هبة هجرس.. أيقونة نضال من فوق الكرسى المتحرك

تُعرف فى أوساط ذوى الإعاقة بالمناضلة، وأهلتها دراستها فى الجامعة الأمريكية بالقاهرة إلى تقلد مناصب دولية فى منظمات عالمية قبل أن تختارها حملة «فى حب مصر» لخوض الانتخابات البرلمانية السابقة، لتصبح عضوه نيابية وزعيمة لكتلة النواب «المعاقين» داخل مجلس النواب.
هبة هجرس أحمد هجرس، سيدة معاقة حركيا منذ أن كانت فى التاسعة من عمرها، اتخذت من الأمريكية «هلين كلير» التى كانت صماء وكفيفة وأصبحت أديبة وناشطة حقوقية وذاع صيتها حتى عرفها العالم أجمع وأطلقوا عليها «معجزة الإنسانية»، مثلا أعلى منحها دفعة وحافزا حتى يكون عندها أمل لتسلك طريق النجاح والتميز والتفرد والتمرد على موروثات مصرية فى التعامل مع المعاقين.
تولت الدكتورة هبة هجرس مسئولية الأمين العام للمجلس القومى لشئون الإعاقة فى الأول من مايو 2015، وحاولت تطبيق الأسلوب الدولى الذى تعلمته من دراستها واحتكاكها الخارجى المباشر على الواقع المصري، واستطاعت أن تضع قواعد وأسسا عامة، ولكن بعد أربعة أشهر فقط، اختارت أن تسعى لتطبيق أفكارها ورائها من مقعد آخر غير مقعد المجلس القومى لشئون الإعاقة.
فى سبتمبر من نفس العام اختارت قائمة «فى حب مصر» 8 ممثلين لذوى الإعاقة، لخوض الانتخابات البرلمانية، وكانت الدكتورة هبة على رأس من تم اخيارهم، ولأن انتخابات القائمة تختلف عن الانتخابات الفردية، استطاع كل ممثلى ذوى الإعاقة حجز مقاعد لهم فى البرلمان المصرى، وأصبحوا يعرفون باسم «كتلة النواب المعاقين».
كانت أولى المعارك البرلمانية التى خاضتها هجرس فى بداية حياتها النيابية، هى المطالبة باستحداث لجنة خاصة ضمن لجان البرلمان تعرف باسم لجنة «ذوى الإعاقة»، ولكنها لم تفلح فى معركتها هذه، وتم ضم المعاقين إلى لجنة «التضامن الاجتماعي» التى يرأسها حاليًا عبدالهادى القصبى رئيس مشايخ الطرق الصوفية بمصر، وفازت هجرس بمنصب وكيل اللجنة، لتصبح أول سيدة مصرية ذات إعاقة تنجح فى تولى منصب وكيل بمجلس النواب منذ تأسيسه.
ومن أجل انتزاع الحقوق الدستورية للمعاقين قادت هجرس حملة برلمانية ضد الدكتور الهلالى الشربينى وزير التربية والتعليم بشأن دمج الطلاب ذوى الإعاقة البسيطة فى مراحل التعليم المختلفة، هو الحل الوحيد الذى تراه من وجهة نظرها لحصول هذه الشريحة على حقها فى فرص تعليم كاملة كما نص الدستور المصرى 2014، وأقرته الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوى الإعاقة قبل عشر سنوات من الآن.وفى ملف التعليم أيضا رفضت تجاوزات المجلس الأعلى للجامعات المصرية، الذى حاول منع الطلاب من ذوى الإعاقة من دخول بعض الكليات، وسعت لإقرار حقهم فى دخول الكلية التى يرغبون الدراسة فيها ما إن تتوافر شروط الالتحاق العادية لديهم، وبدأت بالفعل بعض الكليات تغير من سياستها الخاصة بقبول الطلاب ذوى الإعاقة، منذ بداية العام الدراسى الحالي.
تعرضت هجرس المولودة فى محافظة الدقهلية، للإصابة بمرض (الروماتويد ) فى التاسعة من عمرها، وهو مرض حاد يصيب الأعصاب مما كان له الأثر السيئ على جميع مفاصل أطرافها، والذى أثر على حركتها، فبدأت تفقد كل يوم جزءا من حركتها، وكانت قبلها تمتلك حيوية ونشاطا وتملأ البيت حركة وبهجة، إلى أن وصلت لسن 14 عامًا، عندها لم تستطع الحركة إلا بصعوبة.
بعد حصولها على الثانوية العامة من المدارس الحكومية المصرية، التحقت بالدراسة الحرة بالجامعة الأمريكية فى القاهرة، ولم تكن مؤهلة لتعلم اللغات خاصة وهى خريجة مدارس حكومية، ولكنها استعانت بمجموعة من المدرسين بالمنزل، وقبلت التحدي، وتفوقت وأثبتت تميزا ملحوظًا، التحقت على أثره للدراسة بالجامعة الأمريكية بصفة منتظمة وتخرجت فيها بحصولها على درجة البكالوريوس فى إدارة الأعمال مع مرتبة شرف العليا عام 1982وكان ترتيبها من الخمسة الأوائل.
وحصلت هجرس، على العديد من الشهادات أبرزها درجة الدكتوراه فى دراسات الإعاقة قسم اجتماع وسياسات اجتماعية من جامعة ليدز بإنجلترا 2010، وأيضًا درجة الماجستير فى علم الاجتماع وعلم الإنسان من الجامعة الأمريكية بالقاهرة 1998.
أثارت هجرس قضايا عديدة من القضايا داخل البرلمان المصري، منها، رفضها التام استخدام الألفاظ الخارجة داخل قاعة البرلمان، والاعتراض على استخدام بعض النواب لقسم الطلاق «عليا الطلاق»، وطالبت بتغليظ العقوبة على من يعرض كيان الأسرة للتهديد بممارسات مثل الاستهتار بقسم «الطلاق».
وتعتبر هجرس أول سيدة مصرية ذات إعاقة يختارها الرئيس عبدالفتاح السيسى ضمن تشكيل مجلس إدارة المجلس القومى للمرأة، وبعد أول اجتماع تنسيقى للمجلس تم استحداث ولأول مرة لجنة داخل المجلس أطلق عليها لجنة «المرأة ذات الإعاقة» لتهتم بحماية حقوق كل النساء والفتيات المصريات ذات الإعاقة، ومثلت هجرس المجلس القومى للمرأة فى اجتماعات الأمم المتحدة حول المرأة والإعاقة.
وفى مجال تخصصها الذى أفنت فيه عمرها، نجحت فى التقدم لمجلس النواب بقانون حقوق الأشخاص ذوى الإعاقة أعده المجلس القومى لشئون الإعاقة فى فترة توليها منصب أمين عام له، وذلك بعد دعوتها لحوار مجتمعى بين مختلف فئات المعاقين لمناقشة مسودة القانون، وعمل التعديلات والمقترحات التى توصل لها الحوار، وتم إدراج القانون ضمن القوانين المهمة التى يوليها المجلس أولوية خاصة وإحالته من رئيس المجلس للجنتى التضامن واللجنة التشريعية لمناقشته قبل عرضه للتصويت العام خلال الأيام المقبلة.
ولعبت هجرس دورًا حاسمًا فى ضمان حقوق الأشخاص ذوى الإعاقة فى قانون الخدمة المدنية الذى أقره مجلس النواب المصرى أخيرا، وشحذت همم «نواب الإعاقة» وكسبت تعاطف نواب آخرين، كل ذلك لتشكيل تكتل برلمانى لرفض المادة (13) من القانون والتى كانت تنص على مشاركة المصابين من الجيش والشرطة للمعاقين فى نسبة ال 5% الخاصة بهم فى الوظائف، وطلبت المداولة حول المادة، حتى عادت كما كانت فى سابق عهدها، مما يعد انتصارًا كبيرًا للحفاظ على حقوق المعاقين.
ولم تمنعها الإعاقة من خوض قصة حب ناجحة، أحبت هبة ابن خالتها، وبادلها نفس الشعور، وبعد قصة غرام دامت عدة أشهر، تقدم للزواج منها ، وكانت هبة لا تزال فى السنة الجامعية الأولي، وواجها التحديات الأسرية معًا، وتمسكا بحبهما حتى انتصرا فى النهاية ، وتم الزواج.
وكان هذا الزواج بالنسبة لها تحديًا من نوع خاص، ولكن بفضل مساعدة الزوج لها سارت الحياة فى الطريق الصحيح، وأنجبت ابنه وأبنا، وعاشت حياة زوجية سعيدة إلى أن انتقل الزوج إلى الرفيق الأعلى، لتكمل بعدها مسيرتها الأسرية، وتتحمل المسئولية كاملة لتصبح «الأم والأب» لأبنائها بعدما أصبحا هما كل حياتها.