الحاضر الغائب «كوامى نكروما»، المناضل الافريقي، أو الصخرة الصلبة التى قاومت الاستعمار ومخططاته فى القارة الإفريقية، وأحد آباء الاستقلال. ولد كوامى نكروما عام 1909 فى قرية نكروتيل فى ساحل الذهب سابقا، غانا حاليا، وكان فقيرا مثل معظم أبناء وطنه، ودرس فى دار المعلمين بمدينة أكرا، وسافر إلى أمريكا، ودرس علم الاقتصاد والاجتماع فى جامعة لينكولن بجانب التربية والفلسفة فى جامعة بنسلفانيا، ودرس فى بريطانيا أيضا. وعاد إلى بلده عام 1947 وبسبب نشاطه السياسى ومطالبته باستقلال بلاده تم اعتقاله. وأصدر صحيفة أخبار المساء لنشر أفكاره، وأسس بعد ذلك حزب المؤتمر الشعبي، لكن سلطات الاحتلال اعتقلته أكثر من مرة لمطالبته المستمرة بالاستقلال، وتحقق له ذلك عام 1957. وله العديد من المؤلفات مثل «تحدى الكونغو»، و«أفريقيا يجب أن تتحد»، وأشرف على إعداد الموسوعة الافريقية، إضافة إلى سيرته الذاتية، وأهم مؤلفاته فى تصورى كان كتابه «الاستعمار الجديد» الذى فضح أساليب الاستعمار الجديد ووسائله، وما زالت كلماته تنبض بالحياة إلى الآن حيث يرى رحيل الاستعمار وحصول الاستقلال نظريا فقط، لأن الواقع يؤكد استمرار الاستعمار. وتبعية الدول المستعَمَرَة السابقة للدول المحتلة إلى الآن، وإن أخذ أشكالا جديدة، منتقدا رأس المال الغربى الذى يحافظ بإصرار على مسافة كبيرة بين الدول المتقدمة والدول الفقيرة كهدف للاستعمار الجديد للحفاظ على بقاء إفريقيا فقيرة، لهذا طرح نكروما قضية الوحدة الأفريقية التى كانت تشكل برأيه معبرا سابقا لعصره، ووسيلة وحيدة للقضاء على الاستعمار والتبعية. وفهم نكروما جيدا مشكلات القارة والعوامل التى أدت إلى عدم تقدمها الاقتصادي، منها الاحتكار والاستغلال السئ لرأس المال الغربي، ودعا الشعوب الأفريقية لفهم قناع رأس المال الأجنبى الذى يختفى وراءه كل معانى الاستغلال والنهب لثروات القارة، مؤكدا نجاح الغرب فى التخطيط وتحقيق ذلك، ويكفى تأجيج الاستعمار الجديد للنعرات المذهبية والخلافات القبلية. ووصف نكروما الرأسمالية الغربية بأنها بلا ضمير وتختفى وراء كلمات معسولة مثل المعونة والدعم وتحقيق الاستقرار والحفاظ على السلام. وأكد أن الاستقلال لا يمثل نهاية الاستعمار لأنه بنظره يمثل الشكل لا المضمون، لأن الدول المستقلة ما زالت خاضعة للاستعمار الجديد، وذكر أمثلة على ذلك بفرض نظام سياسى ومؤسسى معين، وكذلك فرض نظام اقتصادي، ورأى أن الدول التى تخضع لهذا الشكل الجديد من الاستعمار ليست حرة فى تقرير مصيرها، كما أن هذا يضمن للغرب حكم بلادنا دون أدنى مسئولية. آمن نكروما بأن الاشتراكية هى الأيديولوجيا والمرجعية الأساسية لتحقيق التنمية والتقدم، وأنه لا يوجد تعارض بين الاشتراكية والمسيحية قائلا «من الممكن للإنسان أن يكون مسيحيا وماركسيا فى آن واحد». وأسس غانا الجديدة وأقر دستورها عام 1960، وانتخب رئيسا لها وتمت إعادة انتخابه عام 1965، ثم جرى الانقلاب على حكمه فى أثناء وجوده فى فيتنام، وعاد إلى غينيا واستضافه أحمد سيكوتوري، وظل يحاول العودة مطالبا شعبه بالخروج على هذا الانقلاب. بقى أن نشير إلى قربه الشديد من الرئيس جمال عبدالناصر، وزواجه من السيدة المصرية فتحية رزق، وهى من أسرة مسيحية مصرية، وترك من الأبناء ثلاثة، جمال وسامية وسيكو نكروما، وتوفى فى أبريل عام 1972 فى رومانيا بعد صراع مع المرض، ودفن فى غينيا ثم أعيد رفاته إلى مسقط رأسه فى غانا، تاركا أفكارا لن تموت وإرثا نضاليا يدعو للفخر والاعتزاز.