الجيش الإسرائيلي: اعتراض صاروخ أطلق من اليمن    ألونسو يعلن رحيله عن ليفركوزن    الزمالك يكشف عن موعد جديد للتحقيق مع زيزو    اخماد حريق هائل اندلع داخل منزل في بني مزار بالمنيا    الجيش الإسرائيلي: اعتراض صاروخ أطلق من اليمن تجاه الأراضي الإسرائيلية    أسعار الدولار منتصف تعاملات اليوم الجمعة    ترامب يوجه رسالة إلى الصين: الأسواق المغلقة لم تعد مجدية    تراجع جديد في أعداد قاطني مخيم الهول السوري    بالصور- أسلاك الضغط العالي تتسبب في حريق عدد من المنازل بكفر الشيخ    إمام المسجد الحرام: تأشيرة وتصريح الحج من لوازم شرط الاستطاعة    النيابة تصرح بدفن جثة شاب غرق بترعة أبيس في الإسكندرية    حقيقة إغلاق بعض بيوت الثقافة التابعة للهيئة العامة    بشرى ل"مصراوي": ظهرت دون "مكياج" في "سيد الناس" لهذا السبب    فريق طبي بمستشفى سوهاج الجامعي ينجح في استخراج دبوس من معدة طفل    مصرع عنصرين إجراميين في مداهمة بؤرًا خطرة بالإسماعيلية وجنوب سيناء    شهادات مزورة ومقر بدون ترخيص.. «الطبيبة المزيفة» في قبضة المباحث    محافظ الشرقية يطمئن على نسب تنفيذ أعمال مشروعات الخطة الإستثمارية للعام المالي الحالي بديرب نجم    خبر في الجول - لجنة التظلمات تحدد موعد استدعاء طه عزت بشأن أزمة القمة.. ولا نية لتقديم القرار    أمين الفتوى: المعيار الحقيقي للرجولة والإيمان هو أداء الأمانة والوفاء بالعهد    السديس في خطبة المسجد الحرام يحذر من جرائم العصر الرقمي والذكاء الاصطناعي    الضرائب: 9 إعفاءات ضريبية لتخفيف الأعباء وتحفيز الاستثمار    «المستشفيات التعليمية» تنظم برنامجًا تدريبيًّا حول معايير الجودة للجراحة والتخدير بالتعاون مع «جهار»    فريق طبي بمستشفى سوهاج ينجح في استخراج دبوس من معدة طفل    التموين تعلن آخر موعد لصرف الدعم الإضافي على البطاقة    استلام 215 ألف طن قمح في موسم 2025 بالمنيا    قناة السويس تدعو شركات الشحن لاستئناف الملاحة تدريجيًا بعد هدوء الهجمات    البابا لاون الرابع عشر في قداس احتفالي: "رنموا للرب ترنيمة جديدة لأنه صنع العجائب"    وزير الأوقاف ومحافظ الشرقية يؤديان صلاة الجمعة بمسجد الدكتور عبد الحليم محمود    جامعة القاهرة: أسئلة امتحانات الترم الثاني متنوعة لضمان العدالة    تنفيذ فعاليات حفل المعرض الختامي لأنشطة رياض الأطفال    "موسم لا ينسى".. صحف إنجلترا تتغنى ب محمد صلاح بعد جائزة رابطة الكتاب    مروان موسى: ألبومي الأخير نابع من فقدان والدتي    أحمد داش: جيلنا محظوظ ولازم يوجد صوت يمثلنا    المنظمات الأهلية الفلسطينية: غزة تواجه أوضاعا خطيرة بسبب القيود الإسرائيلية    جدل فى بريطانيا بسبب اتفاق ترامب وستارمر و"الدجاج المغسول بالكلور".. تفاصيل    رئيس جامعة الإسكندرية يستقبل وفد المجلس القومي للمرأة (صور)    هل يجوز الحج عن الوالدين؟ الإفتاء تُجيب    رئيس الوزراء يؤكد حِرصه على المتابعة المستمرة لأداء منظومة الشكاوى الحكومية    عقب أدائه صلاة الجمعة... محافظ بني سويف يتابع إصلاح تسريب بشبكة المياه بميدان المديرية    الشباب والرياضة تنظم الإحتفال بيوم اليتيم بمركز شباب الحبيل بالأقصر    10 لاعبين يمثلون مصر في البطولة الأفريقية للشطرنج بالقاهرة    محمد عبد الرحمن يدخل في دائرة الشك من جديد في مسلسل برستيج    دمياط: قافلة طبية تحت مظلة حياة كريمة تقدم العلاج ل 1575 شخصا    وزير الري يؤكد سرعة اتخاذ قرارات طلبات تراخيص الشواطئ دعما للمستثمرين    سائح من ألمانيا يشهر إسلامه داخل ساحة الشيخ المصرى الحامدى بالأقصر..فيديو    عاجل.. الاتحاد السعودي يعلن تدشين دوري جديد بداية من الموسم المقبل 2025-2026    المتحف المصري الكبير يستقبل 163 قطعة من كنوز الملك الذهبي توت عنخ آمون    الطيران المدني الباكستاني: مجالنا الجوي آمن ومعظم المطارات استأنفت عملها    أبو بكر الديب يكتب: مصر والمغرب.. تاريخ مشترك وعلاقات متطورة    كاف اعتمدها.. تعرف على المتطلبات الجديدة للمدربين داخل أفريقيا    محافظ القليوبية يستقبل وفد لجنة الإدارة المحلية بمجلس النواب لتفقد مستشفى الناس    حفيدة الشيخ محمد رفعت: جدى كان شخص زاهد يميل للبسطاء ومحب للقرآن الكريم    تحقيقات موسعة في العثور على جثة متعفنة داخل منزل بالحوامدية    إعلام إسرائيلي: تفاؤل أمريكى بإمكانية التوصل إلى اتفاق بشأن قطاع غزة    الموافقة على الإعلان عن التعاقد لشغل عدة وظائف بجامعة أسيوط الأهلية (تفاصيل)    بسبب الأقراص المنشطة.. أولى جلسات محاكمة عاطلين أمام محكمة القاهرة| غدا    التنمر والتحرش والازدراء لغة العصر الحديث    «تصور الخبثاء واتفاق الزمالك وبيراميدز».. المنيسي يكشف سر تأجيل قرار التظلمات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يعنى إيه كلمة وطن؟

فى الأسبوع الماضى كتبت مقالى عن جحود الأبناء بالوطن ووصلتنى رسائل كثيرة بهذا الخصوص، ولكن هناك رسالة استوقفتنى وجعلتنى اكتب هذا المقال. فقد أرسل لى أحد الشباب قائلا: «أى وطن تتكلم عنه وماذا يعنى الوطن لا أفهم تلك الكلمات ولا تعنى عندى شيئا».
وهنا أيقنت أننا نعيش أزمة فكر على كل المستويات، ورغم تعدد مصادر المعرفة ولكننا تركنا شبابنا بلا محددات لهويته وأفكاره، بل لم نهتم بما يشكل عقله وروحه، وتركناه وسط خضم بحر أمواج العالم العاتية تجذبه هذه وتلطمه تلك، ولم نكن له المرسى والشاطئ والمعونة لمعرفة الحقائق ومساعدته فى تحديد هويته.
فالرسالة طعنة لكيان الوطن فى مقتل، إذ يرى البعض أن الوطن كلمة رنانة استخدمناها كثيراً ولكنها لا تعنى شيئاً سوى ما يجنيه فى يومه من أسباب معيشته، ولذلك يراود الكثير حلم الهجرة لأنه يرى أن الحياة ما هى إلا أكل وشرب وحياة مريحة. وهنا وجب عليّ أن أعلق على معنى الوطن. وبداية لابد أن أفرق بين الانتماء لوطن والسكنى فيه.
فالوطن هو نحن فى الجغرافيا والتاريخ، بينما سكنى الوطن هو أنا فى جغرافيا بلا تاريخ. والفرق كبير جداً، هو فى الحقيقة الفرق بين الابن الذى يحيا وسط عائلته حتى وإن كان منزلا متواضعا، واللقيط الذى يعيش فى قصر. فالسكنى فى وطن أو بلد يعنى الوجود فى مكان للمعيشة من أكل وشرب بلا انتماء ولا تاريخ، هو فقط يعيش ليستهلك.
أما النحن فى الجغرافيا والتاريخ فقد يعنى الآتي: «النحن» هى المجتمع الذى ننتمى إليه وليس الذى نعيش فيه فقط، و «ننتمى» أى ما يشكل ذواتنا الخاصة وشخصياتنا من ذات كبيرة هو العقل الجمعى والمزاج الجمعي. فالوطن هو الذى يشكل هويتنا الخاصة، فالإنسان يولد فى مجتمعه ويتشكل عقله من البيئة المحيطة به التى قد تكون تجانسا كبيرا بين الدين والثقافة والفن والعائلة والمدرسة والأصحاب والشوارع والحارات وأشكال الناس وملابسهم، كل هذا يشكل هويتنا. فالهوية فكر وعاطفة وموسيقى وفن ولغة وتراث وعادات وتقاليد يكون فيها الفرد مشاركا لكل من فى وطنه يعيشها يومياً ينتمى ويعيش ويشعر بدفء الحياة فيها. وهذا الكيان الكبير الذى هو الوطن يحمل فى أعماقه حضاراته وأفكاره وكل معانى العائلة الكبيرة فكل الأمهات وكل الآباء وكل الأخوات هم العائلة الكبيرة للشخص الذى ينتمى إلى الوطن ليشكلوا الترابط فى الهوية الفردية.
الوطن أيضا هو الجغرافيا، هو الأرض والحدود، هو ما نحيا عليه من عمل يد الله لنعيش به سواء بحارا أو أنهارا أو ثمارا، هو تضاريس الوطن الذى نشعر فيه بالانتماء المادي. فحين خلق الله الإنسان خلقه من نفخة فمه فكانت روحه، ومن طين الأرض فكان جسده. وهذا يعنى أننا ننتمى لكيانين فى طبيعتنا أننا من الله بأرواحنا، ومن الأرض بأجسادنا والطين هو أجسادنا.
فتراب الوطن هو نحن لذلك هناك من يستغرب على من يكتب فى وصيته أنه حينما يموت يدفن فى وطنه، ولا يدرك أن هذا لأن جسده منتم إلى تراب الوطن. فالوطن هو أجدادنا بالحق لا على مستوى الانتماء العائلى ولكن الانتماء المادى أيضا. فتراب الوطن هو أجساد أجدادنا التى عاشوا هنا.
والجغرافيا تشكل هويتنا أيضا فحين نقول إن مصر طيبة هذا لأن النيل فيها مسالم ومعطاء للخير. وأراضى مصر فيها الحب لأنها أرض خصبة تعطى ثمار وأسباب الحياة. كما أن المناخ أيضاً يشكل الهوية فإشراق الشمس ونسمات الهواء واعتدال المناخ يؤثر فى مزاج الشخص ويصبغ النفوس بالأمل والفرح أو الكآبة والضيق.
والوطن أيضا هو التاريخ هو الحضارة المتراكمة عبر الزمن. وحين تكون هوية الوطن حضارة منذ آلاف السنين لا يظن أحد أن هذا تاريخ ومضى ولكنه ترسيخ عميق لفكر وروح نتوارثها فى طبيعتنا وتدخل فى هويتنا وفى الوجدان واللغة والأعياد والتقاليد. فحين تسير فى كل حى وكل شارع وتجد معابد فرعونية شامخة وأهرامات ومسلات ثم ترى كنائس وأديرة ومنارات ثم ترى مساجد ومآذن هذا لا يعنى أنها مجرد مبان ولكنها هوية أيضاً. وحين يحتفل الوطن باحتفالات يشارك فيها الجميع تكون هذه هويته فنرى فى رمضان الكل يدخل فى شركة الحب والسهر والفرح، وحين يأتى شم النسيم يخرج الكل للاحتفال. فهذه ليست مجرد أعياد لكنها هوية وطن.
فى بداية القرن العشرين كتب المفكر الإنجليزى «ليدر» كتابا اسمه «أبناء الفراعنة المعاصرون» قال فيه «أيام الفيضان المنخفض الذى يهدد المصريين كانت مسيرات المسلمين والأقباط معا مضى فى الشوارع تنشد بصوت واحد ونغم واحد تضرعا مشتركا صيغت فيه مقاطع من صلواتها التقليدية كيرياليسون أى يارب أرحم والله الله لا إله إلا الله».
هذا هو الوطن الذى يحمل حضارة حقيقبة راسخة فى أعماقنا. نعم هذه الهوية التى ثار لأجلها الشعب حين أيقن بعبقريته أنها مهددة أثناء حكم مجموعة كانت ترى أن الوطن تراب عفن وعملوا على تقسيمه وتقسيمنا وتشتيته وتشتيتنا.
عزيزى القارئ وإن كان الوطن يحمل جسدا نحيلا أنهكته المصائب والمؤامرات والأمراض ولكنه لا يزال واقفا بشموخ الأجداد، فهذا الجسد النحيل يحمل رأسا عبقريا هو حضارة آلاف السنين. ولا تظن عزيزى القارئ أننى أتكلم عن وطننا فقط بل كل الأوطان. أرجوكم لا تتغربوا أو تفرطوا فى الوطن بل حافظوا على أوطانكم لأنها هويتكم وميراث الأجداد وغنى الأحفاد. فلا تجعلوا أحدا يسرق منكم الوطن ويترككم أمواتا فى غربة. وكما قال «فولتير»: «خبز الوطن خير من كعكة الغربة». ويقول «هوميروس»: «ليس هناك شىء فى الدنيا أعذب من أرض الوطن».
كاهن كنيسة المغارة -الشهيرة بأبى سرجة الأثرية
لمزيد من مقالات القمص أنجيلوس جرجس


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.