينيات كانت جنوب أفريقيا تطور قدراتها النووية بينما كانت فرنسا وإسرائيل يعملان في مفاعلات صحراء النقب بعيدا عن أنظار الرقابة الدولية لكن باريس طلبت من تل أبيب البحث عن مصدر لليورانيوم. وبعد حرب1967 وجد العسكر في جنوب إفريقيا أن إسرائيل هي النموذج الذي يجب ان يتعلموا منه بعد إنتصارها علي العرب بينما كان اغلاق قناة السويس نعمة علي بريتوريا التي ربحت بعودة التجارة إلي رأس الرجاء الصالح.. فكان التعاون غير المشروط بين الحكومتين في المجال النووي واسقطت جنوب أفريقيا شرط التفتيش السنوي علي صادرات اليورانيوم لاسرائيل. في هذه الأثناء زاد اليسار العالمي من نقد الدولة المحتلة للأراضي العربية, فارتفعت نغمة صراع البقاء المشترك في اسرائيل وبريتوريا. ويقول المؤلف أن إنتصار تل أبيب في1967 والذي ادي إلي زيادة مساحة الأراضي التي تسيطر عليها إسرائيل بمقدار ثلاثة أضعاف في اقل من أسبوع ثم زرع مئات الالاف من المستوطنين في الأراضي العربية خاصة في الضفة الغربية وقطاع غزة وفي مواجهة عزلة دولية متزايدة وسعت إسرائيل من علاقاتها مع أنظمة قمعية أهمها النظام العسكري في الأرجنتين وموبوتو في زائير والنظام العنصري في جنوب إفريقيا. وبعد حرب1973 تعمقت العزلة ولم يكن أمام الحكومة العمالية بقيادة إسحق رابين وبمساعدة وزير دفاعه شيمون بيريز لتشجيع الصناعة المحلية سوي التعاون مع نظام جنوب أفريقيا لفتح أسواق خارجية بعد توحد المواقف الإفريقية والأسيوية إزاء الصراع ومساندة الإتحاد السوفيتي للقضية الفلسطينية. وأصبحت المعادلة كالتالي' دولتان معزولتان كونا تحالفا يسمح لجنوب إفريقيا بالحصول علي تكنولوجيا الصواريخ النووية ويمد إسرائيل بالمواد الخام والمواقع اللأزمة لإختبار توسيع ترسانتها النووية والصاروخية'. وقد تعمقت العلاقات أكثر بوصول حزب الليكود بزعامة مناحم بيجن إلي السلطة في عام1977 حيث ظهر تيار في حزب الليكود يميل إلي فكر' صراع الأقلية من اجل البقاء' الذي كانت تعتقد فيه الأقلية الحاكمة في جنوب أفريقيا بإعتبارهما ممثلان للحضارة الأوروبية وفي مواجهة مع السوفيت في القارة السمراء. وقادت المؤسسة العسكرية في إسرائيل بناء التحالف حتي أن السفارة الإسرائيلية في بريتوريا كانت مقسمة بين العسكريين والدبلوماسيين بحائط فعلي لم يسقط الإ أواخر الثمانينات. الاتفاق السري وفي مقدمة الفصل الرابع يرجع المؤلف إلي عبارة موحية لموشي ديان وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق' الدول الصغيرة لا تملك سياسة خارجية ولكن سياسة دفاعية'.. ففي3 إبريل1975 وقع اسحق رابين رئيس الحكومة الاسرائيلية وبي دبليو بوتا وزبر الدفاع رئيس جنوب افريقيا فيما بعد- اتفاقية أمنية سرية تنص احدي فقراتها صراحة علي السرية من الطرفين رغم إنكار إسرائيل حتي اليوم وجود الإتفاقية من الأساس. وبعد شهرين من هذا التاريخ عقد رابين وبوتا إجتماعا في زيورخ عرضت خلاله إسرائيل بيع صواريخ نووية في عملية تسميCHALET وتحدث الطرفان في فرص حصول بريتوريا علي صواريخ' أريحا' المحملة برؤوس نووية ثم تراجعت جنوب أفريقيا عن الصفقة لغياب الدوافع الداخلية وعدم وجود التمويل. وهي مجرد حالة من عشرات الأمثلة في الكتاب علي التعاون الوثيق الذي قادته المؤسسة العسكرية تحت امرة اسماء كبيرة مثل رافيل ايتان وايريل شارون وايلياهو لينكين. ويدلل المؤلف علي المأزق الاخلاقي الراهن بالقول أن ما كان هامشيا في نظرة الثقافة الغربية لاسرائيل اصبح اليوم في قلب المشهد فيما يتعلق بطريقة تعاملها مع شعب تحت الاحتلال.. فكان لابد من كشف الحقيقة.