وجب على أن أعترف أولا، بأنه طيلة السنوات الماضية التى اهتممت فيها بمتابعة القضايا العربية والشأن العربى خلال حياتى الصحفية فى الأهرام، لم أر مثل هذا التراجع والخلل والإرباك والكمون فى المشهد العربي، مثلما أراه الآن حيث الخلافات والأزمات وتفجر المآسى التى تتوالى فصولا والأذى واللدد فى الخصومة والجفوة تتزايد وصار حال العرب لا يسر الصديق ولا يغيظ العدو. ولكن وبرغم قسوة المشهد وبشاعة المنحدر فى العالم العربى الآن، إلا أنه مازال لدى أمل يحدونى بأن هناك دولا كبرى وعملاقة فى المنطقة مثل مصر والسعودية والإمارات والكويت والبحرين والأردن وغيرهم ممن يسمون دول الاعتدال العربى قادرون على إسراع الخطى نحو إنقاذ هذا الوضع المتدهور والمنفلت من كل عقال، خاصة أن العلاقة بين كبرى البلدين مصر والسعودية جناحى هذه الأمة وإن كان البعض سعى بين الفينة والأخرى لدك أسافين التوتر أو الخلاف أو البعاد كما يشيع البعض حاليا، إلا أنهما مازالا رهان هذه الأمة وصواب عقلها ومنطقها وقوة شكيمتها، حيث العلاقة أكبر وأبعد من مجرد خلاف ناشئ أو تباين فى وجهات نظر أو مجرد تفاصيل تكتيكية، وسوف يجيء الوقت القريب الذى يتم فيه التجاوز عن أى تباينات فى وجهات النظر أو اختلاف التكتيكات، حيث إن استراتيجية العلاقة راسخة ومتمركزة ولا يمكن لأحدهما الاستغناء عن الآخر. حيث وجب علينا الاعتراف بأن جهود دولة الإمارات العربية المتحدة، والكويت للم الشمل العربي، وتجاوز تلك التباينات وعودة الأشياء إلى طبيعتها، لاشك ستأتى ثمارها وتحقق نتائجها وتوفى المراد فى القريب العاجل حيث هناك مجموعة من الحقائق والمعطيات الإيجابية ستفتح ثغرات وليس ثغرة فى جدار تسوية أى نقاط خلاف هنا وهناك، وهذا جهد مشكور ومستحق الثناء حيث لا يتصور استمرار حالة البعاد أو التباعد بين القاهرة أو الرياض لأن هذا معناه ضياع البوصلة السياسية العربية، حيث لا مستقبل لهذه المنطقة وهذا العالم العربى إلا عبر التعاون الاستراتيجى بين البلدين، ولا يمكن الحفاظ على وحدة البيت السنى فى الإقليم إلا بتآزر وتعميق العلاقات المصرية السعودية، خاصة فى ظل تنامى وتصاعد سياسات المد والتغلغل الإيرانى التى تقوم على منظور طائفى مذهبى وحسابات صغيرة وفئوية لا تخدم منطق وحدة العالم العربي. وبالتالى فى ظل هذا الوضع المأساوى فى المشهد العربى لابد من تجاوز سريع وعاجل لتباينات الموقفين المصرى والسعودى والإسراع بجسر الهوة حيث الظروف الراهنة وسوءات الوضع العربى تستدعى سرعة التلاقى بين البلدين للإسراع بتفعيل رؤية عربية واحدة لمواجهة مستقبل العرب الغامض، حيث تقارب وعودة الحوار وتوفير الحاضنة السياسية من كلا البلدين وإيجاد شبكة الأمان من قبل قيادتيهما سيعطى الزخم اللازم لفرض تلك الرؤية العربية بشأن قضايا وأزمات العرب، حيث من غير المقبول غياب البلدين عن مطبخ رسم سياسات وسيناريوهات لمستقبل العالم العربي، مع تزايد الانخراط الإيرانى التركى والأمريكى والروسى فى صياغة حلول لقضايا المنطقة كما يحدث حاليا. وأجدنى أتفق تماما مع عبارة عمرو موسي، الأمين العام الأسبق للجامعة العربية الأخيرة، بأن غياب أو خلاف مصر والسعودية هو كارثة محقة للعرب و يجب ألا يكون هناك خلاف على الإطلاق. نعم قد يكون هناك غيرى من الملايين فى العالم العربى الذى يحمل بداخله نفسا تشاؤميا حيث الصراخ على قدر الألم والجرح، ناهيك عن الصفعات التى تتوالى على منطقتنا وشعوبنا إلا أننا يجب ألا نلتفت إلى أساتذة صناعة اليأس وتصدير الوهم فى عالمنا العربي، بل نحمل نفسا تفاؤليا وفق حسابات اللحظة وأن نتخلى ونبتعد عن هذا الجنون الذى يشيعه البعض حيث مصر والسعودية تستطيعان صناعة هذا الأمل وعودة الروح من جديد فى شرايين العمل العربى المشترك. وأتمنى أن تتسع دائرة الرؤية والحركة فى قادم الأيام واليوم قبل غدا أمام مجموعة الاعتدال العربى وفى المقدمة منها مصر والسعودية وبقية دول الخليج والأردن لتدشين دينامية رؤية عربية موحدة للتعاطى مع استراتيجيات وآليات العلاقات العربية الأمريكية المرتقبة، فى ظل وصول ترامب إلى البيت الأبيض، حيث على العرب عموما ودول الاعتدال العربى تلك ألا تقع أسيرة للخطأ الذى سقطنا فيه طيلة سنوات باراك أوباما، وجر على دولنا ومنطقتنا العربية الخراب والدمار والوهم، حيث لا يمنع الأمر وأمام تخوفات أو تفاؤل البعض بوصول ترامب إلى البيت الأبيض أن تسعى تلك الدول لإيجاد مقاربة حوار وخلق تحالف عربى أمريكى جديد فربما تنجح دول الاعتدال العربى هذه فى تغيير وجهات نظر ومواقف ترامب كليا بشأن أحداث وقضايا العرب، وإيجاد آلية حوار جديدة تنعكس بالإيجاب على كل قضايانا بما فيها الإرهاب والقضاء على داعش والقاعدة والنصرة وأخواتهم وحل القضية الفلسطينية كليا، وبناء علاقات شراكة استراتيجية حقيقية أمريكية عربية وما أدراك فقد يصبح المستحيل ممكنا على يد ترامب كما فعلها ووصل إلى البيت الأبيض. لمزيد من مقالات أشرف العشري;