منيت بعض القرى فى صعيد مصر، منذ أيام بسيول جارفة، نتج على أثرها تهدم المساكن وضياع الممتلكات والمحاصيل الزراعية، وتوفى عدد من المواطنين وأصيب آخرون، مما دعت الحاجة الى تكاتف الجميع ومد يد العون الى نجدة المتضررين من هذه السيول، ومساعدتهم بشتى أنواع الإعانة حتى يعبروا الأزمة بسلام. وطالب علماء الدين بمد يد العون وإغاثة المنكوبين وسرعة نجدتهم، ودعم الحملات الخيرية لمعاونة ومساعدة المتضررين فى هذه السيول، والدعوة إلى تماسك جميع أفراد المجتمع، باعتبار أن الإنفاق والمشاركة فى مثل هذه الحملات والمساعدات الإنسانية ولو بالجهد، واجب شرعى ومجتمعى ووطني، وذلك لتحقيق الألفة والتناغم المجتمعى بين أفراد المجتمع. وأكد العلماء أيضا انه يجوز إخراج الزكاة المفروضة والصدقة التطوعية قيمة أو عينية فى مثل هذه المساعدات الخيرية. ويقول الشيخ محمود عاشور وكيل الأزهر الأسبق، انه يجب شرعا على كل مستطيع قادر دعم المبادرات والمشاركة فى الحملات الخيرية، التى من شأنها دفع الضرر والأذى عن الذين أضيروا من هذه السيول، وهى كارثة عامة، التى لا دخل للناس فى مسبباتها، وذلك من خلال التبرعات سواء بالأموال النقدية أو الأمور العينية أو بالجهد بقدر الاستطاعة، سواء كانت جهودا فردية أو عملا جماعيا أو مؤسسيا مثل الجمعيات الخيرية والمؤسسات الأهلية، موضحا أن تلك المساعدات والحملات الخيرية تعد من أبواب التكافل الاجتماعى والتعاون التى دعا إليها الإسلام سواء فى آيات القرآن الكريم أو فى أحاديث السنة المطهرة، قال تعالي:”وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ”، وعن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: “مَثَلُ المؤمنين فى تَوَادِّهم وتراحُمهم وتعاطُفهم: مثلُ الجسد، إِذا اشتكى منه عضو: تَدَاعَى له سائرُ الجسد بالسَّهَرِ والحُمِّى “. وطالب علماء الدين والأئمة والوعاظ، بدعم هذه الحملات والمبادرات والمساعدات الخيرية لمواجهة مثل هذه الكوارث، وذلك من خلال توجيه الناس إلى جواز إخراج الزكاة المفروضة والصدقات التطوعية فى مثل هذه الأمور الخيرية، وتوضيح ثواب من يفعل ذلك عند الله سبحانه وتعالي، سواء أكان ذلك فى وسائل الإعلام أو الدروس الدينية، أو وسائل التواصل الاجتماعي، كما يجب على وسائل الإعلام المختلفة أن تتبنى مثل هذه الحملات والمبادرات وتدعو رجال الأعمال المخلصين إلى المشاركة فيها، ومساندتها قدر الاستطاعة حتى يكتب لها النجاح، وإبراز النماذج الجيدة فى مثل هذه الأمور، حتى يقبل الناس عليها، ويتم تخفيف الضرر عن المنكوبين وينعموا بالأمن والاستقرار بعد فقده جراء هذه السيول. مساعدات عينية ونقدية وفى سياق متصل يقول الدكتور عبد الفتاح إدريس، أستاذ الفقه المقارن، إن الذين نكبوا فى هذه السيول وغيرها من الكوارث، وفقدوا النفس والمال والمسكن والمأوى والكساء والدواء والطعام والاستقرار، هم فى أشد الحاجة إلى مساعدة الآخرين، وإذا كان الدين الإسلامى يقوم على أساس متين وهو التكافل الاجتماعي، وقد فرض الزكاة والصدقات بإخراجها فى مصارفها المقررة شرعا، فإن هؤلاء المنكوبين لهم حقوق على القادرين من أفراد المجتمع، وهذا الحق يصل الى رتبة الفرضية، على كل قادر ان يقدم للمحتاجين بوجه عام ولهؤلاء المنكوبين بوجه خاص، ودعمهم بكل شىء يعينهم على مواجهة هذه الكارثة التى ألمت بهم، من طعام وشراب وكساء ودواء وبناء مساكن ومتاع، مشيرا إلى انه واجب على الجميع أن يتعاونوا فيما بينهم لدفع الضرر عن هؤلاء المنكوبين، وإمدادهم بكل ما يحتاجونه، عاجلا غير آجل، حتى يدركوا ويشعروا ويحسوا بأنهم ليسوا وحدهم فى مواجهة تلك الكارثة، التى ألمت بهم دون جريرة اقترفتها أيديهم. وأوضح أنه لا ما نع شرعا من إخراج الزكاة المفروضة أو الصدقة التطوعية، فى صورة نقدية أو عينية إلى هؤلاء المنكوبين, متمثلة فى صورة الأكسية, أو الأغطية أو وسائل التدفئة فى الشتاء, أو الأطعمة والأشربة, أو الأمتعة أو الأدوية لمن يفتقر إليها, أو نحو ذلك, إعانة لمن يحتاج إلى ذلك من ذوى الحاجة, وليس فى الإسلام ما يمنع من ذلك, لما فى ذلك من مراعاة مصالح المحتاجين. وأضاف: إن الذين قضوا حتفهم فى هذه السيول، نحتسبهم شهداء عند الله تعالي، وذلك لأن من مات غرقا أو انهدم عليه مسكنه، ونحو ذلك، هم شهداء عند الله تعالي، كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعن أبى هريرة رضى الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما تعدون الشهيد فيكم؟ قالوا: يا رسول الله من قتل فى سبيل الله فهو شهيد قال: إن شهداء أمتى إذن لقليل! قالوا: فمن هم يا رسول الله؟ قال: من قتل فى سبيل الله فهو شهيد ومن مات فى سبيل الله فهو شهيد ومن مات فى الطاعون فهو شهيد ومن مات فى البطن فهو شهيد و الغريق شهيد وفى رواية وصاحب الهدم شهيد». التكاتف فى الأزمات من جانبه يؤكد الدكتور أحمد كريمة أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، أن مما تقرر فى التشريع الإسلامى وطبقه المسلمون الأوائل والتابعون والصالحون فى هذه الأمة، التكاتف فى وقت الأزمات والكوارث حتى مع غير المسلمين، قال تعالي” وافعلوا الخير لعلكم تفلحون”، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله عزّ وجلّ سرور يدخله على مسلم، أو يكشف عنه كربة أو يقضى عنه ديناً أو يطرد عنه جوعاً، ولئن أمشى مع أخ فى حاجة أحب إليَّ من أن أعتكف فى هذا المسجد - مسجد المدينة - شهراً ..”، لأجل هذا وجبت شرعا المسارعة والمسابقة لمد يد العون للمنكوبين فى هذه السيول، لإعانتهم وإغاثتهم، ويدخل الإنفاق فى هذا الأمر تحت مصرف الزكاة «فى سبيل الله»، فمما لا شك فيه أن كل ما من شأنه يؤدى إلى تعبيد الطرق وبناء منازل وإمدادهم بوسائل الإعاشة، يدخل فى هذا المصرف، إضافة إلى أن إتلاف المشروعات والمحصولات الزراعية وهدم الممتلكات، بسبب السيول الجارفة، تجعل الكثيرين من المتضررين من هذه السيول يدخل فى مصرف”الغارمين”، لأجل هذا وما يماثله، فالحاجة داعية لكل الشعب أن يسارع ويسابق ويتنافس فى عمل الخير، لإغاثة هؤلاء المنكوبين، كل قدر استطاعته، حتى تمر هذه الأزمة بسلام.