تمر الأيام والسنون ومعها الذكريات والأحداث فى تاريخ الأمم والشعوب. ومهما سجلت الكتب والوثائق، هذه الأحداث التاريخية، تظل النواحى الإنسانية للشعوب والأفراد، غير مسجلة فى ذاكرة الأمة. ومن هنا تجىء أهمية وجود أفلام تجمع بين الحقائق التاريخية المدونة، والموثقة فى كتب التاريخ، وفى السجلات والوثائق الرسمية للدولة. ومن هنا أبدأ كلماتى عن ضرورة إصدار فيلم عن حرب أكتوبر 73 وأقصد هنا فيلما روائيا طويلا أو سلسلة أفلام روائية طويلة عن الحرب، تحكى قصة هذه الحرب، موضحة للأحداث المدونة فى المراجع التاريخية، مع التركيز على الجوانب الإنسانية المصاحبة لهذه الوقائع التاريخية. فمثلا إذا تناولنا فيلما عن ملحمة كبريت وقصة الحصار لهؤلاء الأبطال، تجد أن تأريخ الأحداث والحقائق، لم يوضح مشاعر وانفعالات هؤلاء الأبطال وأحاسيس عائلاتهم، خلال تلك الملحمة. ولو أخذنا مثالا آخر، وليكن عن حرب الاستنزاف، فإن الوثائق تذكر حقيقة تهجير أهالى مدن القناة، بورسعيد والسويس والإسماعيلية، لكنها لم تصور المشاعر الإنسانية لمن عاشوا هذه التجربة. وهنا يكون دور الفيلم الروائى الذى يوضح ويؤرخ ويصور بدقة تلك الجوانب. وحقق فيلم «الطريق إلى إيلات» شعبية كبيرة فى الشارع المصري، وقدم للأجيال التى لم تعاصر فترة الحرب، صورة رائعة عن بطولات قواتنا البحرية. ومن هذا المنطلق، جاءت الفكرة منذ عدة سنوات مضت، عندما كنت مديرا للشئون المعنوية بالقوات المسلحة المصرية، إذ تم توقيع عقد مع الكاتب الرائع أسامة أنور عكاشة، رحمه الله، لكتابة قصة فيلم عن حرب أكتوبر. والتقي، آنذاك، الكاتب الكبير، مع عدد من قادة القوات المسلحة، والضباط، والجنود، واستمع لروايتهم عن الحرب، تمهيدا لاستخدام قلمه الرشيق، وقدراته العالية فى كتابة القصة. وتم، حينئذ، التعاقد مع المخرج القدير شريف عرفة، لإخراج هذا العمل. وتم الاتفاق مع عدد من المخرجين العالميين فى هوليود، المتخصصين فى المعارك البرية، والجوية، والبحرية، للتعاون فى إخراج معارك هذا العمل الفني. ولقد استلهمت هذه الفكرة من الفيلم الأمريكى «The Longest Day» أو «أطول يوم فى التاريخ»، والذى أعتقد أنه أعظم فيلم أمريكى تناول إنزال قوات الحلفاء فى نورماندي، وتحرير فرنسا، والقضاء على الجيوش الألمانية، فى أثناء الحرب العالمية الثانية.فكان الاتفاق مع الكاتب الكبير أسامة أنور عكاشة، أن تكون مدة الفيلم 4 ساعات، مقسمة على جزءين، يتناول الجزء الأول نكسة 67، وما أعقبها من حرب الاستنزاف، والتحضير والتخطيط لحرب أكتوبر 73، ويبدأ الجزء الثانى بلحظة العبور واقتحام قناة السويس، وإنجاز هذه الملحمة التاريخية الرائعة، التى كلل الله فيها، مجهوداتنا، بالنصر. ولن أخوض فى الأسباب العديدة، وراء عدم ظهور هذه الفكرة إلى النور، ولكننى أفضل، اليوم، الحديث عن أهمية إحيائها، والإسراع فى تنفيذها، لعدة أسباب، أولها أن بعض من القادة والضباط المشاركين فى هذه الحرب، مازالوا على قيد الحياة، والاستماع إليهم، كشهود عيان، من شأنه إثراء هذا العمل الفنى بالأحداث كما نقلها أصحابها. أما السبب الثانى فهو أن معظم الأسلحة والمعدات التى استخدمتها القوات المسلحة المصرية، فى أثناء الحرب، لم تعد تستخدم الآن. فتصوير مثل هذا العمل لا يمكن أن يخلو من مشهد واضح للعبور، وهو ما يستلزم استخدام معدات العبور الحقيقية والدبابات، التى لم تعد، حاليا، فى الخدمة. ولو حاولت تجسيد مشاهد معركة المنصورة الجوية، مثلا، فيجب أن يكون ذلك باستخدام الطائرات ميج -21، والتى يجب التأكد من جودها، أولا، ومن صلاحيتها للاستخدام، ثانيا. أضف إلى ذلك، أن أرض المعركة ومنطقة العبور على ضفاف قناة السويس، ذاتها، قد تغيرت جغرافيا، نتيجة للتطوير والتنمية اللذين لحقا بها، وقد يجئ اليوم، الذى لا تجد فيه منطقة الساتر الترابى وخط بارليف، لتجسيدهما فى عمل فنى يروى هذه الفترة العظيمة من عمر الوطن.فهذه الأسباب، وغيرها، تدعونا للإسراع فى تنفيذ مثل هذا العمل. على جانب آخر، فإن إنتاج هذه الأعمال الروائية، ذات الطابع البطولي، من شأنه تعزيز مشاعر الوطنية والإحساس بالفخر، لدى الشعب المصري، خاصة بين أجيال الشباب الذين يحتاجون، فى بعض الأوقات، إلى الالتفاف حول رموزهم الوطنية. إن أمريكا عندما فرغت من إنتاج أفلام البطولة عن حربها فى فيتنام، والتى لم تقنع العديد من مواطنى الشعب الأمريكى وشبابه، لاعتراض الكثيرين منهم على هذه الحرب، اخترعت لهم، ومازالت تخترع، أبطالا أسطوريين مثل سلسة أفلام «رامبو» التى التفت حولها أجيال الشباب، حتى يومنا هذا. أيها السادة، إذا كانت الدول تتفاخر بما حققته من دمار لشعوب أخري، أو تتباهى بأبطال أسطوريين، فالأولى بنا أن نتفاخر ونتباهى بما لدينا فى مصر من المئات، بل الآلاف، من «رامبو» الحقيقيين فى حرب أكتوبر 73، الذين قاموا بعمليات وطنية لتحرير الأرض، وضحوا بأرواحهم فداء لها. لقد حان الوقت لتقديم وتجسيد بطولاتهم لشباب مصر، ليكونوا قدوة لهم فى المستقبل. ومن هنا، أرفع صوتى للجميع، أناشدهم وأرجوهم من أجل تاريخ هذا الوطن. ومن أجل هذا الشعب العظيم وجيشه الذى قدم أكبر وأروع ملحمة فى التاريخ الحديث أن يتم تنفيذ هذا العمل، وأن يتم تنفيذه فى أعلى صورة فنية، ليسجل للأجيال الحالية والقادمة ما حققه جيشها المصرى من بطولة. اللهم إنى قد بلغت.. اللهم فاشهد. لمزيد من مقالات لواء د. سمير فرج