طوفان من الحوار المجتمعى انفجرت أخباره فجأة على صفحات الصحف وشاشات الفضائيات، وكلها تبدأ بعبارة واحدة مضمونها أن هذا يأتى تنفيذا لتوصيات مؤتمر الشباب بشرم الشيخ التى أعلنها الرئيس عبد الفتاح السيسي. ولأنى أعلم جيدا أن المؤتمر لم يطالب بعقد هذا الكم من الحوارات المجتمعية المتفرقة، والتى لا توضح ماهو الهدف منها فى النهاية بالضبط، عدت إلى توصيات المؤتمر التى أعلنها الرئيس عبد الفتاح السيسي، لأجد أن الفقرة الخاصة بهذا الموضوع وكانت فى نهاية الخطاب جاء فيها بالنص على لسان الرئيس: (قيام الحكومة بالتعاون مع الأزهر الشريف والكنيسة المصرية وجميع الجهات المعنية بالدولة بتنظيم عقد حوار مجتمعى موسع يضم المتخصصين والخبراء والمثقفين، بالإضافة إلى تمثيل مكثف من الفئات الشبابية لوضع ورقة عمل وطنية تمثل استراتيجية شاملة لترسيخ القيم والمبادئ والأخلاق ووضع أسس سليمة لتصويب الخطاب الدينى فى إطار الحفاظ على الهوية المصرية بكافة أبعادها الحضارية والتاريخية.) وهذه العبارة الموجزة واضحة ومحددة جدا، فهى تتحدث عن «حوار مجتمعي» وليس عن مجموعة «حوارات مجتمعية»، وتنظم هذا الحوار الحكومة بالتعاون مع الأزهر والكنيسة وجميع الجهات المعنية، لا أن تنظم كل جهة حوارا بمفردها، والمتحاورون يضمون متخصصين وخبراء ومثقفين وتمثيلا مكثفا من الفئات الشبابية، والهدف وضع ورقة عمل وطنية تمثل استراتيجية شاملة لترسيخ القيم والمبادئ والأخلاق ووضع أسس سليمة لتصويب الخطاب الديني، فهل ما يحدث الآن هو بالفعل تنفيذ لهذه التوصية الواضحة ؟! الحقيقة أن ما يحدث هو شيء آخر فى منتهى الغرابة، فالحكومة لم تتعاون مع الأزهر والكنيسة وجميع الجهات المعنية فى تنظيم الحوار المنشود وفقا لما جاء فى التوصية، بل بدأت كل جهة فى تنظيم حوار خاص بمعرفتها، فالأزهر عقد فى عدة محافظات ما سماه مؤتمر الأزهر للحوار الوطنى تحت رعاية الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، بينما بدأت وزارات الأوقاف والشباب والرياضة والثقافة سلسلة حوارات مجتمعية أخرى قال وزير الأوقاف مختار جمعة إنها ستستمر لمدة 3 أشهر مع الشباب والمثقفين وسائر طبقات المجتمع، لترسيخ القيم والأخلاق، وبما يفيد تصويب الخطاب الدينى الذى لا يمكن عزله أو قصره على جهة واحدة أو مؤسسة بعينها .. حسب تعبير الوزير. الطريف أنه فى نفس اليوم الذى أطلق فيه الأزهر حواره المجتمعى فى محافظة أسيوط تحت عنوان «الأزهر والحوار المجتمعي.. نحو مستقبل للشباب»، كانت الأوقاف تطلق من جانبها حوارا مجتمعيا منفصلا فى نفس المحافظة أطلقت عليه اسم «الحوار بشأن القيم والأخلاق والخطاب الديني»، وبينما كان الأزهر فى أسيوط يؤكد أن حواره بهدف وضع رؤية وطنية تمثل استراتيجية شاملة لترسيخ قيم الولاء والانتماء والأخلاق بين الشباب، تنفيذًا لتوصيات مؤتمر الشباب الذى انعقد فى مدينة شرم الشيخ برعاية وحضور الرئيس عبدالفتاح السيسي، كان الشيخ محمد العجمي، وكيل وزارة الأوقاف بأسيوط، يصرح بأن الحوار المجتمعى الذى تنظمه الأوقاف يهدف إلى وضع رؤية وطنية متكاملة لترسيخ قيم الولاء والانتماء والأخلاق بين الشباب وتدبير الشأن الدينى وتصويب الخطاب الدعوى للحفاظ على الهوية المصرية والثوابت الدينية؛ تنفيذا للتوصية التى أعلنها رئيس الجمهورية عبدالفتاح السيسى خلال مؤتمر الشباب بشرم الشيخ. وهكذا نجد أنفسنا أمام جزر منعزلة، كل منها تعمل وحدها وتقيم حوارا على هواها، بالشكل الذى يروق لها، وتستخدم كل منها لافتة «مؤتمر الشباب» ستارا لها، رغم أن هذه الممارسات تتنافى تماما مع هذا المؤتمر المفترى عليه الذى كان مثالا حيا للعمل الجماعى بين جميع أركان الدولة. كما أن التوصية التى أعلنها الرئيس عبدالفتاح السيسى قال فى أول فقرة منها:قيام الحكومة بالتعاون مع الأزهر الشريف والكنيسة المصرية وجميع الجهات المعنية بالدولة بتنظيم عقد حوار مجتمعي، ولم يقل تتنافس الحكومة والجهات المختلفة فى إقامة حوارات مجتمعية متناثرة ونختار الفائز منها !! ولا يعقل أن يرى الشباب وهو الفئة الأساسية المستهدفة من الحوار مؤسسات الدولة الكبرى وهى تحاول اختطاف الحوار من بعضها البعض، لتنفرد به هذه المؤسسة أو تلك، وجميعهم فى الحقيقة لا يقيم حوارا وإنما مجموعة محاضرات فقط لا غير. ولا يعقل أن نرى بعض المسئولين عن مؤسستين دينيتين وهما الأزهر والأوقاف وهم يستخدمون أسلوب «التلقيح فى الكلام»، استمرارا لمسلسل الصراع العلنى بينهما، والذى شهدنا أحد فصوله منذ أيام عندما قررت هيئة كبار العلماء بالإجماع الاعتذار عن ترشيحات أعضائها للمشاركة فى لجان المجلس الأعلى للشئون الإسلامية التابع لوزارة الأوقاف، ردا على قيام الوزارة باختيار أعضاء اللجان من العلماء على مزاجها الخاص وتجاهل بعض المسئولين بالأزهر. إن استمرار هذا الصراع الغريب يصب فى مصلحة الجماعات الإرهابية والمتطرفة، ويفقد المؤسسات الدينية الرسمية مصداقيتها أمام الشباب والرأى العام. ويا سادتنا فى الأزهر الشريف ورئاسة الوزراء والوزارات وكل الجهات المعنية وغير المعنية، تحاوروا مع أنفسكم أولا قبل أن تتحاوروا مع الشباب، إذا كنتم تريدون الخير فعلا لهذا البلد. كلمات: علاجنا غالبا ما يكمن فينا وليم شكسبير لمزيد من مقالات فتحي محمود;