هذا الحوار محاولة لرسم ملامح الأدب الجديد فى الجزائر .وهو سعى للنفاذ الى عوالم وإبداعات شعراء وقصاصين وروائيين غير أولئك الذين ذاعت شهرتهم فى المشرق العربى ،وبخاصة مصر كمحمد ديب صاحب الثلاثية الروائية « الدار الكبير» و«الحريق» و«النول» التى طبعتها دار الهلال بالقاهرة منذ عقود . وكذا الطاهر وطار وأحلام مستغانمى و واسينى الأعرج وغيرهم . وهذا الحوار هو مع الشاعر «حسن دواس» الناقد والأكاديمى المتخصص فى الأدب بجامعة «سكيكده»الجزائرية ، والذى يترجم أيضا عن الفرنسية والإنجليزية .وقد التقيناه فى مهمة تفرغ لترجمة أدبية فى تونس . لكن وبالأصل فان «دواس» له اسهامه فى تعريف القارئ المصرى بأدب بلاده . فقد أصدرت له الهيئة العامة للكتاب بالقاهرة فى عام 2013 كتابه «حدث الهدهد.. قال : أنطولوجيا القصة القصيرة فى الجزائر « الذى يقدم خريطة للقصاصين فى بلاده ما قبل الاستقلال وبعده . ماهى مكانة وشعبية الأدب الجزائرى المطبوع بالعربية فى بلاده .. وكيف تقارنه الآن مع الأدب الجزائرى المطبوع بالفرنسية؟ فى البداية يجب الاشارة الى أن ظاهرة التعدد اللغوى فى الجزائر لا تقتصر على اللغتين العربية والفرنسية فحسب . وإنما وخاصة فى المرحلة الراهنة ظهرت كتابات أدبية جديدة باللغة الأمازيغية .وهذا هو الحال فى العشر سنوات الأخيرة بالتزامن مع تدريس هذه اللغة فى المدارس والتعديل الدستورى الذى جعل الأمازيغية لغة رسمية ووطنية . لكن إذا أراد الشاعر أو الروائى أو القاص أن يصل الى قراء أكثر فى بلاده الجزائر فبأى لغة يكتب ويطبع ؟ باللغة العربية . إذن تجاوزتم سطوة اللغة الفرنسية ؟ بعد التعريب وتخريج أقسام اللغة العربية فى كل جامعة أعدادا وفيرة من الطلاب أصبح القارئ الجزائرى متمكنا من لغته العربية . يقرأ ويكتب بها . وانحسرت اللغة الفرنسية بعد أن ظلت الى عقد الثمانينات تنافس اللغة العربية فى الكتابة الأدبية . هل اجتاز الأدب الجزائرى معضلة اللغة تماما أم مازال هناك ميراث للاستعمار والفرانكفونية ؟ طبعا ما زال للفرانكفونية ميراثها .نحن نتعامل مع اللغة الفرنسية ونكتب ونقرأ بها باعتبارها «غنيمة حرب» وأداة انفتاح على الثقافات العالمية .ولكن يلاحظ أن الثقافة الجزائرية بدأت تعنى باللغة الإنجليزية .وهناك الآن من يكتبون أدبا جزائريا بالإنجليزية مثل «أحمد بو قرش» الذى يقرض الشعر و«صليحة نعيجة» التى تكتب شعرا وتترجم الى الإنجليزية ، وأصدرت أخيرا كتابا بالإنجليزية بعنوان «أنطولوجيا الشعر الجزائري». وقد ترجمت منتخبات من الشعر الجزائرى الى هذه اللغة. وأنا شخصيا أكتب أيضا بالإنجليزية وأترجم منها واليها. وأصدرت ديوان شعر بالإنجليزية بعنوان» أحلام ظمأى «. كما ترجمت الى الانجليزية ديوان شعر ل «يوسف وغليسي» «بعنوان تباريح اللون الأخضر» و ديوانا آخر للشاعر عبد الله حمادى بعنوان «يا امرأة من ورق التوت ». وكل هذه الأعمال صدرت داخل الجزائر ومن دور نشر جزائرية . ولماذا يكتب بعض الأدباء الجزائريين حتى الآن باللغتين معا الفرنسية والعربية ؟ حقا ..هذه ظاهرة أدبية جزائرية أخرى قد لانجدها فى بقية دول المغرب العربى .فهناك بعض الأدباء تحولوا من الكتابة بالفرنسية الى العربية للوصول الى جمهور أوسع من القراء كالروائى « رشيد بو جدرة». وهناك من كان يكتب بالعربية وحدها ولجأ لاحقا للجمع بينها وبين الفرنسية مثل الروائى «أمين الزاوي». وكان مديرا للمكتبة الوطنية بالجزائر . وربما جاء ذلك فى إطار محاولة تجاوز حدود القارئ الجزائرى الى قارئ خارج الجزائر. لدينا أيضا الروائى «محمد ساري» الذى يكتب باللغتين العربية والفرنسية وحصل على جائزة «إسكال» الأدبية لعام 2016 عن روايته باللغة الفرنسية «أمطار من تبر» .وهى صادرة عن دار جزائرية تدعى «الشهاب». هل تعرف الجزائر كالعديد من المجتمعات العربية ظاهرة صعود الرواية وتصدرها للمشهد الأدبي؟ الآن تهيمن الرواية ومنذ نحو عشر سنوات مقارنة ببقية الأجناس الأدبية .هى بحق تتصدر المشهد الأدبى بالجزائر. كما يمكن ملاحظة ظاهرة تحول الشعراء الى كتابة الرواية. ولدينا هنا أمثلة ك «عيسى لحيلح» الذى كتب رواية «كراف الخطايا» ( وكراف تعنى مطهر أو مزيل). وأيضا وزير الثقافة الحالى «عز الدين ميهوبي» الذى تحول من الشعر الى الرواية فكتب» إرهابيس».لكن السنوات الأخيرة فى الجزائر عرفت كذلك عودة الإهتمام بالقصة القصيرة . على مستوى اتجاهات الأدب الجزائرى الجديد شعرا ونثرا .. ماهى ملاحظاتك كناقد وأكاديمى يؤرخ لأدب بلاده ويدرسه فى الجامعة ؟ فى الشعر والنثر معا هناك اتجاه واضح نطلق عليه «أدب الأزمة». وهو يعالج فترة العشرية السوداء فى تاريخ الجزائر مع الإرهاب والتطرف بين 1990 و 2000.وهو فى معظمه يدخلنا الى لون من الكتابة الاجتماعية السياسية . ولعل خير مايمثل هذا الاتجاه هو رواية «الفراشة والغليلان « ل»عز الدين جلاولي». وبخصوص الشعر يبدو أن هناك توجها واضحا الى قصيدة النثر. وكذا الى «القصيدة الومضة» ( الهايكو ). أى تلك القصائد القصيرة جدا.ومن أعلام هذا الاتجاه «مسعود حديبى « الذى برع فى شعر الومضة .وكذا «الحبيب يعقوب « الذى يكتب بدوره نثرا هو « القصة الومضة». كيف تصف ملامح أدب الجيل الجديد من الشباب فى الجزائر الذين يكتبون بالعربية ؟.. ولماذا لم يحققوا شهرة فى الفضاء العربى خارج بلادهم ؟ زخرت الساحة الأدبية الجزائرية بعديد الأعمال للشباب.لكن كتاباتهم لم تحظ بالاهتمام النقدى الذى يمكنه ابراز ملامح هذا الجيل ورموزه . وبالنسبة للشعر تحديدا هناك تطور واضح ترجم نفسه فى حصد شعراء جزائريين لجوائز عربية عدة .هؤلاء الشعراء الشبان قدموا جديدا على صعيد شكل القصيدة . ولماذا لم يبلغ أى من أسماء الأدباء الشبان فى الجزائر شهرة الطاهر وطار وأحلام مستغانمى وواسينى الأعرج مثلا رغم أن عندهم فرصة ثورة وسائل الاتصال والإعلام ؟ أعتقد ان المشكلة تظل فى غياب النقد الأدبى . فالشاعر أو القاص أو الروائى مهما انتشر على شبكة الانترنت واصدر من مطبوعات وكتب سيظل فى الشهرة دون من تفضلت بذكرهم طالما افتقد مصباح النقد الذى يضئ أعماله . وإذا توفر النقد الأدبى وجرى حل مشكلة تصدير الكتب الأدبية للخارج وترجمة أعمال هذا الجيل الى اللغات الأخرى وبخاصة الإنجليزية سيكون لدينا أكثر من اسم كبير.