نصر السادس من أكتوبر العاشر من رمضان ليس مجرد حدث عابر، ولا يكفى للاحتفاء به يوم إجازة ولا برامج إعلامية على مدى أسبوع، وإنما يجب ان تكون لدينا خطط تليق بالمناسبة لاستلهام هذه المعجزة فى مواجهة تحديات الحاضر والمستقبل، ولا أفضل من الفن والأدب للقيام بهذا الدور، فقد سطرنا فى أكتوبر المجيد بحروف من ذهب أروع انتصاراتنا فى تاريخنا المعاصر، ولكن للأسف سقطنا فى تجسيد هذه الملحمة للأجيال على الأقل فنيا . كثيرون من أبنائنا وربما غالبية أحفادنا لا يعرفون حجم وأهمية ما أنجزه جيش وشعب مصر وسوريا ومن ورائه الشعب العربى فى هذا النصر الذى مازال يدرس فى الأكاديميات العسكرية فى العالم باعتباره معجزة من حيث التخطيط والخداع وطريقة التنفيذ التى أثبتت أن المفاجأة كانت فى المقاتل المصرى الذى اقتحم المانع الرهيب «خط بارليف» فضلا عن التكتيك العسكرى والمناورات الفنية التى تمت على أرض المعركة. وقبل وأثناء وبعد كل ذلك وقفة الشعب المصرى بكل فئاته بل حتى اللصوص امتنعوا عن السرقة طوال فترة الحرب. نعم صدرت أعمال أدبية، شعر وروايات وقصص كثيرة، وأبرز أدباء كبار هذه البطولات فى أعمالهم، ولكن الأعمال الفنية الأكثر جماهيرية وبخاصة السينمائية، لم تعط لهذا النصر العظيم حقه، وهنا يظهر التقصير الكبير فى التعبير عن بطولات اكتوبر الذى جسد حكاية شعب حقق معجزة واستعاد الشرف. لاتزال الأفلام التى أنتجت عن حرب أكتوبر قليلة بالمقارنة بضخامة الحدث وأهميته على المستوى السياسى والاجتماعى والتاريخى بل والحضارى المصرى والعربي. باستثناء أفلام معدودة (المواطن مصري) و(الطريق الى إيلات) و(مهمة فى تل أبيب)، فإن غالبية الأعمال السينمائية التى تناولت حرب أكتوبر هزيلة مقارنة بالمعجزة التى تحققت ولم تستطع تجسيد ذلك الحدث الجلل بالشكل الذى يناسبه، بل ان الكثير منها تكاد تكون مكررة فى الأفكار والأحداث والظروف التى تم تقديمه فيها، وبخاصة تناولت حال مصر منذ نكسة 1967 وحتى حرب الاستنزاف، وصولا للنصر العظيم. للأسف لم تستطع الدولة أو شركات السينما إنتاج أفلام تقترب من قيمة وقامة اكتوبر، فى حين أن كثيرا من الدول مثل أمريكا وفرنسا وألمانيا واليابان وكوريا، استطاعت تجسيد الحروب التى خاضتها حتى وأن هزمت فيها بشكل جيد، بينما لا يمكن مقارنة أى من الأفلام التى انتجت عن حرب أكتوبر بالأفلام الأجنبية التى قدمت عن الحروب، والتى نال الكثير منها جوائز عالمية، مثل فيلم القلب الشجاع «برايف هارت» الذى عرض عام 1995 ويعد من أفضل ما انتجته السينما العالمية، ويحكى الفيلم الأمريكى الحائز على خمس جوائز أوسكار والذى قام ببطولته ميل جيبسون عن رجل اسكتلندى يقود عدداً من الأتباع للقتال ضد الحكم البريطانى الإنجليز المحتل لاسكتلندا، للحصول على الاستقلال خلال نهاية القرن الثالث عشر. وعلى الرغم من ان الأفلام الوثائقية قد تحدثت عن حرب أكتوبر بشكل أعمق، إلا انها قليلة العدد، وغالبيتها لم تعرض على نطاق واسع، وأبرزها فيلم «جيوش الشمس» للمخرج شادى عبدالسلام، الذى تم تصوير جزء كبير منه فى ساحة المعركة واختار هذا الاسم لأنه اسم الجيش المصرى منذ أكثر من سبعة آلاف عام. وفيلم «صائد الدبابات» لخيرى بشارة، الذى جسد بطولات الرقيب أول مجند محمد عبدالعاطى شرف، أشهر الذين حصلوا على نجمة سيناء من الطبقة الثانية والذى أطلق عليه «صائد الدبابات». لاشك أن أفلام الحروب تكتنفها صعوبات أبرزها الميزانية المالية لأنها تحتاج الى تكاليف باهظة، فضلا عن تخوف المخرجين من مغامراتهم بإنتاج أفلام من هذه النوعية فى مناخ تسيطر عليه الأعمال الفنية التجارية المعتمدة على كوميديا الإفيهات والاستعراضات الراقصة، ولكن هذا لا يعفى المخرجين وصناعة السينما فى مصر بل والوطن العربى من مسئولية انتاج أفلام تليق بهذا الحدث الأكبر فى تاريخنا المعاصر. كما يقع جانب من المسئولية على عاتق رجال الأعمال خاصة الذين يمتلكون قنوات فضائية تنفق الملايين على برامج بعضها يصدعنا كل مساء فى أحاديث سطحية ومعارك كلامية واهية، بينما يتغافلون عن تجسيد معركتنا الأعظم بعمل يليق بها. غير أن المسئولية الأكبر تتحملها الدولة وأجهزتها الثقافية التى يمكنها ان توفر الميزانية المطلوبة لعمل ضخم تحشد له الكفاءات الفنية، دون النظر الى العائد المادى لأن القضية اكبر من حسابات السوق. بعد 7 سنوات نحتفل باليوبيل الذهبى لانتصار أكتوبر، فهل يمكن من اليوم أن نعد للمناسبة بما تستحقه فى مقدمة ذلك إنتاج أفلام وأعمال فنية تجسد هذه المعجزة وتعرض للأجيال بطولة جيش وشعب ووطن يستطيع ان يقول كلمته ويواجه كل التحديات ولا نخشى عليه من أى محالات لخلق مناخ تشاؤمى ؟!. لمزيد من مقالات د. محمد يونس