ما ان يهل علينا شهر رمضان المبارك كل عام، حتى تجد سيلا من الإعلانات التى تدعو الى المسارعة بالتبرع الى مشروعات الخير المتنوعة، لسد حاجات الفقراء وغير القادرين من طعام وكساء ودواء وغطاء وتعليم، كنوع من التكافل فى المجتمع، خاصة فى الأوقات التى تعانى فيها البلاد من أزمة اقتصادية خانقة يعانى ويلاتها الجميع. من جانبهم طالب علماء الدين بدعم هذه الحملات والدعوة إلى الإكثار منها، لتحقيق الألفة والتناغم المجتمعى بين أفراد المجتمع، وحذروا من استغلال تلك التبرعات فى أمور تضر بمصالح العباد والبلاد، او تحقيق مصالح شخصية، وطالب العلماء بخضوع جميع حملات التبرع والمشروعات للإشراف الكامل للدولة منعا للتلاعب من قبل الجهات المانحة للتبرعات، مع عمل قاعدة بيانات موحدة للفقراء والمحتاجين لتعظيم الاستفادة من هذه التبرعات ومنع التلاعب بها من قبل الجمعيات أو من قبل المحتاجين أنفسهم. يقول الدكتور عبد الفتاح إدريس، أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون بالقاهرة، إن البعض يعمد إلى جمع ما يعين به الفقراء والمساكين وذوى الحاجة, فى كل فصل من فصول السنة, أو فى مناسبة معينة منها, كشهر رمضان ونحوه, وذلك بتقديم صدقات مالية أو عينية إلى هؤلاء, متمثلة فى صورة الأكسية, أو الأغطية أو وسائل التدفئة فى الشتاء, أو الأطعمة والأشربة فى شهر رمضان, أو الأمتعة أو الأدوية لمن يفتقر إليها خلال أيام السنة, أو نحو ذلك, إعانة لمن يحتاج إلى ذلك من ذوى الحاجة, وليس فى الإسلام ما يمنع من ذلك, لما فى ذلك من مراعاة مصالح المحتاجين, وحيثما تكون المصلحة المشروعة, فثم شرع الله تعالي. إخراج الزكاة قيمة وأشار إلى أن الإسلام قد فرض على الأغنياء مقدارا معينا فى أموالهم, كحقوق للمحتاجين, فقال سبحانه فى صفة أهل الجنة المستحقين لنعيمها : (والذين فى أموالهم حق معلوم* للسائل والمحروم), وإذا كان هذا الحق يؤدى من كل شيء وفق قواعد مقررة فى الشرع, إلا أن التشريع لم يمنع من دفع أموال الزكاة كقيمة من غير أعيانها, فقد أجاز هذا بعض الفقهاء، ومنهم الحنفية والثورى وزيد بن على والحسن البصري، وهو مروى عن عمر بن عبد العزيز, ودليل هؤلاء على جواز أخذ القيمة فى الزكاة مطلقا: ما روى عن طاوس قال: « لما قدم معاذ اليمن قال: ائتونى بعَرْض ثيابكم آخُذُه منكم, فإنه أهونُ عليكم وخيرٌ للمهاجرين بالمدينة «, وروى عن عطاء قال: « كان عمر رضى الله عنه يأخذ العُروض فى الصدقة من الدراهم «, ورُوى عن أبى إسحاق قال: « أدركتُهم ( يقصد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ) وهم يؤدون فى صدقة رمضان الدراهمَ بقيمة الطعام», فقد كان معاذ بن جبل عاملاً لرسول صلى الله عليه وسلم على أهل اليمن, يأخذ منهم الصدقات ويأتى بها إلى المدينة، فلو كان أخذُ القيمة فى زكاة المال غيرَ مُجزِئٍ, لأنكَرَ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أَخْذَه القيمةَ بدلاً من الجنس, ولأَمَرَه بردِّ القيمة على أهلها، إلا أنه لم يُنكر عليه ولم يأمره برد القيمة على دافعيها، فدل هذا على إجزاء دفع القيمة فى الزكاة, وفعلُ عمر وغيره من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صح عنهم, فإنه يكون بمثابة المرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, لأن هذا لا مجال للرأى فيه، ففعل عمر وسائر الصحابة من قبول القيمة أو إعطائها فى الزكاة عامةً, توقيفى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأضاف: الزكاة تراعى فيها حال من تعطى لهم ومدى نفعها لهم، وبذل القيمة أنفع لمن تصرف لهم الزكاة من دفع الجنس؛ لأنها تُصرَف لهم للوفاء بحاجاتهم الضرورية، وليس الطعام هو كلَّ هذه الحاجات، فحاجتُهم إلى الدواء والكساء والغطاء, والسُّكنَي, وغير ذلك, لا تقل أهمية عن حاجتهم إلى الطعام، ودفعُ الطعام إليهم لا يَفى بمثل هذه الحاجات، فكان فى دفع القيمة وفاءٌ بحاجاتهم الضرورية, وتيسيرٌ لذوى الحاجات فى إشباع رغباتهم من مال الزكاة، دون حاجة إلى تحويل الطعام إلى نقود, ومن ثم فما يفعله بعض الناس اليوم من دفع الزكاة إلى المحتاجين, فى صورة أكسية أو أغطية أو أدوية, أو نحو ذلك مجزئ عنهم فى دفع ما أوجبه الله عليهم من زكاة أموالهم. الشفافية ضرورة وفى سياق متصل، رحب الدكتور سيف رجب قزامل، العميد السابق لكلية الشريعة بطنطا ، بكل مبادرة أو حملة من أهل الخير لسد حاجات الفقراء وغير القادرين، فى رمضان اوغيره من الشهور، سواء كانت هذه المبادرات والحملات من خلال أشخاص أو جمعيات او مؤسسات أهلية معروف عنها الإخلاص والمصداقية، دون استغلال لأى هدف سياسى أو تخريبى يعادى الدولة، وأيضا لابد ان يكون معروفا عن هذه الجهات حسن التصرف فيما يوكل إليها من أموال، ويخضع نشاطها بالكامل تحت إشراف الجهات والأجهزة المختصة فى الدولة، وذلك لضمان معرفة طرق الإنفاق وفق الأهداف المعلن عنها، كما يجب على تلك المؤسسات والجمعيات الالتزام بالشفافية الكاملة فى كل ما تقوم به من نشاط حتى يكتب لها القبول والمصداقية عند الناس، مؤكدا أن دعم هذه الحملات الخيرية من الأمور المستحب فعلها شرعا. قاعدة بيانات ومنعا لإهدار هذه الأموال والصدقات أو توجيهها لغير مستحقيها طالب الشيخ محمد عبد الفتاح إسماعيل، وكيل وزارة الأوقاف بالقاهرة سابقا، بقاعدة بيانات موحدة على مستوى الجمهورية وإصدار كروت ذكية يدرج فيها أسماء الفقراء وذوى الحاجات بعد التحرى عن حاجتهم وظروفهم بشكل دقيق ودوري، حتى لا تتحول الجهات المانحة للصدقات إلى أبواب معينة للتسول والتنطع، مع ضرورة التنسيق بين جميع جهات التبرع وإدراجها تحت قاعدة بيانات بحيث يتم استبعاد من سبق إعانته، وكشف المتحايلين. ويجب على الدولة إحكام الرقابة على جميع المؤسسات والجمعيات والاطلاع على ذممهم المالية أولا بأول، خشية الإهدار والتلاعب وسوء التصرف، ولا مانع من إخضاع القائمين على هذا العمل لدورات تدريبية يتم فيها الكشف عن قدرتهم واستعدادهم لهذا العمل، وتعليمهم أفضل السبل للتعاطى مع أموال التبرعات والصدقات، وأهمية العمل الخيرى بما له وما عليه. .فقد تكون الجهة سليمة من حيث الذمة المالية، ولكن لا تحسن التصرف فيما أوكل إليها من صدقات وأموال، كأن تعطى من يستحق ومن لا يستحق، أو أن تشترى بأموال الصدقات كمية كبيرة من اللحوم والمواد الغذائية قد يفسد بعضها قبل أن يصل للفقراء، أو يحتاج إلى مخازن تضاعف التكلفة وتقلل القيمة الفعلية لما يصل إلى الفقير، أو توجه الصدقة العينية إلى مناطق بعيدة مما يستدعى استئجار سيارات نقل وعمالة وغير ذلك، وكل ذلك يستلزم إشراف ومتابعة أهل الخبرة والاختصاص والكفاءة فى العمل الخيرى والتطوعي. وحتى يتم التفريق أيضا بين من يحرص على الفقراء ومن يسعى لشو إعلامي، والتحايل على الضرائب، لا يشغله هل وصلت الصدقة لمستحقيها أم لا!