شكلت المواقع الإلكترونية وتقنيات الانترنت التفاعلية بداية الانطلاق لمفهوم الإعلام البديل مقارنة بالإعلام التقليدي الممثل في الصحف والإذاعة والتليفزيون، ففى السنوات الخمس الماضية التي تمكنت فيها مواقع التواصل الاجتماعي من سحب البساط من تحت أقدام وسائل الإعلام التقليدية إلى الدرجة التي استطاعت فيها تلك الصفحات مثل فيس بوك وتويتر إشعال ثورات وتغيير أنظمة حكم بمنطقة الشرق الأوسط، جعلت مصطلح الإعلام البديل مصطلحا عاما وشائعا ليس في الأوساط الأكاديمية فحسب، وإنما في الأوساط الشعبية أيضا. .............................................................. ومن هذا المنطلق أصبح الإعلام البديل وخاصة مواقع التواصل الاجتماعي مادة خصبة لدراسات الباحثين، وهو ما دفع الكاتبة الصحفية هبة عبدالعزيز إلى تخصيص دراستها التي نالت بها درجة الدكتوراة من جامعة عين شمس، لبحث مدى «فاعلية الإعلام البديل في تنمية وغرس قيم المواطنة لدى الشباب» واستغلال إمكانيات هذا الإعلام الجديد التفاعلي في التوعية بأساليب الحفاظ على البيئة وأكدت الدراسة التي تعد الأولى من نوعها في هذا المجال والتى أشرف عليها الدكتور حسن عماد مكاوى والدكتور أحمد شلبى أن قيام أدوات الإعلام الجديدة بتغيير سيرورة العملية الاتصالية برمتها عبر إيجاد تفاعل منقطع النظير غدا من خلاله المرسل مستقبلا ، والعكس صحيح ، كل ذلك جعل وسائل الإعلام البديلة جزءا لا يتجزأ من الحياة اليومية للأفراد. وتناولت الدراسة مفهوم الإعلام البديل عبر أربعة مداخل، أولها هويته المستقلة كوسيلة في خدمة المجتمع، وثانيها كونه بديلا عن الإعلام السائد التقليدي، وثالثها كونه جزءا مهما من المجتمع المدني، ورابعها كونه متجذرا في المجتمع ومتشعبا في مؤسساته ومتعددا في أشكاله وأساليبه من صحيفة مغرقة في المحلية إلى مدونة أو موقع الكتروني أو محطة إذاعية عبر الانترنت، أو إذاعة خاصة أو إعلام للشتات في المهجر، أو إعلام تفاعلي متعدد الاتجاهات يلتف حوله المتفقون والمختلفون بعيدا عن السياق الرقابي النمطي» . وعلى هذا أصبحت التفاعلية هي السمة الرئيسية للإعلام البديل لكونها «المطلب الرئيسي الذي يبحث عنه الكثير من مستخدمي وسائل الإعلام على مختلف أشكالها وهو ما جعلها أحد إمكانيات القوى الدافعة نحو انتشار استخدام وسائل الإعلام الجديدة . الإشكاليات التي تواجه الإعلام البديل رغم اهتمام الدراسة بالتركيز على مدى فاعلية الإعلام البديل في التأثير على الجمهور واستغلال تلك الفاعلية لتحقيق الأثر المطلوب، إلا أنها أيضا لم تغفل تلك الإشكاليات ونقاط الضعف التي يحتوي عليها هذا النوع من الإعلام والتي من أهمها عدم القدرة على التحقق والوثوق من صحة ومصداقية العديد من البيانات والمعلومات التي تحويها المواقع الالكترونية، وكذلك سهولة المساس بالقيم الدينية والاجتماعية للمجتمعات، وضعف السيطرة على نشر العنف والتطرف والإرهاب. ورأت الدراسة أن عدم التوازن بين نوعية وحجم الرسائل الاعلامية الموجهة وبين استعداد المتلقي لها، من أهم العيوب التي يتسم بها الإعلام البديل وخاصة مواقع التواصل الاجتماعي، يضاف إليها انتهاك الخصوصية وحقوق النشر والملكية الفكرية وارتكاب الجرائم الالكترونية، التشويش الثقافى والسياسي إن الاتفاق على أن الإعلام البديل هو أدة المجتمع والأفراد في مواجهة الإعلام الرسمي أو الحكومي، فإن دراسة ظاهرة التشويش تبدو أساسية للتعرف على بدايات الإعلام البديل. فعن طريق التشويش استطاع النشطاء تحويل الرسائل الإعلامية سواء الثقافية أو السياسية الرسمية الصادرة عن مؤسسات الدولة أو شركات ومنظمات إلى مواد إعلامية بديلة تحمل رسائل مغايرة عن طريق السخرية والتهكم والانتقاد. وليس التشويش ظاهرة جديدة تماما (هاتشون: 1994، دنتيث: 2000)، حيث تعود جذور ما يسمى اليوم بالتشويش الثقافي أو السياسي إلى مجموعة متنوعة من الحركات الثقافية الفرعية والفنية من بداية القرن العشرين حتى الثمانينات . ويمكن تطبيق التشويش الثقافى على الأوهام البصرية التي ينتجها الفنانون السرياليون من أمثال رينيه ماجريت والتي غالبا ما يكون الهدف الماكر منها هو إرباك الجمهور وتشويشه. ويمكن أيضا ربط «فلاكساس» وهي حركة فنية تقدمية يعود تاريخها إلى الستينات والسبعينات بظهور التشويش الثقافي، حيث رسخت نفسها كحركة فنية مضادة منخرطة في العمل الاجتماعي، إذ قامت حركة فلاكساس بشكل صريح بدمج الفن مع النقد الثقافي والاجتماعي والسياسي للمجتمع وأسلوب عمله. ويعد المذهب الموقفي وتعبيره عن المحاكاة الساخرة الجادة أوثق صلة بما يوصف اليوم بالتشويش الثقافي، ويتحدث (جاى ديبورد وجيل وولمان:1956)عن المحاكاة الساخرة الجادة في دليلهما قائلين : «وهكذا فإن من الضروري تخيل مرحلة تهكمية/جادة يعبر فيها تراكم العناصر مثار السخرية الجادة – بدلا من إثارة الضحك من خلال التلميح إلى عمل أصلي ما – عن لامبالاتنا بأصل لا معنى له ومنسي ويشغل نفسه بإخفاء قدر معين من السمو و الرقي. إن جوهر فكرة المحاكاة الساخرة أو التهكمية وهي تقديم معان جادة مقلوبة يتردد صداه مع قلب أو التعدي على أو تخريب التعريفات المقتبسة أعلاه، ومن الامثلة على الفن الموقفي أخذ رسوم كرتونية قديمة ووضع محتوى (مضمون) مختلف في بالونات الكلام. وهناك أسلوب موقفي آخر يستخدم كثيرا وهو الأداء الفني ويتم من خلال التدخل في المجال العام كشكل من أشكال العمل المباشر ويكون الفن فيه عملا سياسيا. في حين أن التصورات المفاهيمية الحديثة للتشويش الثقافي الممثلة في الرسائل الشعبية المناقضة للعالم المؤسسي وثقافته الخاصة بالعلامات التجارية، فإن التشويشات السياسية الأكثر صراحة موجهة ضد السياسات الحكومية أو الأطراف الفاعلة السياسية الرسمية كالأحزاب السياسية وضد السلوكيات غير المرغوبة في المجتمع. ومن المنصف القول إن كثيرا من مستخدمي الانترنت حول العالم استلموا في وقت ما تشويشا سياسيا في صندوق بريدهم الإلكتروني، علاوة على ذلك فإن الأحداث العالمية مثل أحداث الحادي عشر من سبتمبر وما تلاها من حروب بقيادة الولاياتالمتحدةالأمريكية ضد طالبان في أفغانستان والحرب الأمريكية في العراق، قد نتج عنها حدوث عدد هائل من التشويشات السياسية التي يتم عادة توزيعها ونشرها من خلال الانترنت. ومن بين التشويشات السياسية الشهيرة والموزعة على نطاق واسع حرب النجوم الذي تمت إعادة هندسته لكي يصبح حروب الخليج – الحلقه الثانية – النموذج المستنسخ للهجوم ، وقد انتجته مجلة ماد . وغالبا ما يتم استخدام أسلوب التلاعب بالصور الفوتوغرافية، كأحد أبرز أساليب التشويش السياسي على الانترنت، وهناك الآلاف من التشويشات السياسية المتداولة على الانترنت والتي لا يمكن اختزالها إلى مجرد نقد أو تأييد فقط للسياسات الحكومية العامة وإنما غالبا ما تشير هذه التشويشات أيضا إلى السياقات والقضايا السياسية المحلية، و تدمج عادة الثقافه الشعبية مع السياسة. وفي هذا السياق يعمل الانترنت إلى حد كبير جدا بمثابة وسيلة بديلة للتوزيع وتسمح خصائصها بانتشار التشويش الثقافي والسياسي بسرعة شديدة جدا عبر الحدود وبأقل تكلفة على منتجيها، حيث يقوم المواطنون بتوجيه هذه التشويشات إلى شبكاتهم المهنية أو الشخصية مما يؤدي إلى انتشارها بدرجة أكبر . ويلعب الانترنت دورا حيويا من خلال قدرته على نشر تشويش ما على نحو يشبه الفيروس إلى حد كبير جدا من مجتمع مستخدمين إلى آخر. وقد استهدفت الدراسة تنمية المواطنة البيئية لدى الشباب المستخدمين لمواقع التواصل الإجتماعي ( الفيس بوك ) كأحد وسائل الإعلام البديل، من خلال إنشاء صفحة متخصصة في التوعية بقضايا البيئة وتنمية قيم المواطنة ودراسة تفاعلات الشباب من أعضاء الصفحة ومدى تقدم درجة الوعي لديهم بقضايا البيئة، ودفعهم إلى الالتزام بسلوكيات بيئية تتسق مع قيم المواطنة السليمة. الإعلام البديل في المقدمة وأظهرت الدراسة مدى فاعلية وتأثير الإعلام البديل ووسائله الحديثة على تنمية المواطنة البيئية لدى الشباب في مصر مقارنة بوسائل الإعلام التقليدي المتعارف عليها، وهو ما يرجع إلى التأثير التفاعلي المباشر بين المرسل والمتلقي فضلا عن وضوح الرسالة ، وتهيئة البيئة الإتصالية المناسبة التى تحافظ على دائرية العملية الإتصالية من خلال رجع الصدى (التغذية المرتدة ) وهذا ما تخفق فيه وسائل الإعلام التقليدية بما يؤثر على تفاعلية وتأثير تلك الوسائل في تنمية المواطنة البيئية مقارنة بوسائل الإعلام البديل (التفاعلي) . وخلصت الدراسة إلى وصف الإعلام البديل بأنه : حالة التزاوج بين الكمبيوتر وتكنولوجيا الاتصال الحديثة إلى خلق إعلام بديل له طابع دولي يتخطى الحدود، ويتسم بسرعة تغطية الأحداث ونقل الأخبار وكذلك سهولة التصفح والحصول على المعلومة والبحث عنها، وهو إعلام مفتوح وحر إلى حدٍ كبير ويتسم بالاستقلالية ويتجاوز الرقابة ومضاد لها ويعمل من أجل إنهاء عصور القمع والاستبداد السياسي. وقد علق الأستاذ الدكتور محب كامل رافعي وزير التعليم السابق قائلا : إن وسائل الإعلام التقليدية ستظل لها وضعها رغم التقدم التكنولوجي ، ورفض بدوره فكرة التعميم المطلق وأكد على فكرة سلبيات ما يسمى الإعلام البديل رغم انتشاره الذي لا يمكن إغفاله وأنه لم يولد كنتيجة لتقصير نظيره التقليدي وربما نتاجا لتطور وسائل الإتصال الحديثة . أما الأستاذ الدكتور حسن عماد مكاوي - عميد كلية الإعلام جامعة القاهرة السابق – فقد اتفق على أهمية هذه الدراسة التى تتناول نوعا جديدا من الإعلام ينتشر دونما تخطيط أو تقنين وعلى القائمين بالإتصال في مجالات الإعلام المختلفة وضعه في الاعتبار في محاولة لمواكبة الحراك الراهن ، وفضل أن يطلق عليه الإعلام الجديد . وقد أثنت الأستاذة الدكتورة هويدا مصطفى – أستاذ الإذاعة والتليفزيون بكلية الإعلام جامعة القاهرة – على هذه الدراسة لما تقدمه من مفاهيم جديدة في مجال الإعلام وكذلك ما يسمى بالمواطنة البيئية التى تحقق التنمية المستدامة . كما أكد الأستاذ الدكتور أحمد شلبي – استاذ المناهج والبحث العلمي بجامعة عين شمس – أن الباحثة تتسم بالجرأة الشديدة في تناولها لهذه القضية المعاصرة لقلة المراجع العربية في هذا الشأن ، فضلا عن الأوضاع الشائكة التى تسبب فيها الإعلام البديل عموما وموقع التواصل الإجتماعي «الفيس بوك « على وجه الخصوص ، وأضاف أن هذا البحث يعد إضافة جديدة للبحوث العلمية لتمتعه بالحداثة والجرأة معا . وأوصت الدراسة بضرورة إعداد منظومة إعلامية بديلة أو موازية يكون القائمون بالاتصال عليها ذوي مواصفات خاصة تكنولوجية وأكاديمية تمكنهم من استغلال مواقع التواصل الاجتماعي كمنصة إعلامية أكثر فاعلية في تحقيق الوعي وتوصيل الرسائل الإعلامية المطلوبة للجماهير بشكل أكثر قابلية للتفاعل معها والاقتناع بها واتخاذ مواقف وسلوكيات تتسق والهدف المطلوب.