تجددت أخيرا وبشكل متصاعد نذر «حرب باردة» فعلية بين الولاياتالمتحدةوروسيا ليس كما يبدو في المناطق الملتهبة بالشرق الأوسط ولا شرق أوروبا وإنما في المنطقة القطبية الشمالية هذه المرة حيث التنافس علي أشده بين واشنطنوموسكو على الثروات الكامنة اسفل المياه في تلك المنطقة من بترول وغاز طبيعي وغيره من الموارد المعدنية، إضافة إلى التنافس على فتح طرق جديدة كبديل عن ممرات وطرق تقليدية برية وبحرية للتجارة الدولية. ولسفن الصيد، وحتى الرحلات السياحية. وحسب تقييمات لهيئة المسح الجيولوجي الأمريكية، تحتوي منطقة القطب الشمالي على قرابة 30٪ من مخزون الغاز الطبيعي غير المكتشف، بالإضافة إلى 13٪ من مخزون البترول غير المكتشف، كما تحتوي المنطقة أيضا على خمس مخزون الماء العذب على الكرة الأرضية.وزاد من التوتر القائم بين البلدين علي عدة جبهات إعلان واشنطن خطة لنشر المئات من القوات الخاصة من مشاة البحرية في قاعدة „فرنيس“ بالقرب من مدينة „تروندهايم“ النرويجية، على بعد 600 ميل من روسيا وفقا لما ذكرته صحيفة „إكسبريس“البريطانية أخيرا. وربما تعزز عملية نشر القوات الأمريكية في النرويج من احتمالات المواجهة المتصاعدة بين روسياوواشنطن للسيطرة على المنطقة القطبية، وفي العام الماضي زار الرئيس الأمريكي باراك أوباما ولاية ألاسكا التي يقع ثلثها في القطب الشمالي، وهي الزيارة الأولى لرئيس أمريكي منذ زيارة الرئيس تيودور روزفلت لها عام 1944، ورغم خبرتها الضئيلة في القطب الشمالي، تعتزم الولاياتالمتحدة منافسة روسيا على موارد هذه المنطقة، واستغل أوباما زيارته لولاية ألاسكا - التي اشترتها واشنطن من روسيا عام 1867- ليحاول اللحاق بالرئيس الروسي في مجال آخر، إذ أعلن من هناك تكثيف بلاده لمساعيها لاستثمار المناطق القطبية، وتسريع تحديث الأسطول الأمريكي القديم من كسارات الجليد بحلول عام 2020 بدلا من 2022. وتحدث أوباما صراحة عن موضوع المنافسة مع موسكو في المنطقة التي تحتوي على مخزون هائل من الثروات الطبيعية، وأشار إلى ضرورة اللحاق بروسيا التي تملك حاليا 41 كسارة جليد، وتبني 11 أخرى جديدة، بينما يتكون الأسطول الأمريكي من هذه السفن ذات الأهمية الاستراتيجية من ثلاث كسارات، اثنتان فقط صالحتان للاستخدام . وبينما لا تملك واشنطن أيا من كسارات الجليد الذرية، تستحوذ روسيا علي 6 سفن من هذا الطراز، وتتراوح نفقات بناء كل كسارة جليد ذرية بين 1 - 1٫5مليار دولار، أما عملية بنائها فتستغرق في روسيا 3-5 سنوات، بينما تستغرق في الولاياتالمتحدة نحو 10 سنوات، نظرا لنقص الخبرة في هذا المجال لدى الجانب الأمريكي. وفي عام 2013، أعلنت سلطات خفر السواحل الأمريكية حاجاتها العاجلة إلى 6 كسارات جليدية ثلاث منها ذات قدرة كبيرة علي تكسير الجليد بسمك 6٫5 متر، والثلاث الأخرى قادرة على شق طريق في جليد سمكه أقل من 2٫5 متر. وأعلن أوباما أن واشنطن ستسرع من تصنيع كسارات الجليد الجديدة لتحقيق طموحاتها في المنطقة المتنازع عليها في القطب الشمالي بين عدة دول منها روسياوالولاياتالمتحدة وكندا والدنمارك وفنلندا وآيسلندا والنرويج والسويد، وأيضا الصين، رغم أنها لا تملك أراضى مجاورة لتلك المنطقة، لكنها تمتلك كسارة جليد وتبني واحدة أخرى حاليا، وتدرس إمكانات المرور بطرق بحرية في أقصى الشمال، وهذا الأمر لم يكن واردا قبل سنوات، لكن الصراع بات يتزايد بين تلك الدول نتيجة لذوبان الجليد في المنطقة القطبية بسبب التغيرات المناخية، مما أدى إلى تقلص مساحته تلك المنطقة حاليا إلى حوالي 1٫1 مليون كيلومتر مربع . وبينما تعتمد المقاربة الروسية في السيطرة على المنطقة القطبية من السطح علي امتلاك اسطول كبير ومتقدم من كسارات الجليد، يفرض الأمريكيون سيطرتهم أسفل المياه من خلال أسطول ضخم من الغواصات الذرية التي تعتبرها العسكرية الأمريكية أفضل منصات للعمل في المنطقة القطبية، كما تبني واشنطن قوة جوية هجومية من المقاتلات الحربية „ستيلث“ غير المرئية ذات التكنولوجيا المتقدمة، والتي تتمركز في قاعدة إيلسون في ألاسكا، وتمنح التقدم الجوي الفضائي فوق المحيط القطبي للولايات المتحدة. وتمتلك واشنطن 41 غواصة هجومية نووية، مقابل 25 فقط على الجانب الروسي، وتنتشر الغواصات الأمريكية بشكل روتيني في أرجاء الدائرة القطبية الشمالية، وتجهز الغواصات من طراز „ذئب البحر“ والتي صممت خصيصا للعمل في المياه القطبية بأجهزة مسح بالسونار عبر الجليد، ومعدات أخرى تساعد الغواصات الأخرى العادية علي شق طريقها عبر الجليد والوصول لسطح البحر عند الطوارئ. وتحتفظ الولاياتالمتحدة بثلاثة ألوية مسلحة بمنطقة ألاسكا، بينما لروسيا قيادة قطبية أقل عددا، لكنها أجرت في مارس الماضي مناورات شارك فيها أكثر من 80 الف جندي بمختلف تجهيزاتهم العسكرية.