لا يمكن أن أنسي الشعار الأول الذي وصلني من هتافات شباب التحرير في الخامس والعشرين من يناير عام. 2011 كان الشعار خبز.. حرية.. عدالة اجتماعية. انطلق هذا الشعار من حناجر شابة مليئة بالحماس في مظاهرة كبيرة متجهة من ميدان الإسعاف إلي ميدان التحرير. مثل هذا الشعار الرسالة المهمة الأولي التي وصلتني والتي جعلتني أتيقن أن مصر تقف علي عتبات تغيير كبير. بالنسبة لي دمج هذا الشعار بين الحريات الخاصة والعامة وبين حصول المواطنين المصريين والمصريات, من كل الطبقات والشرائح, علي حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية التي تكفل لهم الحياة الإنسانية الكريمة. وقد يتواري هذا الشعار ليصعد شعار آخر مثل حرية.. ديمقراطية.. عدل اجتماعي. لا يهم. الذي يهمني أن تستمر قيمة العدالة الاجتماعية أو قيمة العدل الاجتماعي كقيمة وكهدف, محورا مهما في ضمير وذاكرة ومطالب شبابنا. والسبب هو.. حتي يستمر تأييد ومساندة الظهير الشعبي لهذه الثورة. ويقف هذا الظهير الشعبي بجانب الشباب مساندا ومشاركا في صياغة مستقبل البلاد. فالملايين من الشعب المصري تبحث وتسعي لتحقيق العدالة الاجتماعية. فالشباب, بحكم سنوات عمره, قد يجنح كثيرا نحو الحريات العامة أو ما نسميها بالحريات الليبرالية, التي تتضمن حرية التعبير والتنظيم والحركة. فهم يكرهون كبت الرأي والإرادة والحركة ويستمرون في الدفاع عن حريتهم التي تعطيهم فرصة تحقيق الذات الشخصية والوطنية. هكذا دائما الشباب في كل زمان وفي كل مكان. ولكن هذه الحريات الليبرالية, عند الآخرين, لا تقف عند حدود الحقوق السياسية والمدنية وإنما تتجاوز هذه الحقوق. بل والاقتصادية والاجتماعية التي عادة ما يضعها الظهير الشعبي لحركة الشباب ضمن أولوياته لأنها ضرورياته الحياتية اليومية. في كل بلدان العالم عادة ما يؤيد الجميع المنتمون لكل الطبقات والشرائح الاجتماعية تحقيق الحريات الليبرالية بما تعنيه من حقوق سياسية ومدنية. هذه حقوق أساسية في بناء الدولة الحديثة المدنية. كما أنها حقوق أساسية للبناء عليها ولتثبيت كل الحقوق الأخري. وعند ترحيب الجميع بهذه الحريات فإن لكل من الشرائح ولكل من الطبقات أهدافها. فالحريات السياسية تعني للنساء وجود فرصة لتنظيم صفوفهن في تنظيم أو جماعة تسعي لتحقيق المساواة الحقيقية وتكافؤ الفرص الحقيقي اللذين يكفلان لكل نساء الوطن توسيع خياراتهن في الحياة الخاصة والعامة, ماذا تتعلم وماذا تعمل ومن تختار كزوج ومن تنتخب كنائب وكيف تربي أبناءها؟.. تستفيد جموع النساء من تحقيق الحريات الليبرالية لأنهن يستطعن في ظلها تكسير الأنماط المفروضة عليهن في المجتمعات المستبدة التي تستمر في تهميش غالبيتهن من خلال عدم إدماجهن في البناء الوطني والاجتماعي. كما أن الحريات السياسية تسمح لطبقتي العمال وصغار الفلاحين التحرك لبناء تنظيماتهم الاجتماعية والاقتصادية المستقلة التي من خلالها يمكن النضال العلني والقانوني بشكل مفتوح وفي حوار واسع لتطوير الحقوق الاقتصادية والاجتماعية التي يستحقها كل المواطنين المنتمين للطبقتين. وهو ما نلاحظه الآن عندما يتحرك الفلاحون لتنظيم صفوفهم في اتحادات فلاحية أو في تعاونيات وعندما يتحرك العمال لبناء تنظيماتهم المستقلة البعيدة عن قبضة السلطة سعيا لتطوير ظروف وشروط عملهم. وحتي بالنسبة لأصحاب الأعمال فإن هذه الحريات تسمح لهم بتأسيس تجمعهم وموقفهم المعبر عن مصالحهم المستقلة بعيدا عن سيطرة السلطة وبما يتيح لهم استمرارية ونمو أعمالهم دون أن يضطروا للتقرب من مفاتيح السلطة والنفوذ بما يتضمن ذلك من التضحية ببعض الموارد والأموال في شكل فساد يقدم لأصحاب النفوذ. وينطبق الشيء ذاته علي المثقفين والمهنيين والفنانين. تستفيد كل مجموعات المواطنين في توافر الحريات العامة ولكنها تربطها دائما بحقوقها الاقتصادية والاجتماعية. وفي كل الأحوال تسمح الحريات الليبرالية بأن تفتح كل هذه القوي المهمشة صفحة جديدة يسمح لها بتشكيل منظماتها الخاصة بشكل مستقل وفتح الحوار المجتمعي البناء, حيث يسعي كل طرف من هذه الأطراف إلي تحقيق أهدافه في إطار سلمي. وحتي في حالة اختلافها تستطيع كل منها ضبط حركتها بشكل قانوني محدد التوجهات. وقد نلاحظ تلك الحركة في الحوار والاختلاف في النزاعات العمالية أو الفلاحية في البلدان التي استقرت فيها الحريات الليبرالية. فمن الطبقات المستفيدة الأساسية من طبقات المجتمع كانت باستمرار الطبقات المهمشة المحرومة من حرية التعبير والتنظيم والحركة. هذه الطبقات تجد خلاصها في الحريات الليبرالية التي ستساعدها بعد ذلك لبناء وتحديد وتحقيق أهدافها الاقتصادية والاجتماعية. وهذا ما لاحظناه في تلك التحركات الكثيرة التي نظمها أصحاب المصالح والمشاكل المشتركة منذ الخامس والعشرين من يناير عام .2011 وهي التحركات التي اعتبرها البعض منا انتهازا لحالة الانفلات العام. في حين فهمها البعض الآخر, وأنا من هذا البعض الأخير, استثمارا لمناخ الحريات الليبرالية ومحاولة دمجها مع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية. فقبل الخامس والعشرين من يناير عام 2011 لم يكن لهذه المجموعات من القدرة علي التحرك والإعلان عن مطالبها. وعندما توافرت الحريات العامة تحركت وعرف المجتمع كل هذه المشاكل التي لم يكن علي دراية بها. وهنا يأتي دور الشباب الذي يهتف كثيرا ل الحرية ويسعي دائما إلي الديمقراطية ألا ينسي قضية العدالة الاجتماعية التي جاءت مع الشعارات الأولي للشباب في الخامس والعشرين من يناير 2011, فتمسكهم بالشعار كاملا خبز.. حرية.. عدالة اجتماعية أو العدل الاجتماعي يعني أن يقوي ظهيرهم الشعبي الهائل الذي ساند ثورة من بدايتها فأكسبها زخما شعبيا هائلا. فالمهمشون في المجتمع من عمال وفلاحين صغار ومتعطلين ونساء ريفيات فقيرات يمثلون أكبر شرائح الفقراء, يجب ألا يكونوا مجرد متلقين لفتات الحقوق أو للعطايا لأنهم في الأساس قوة اجتماعية قادرة علي المساهمة الفعالة في إعادة بناء مجتمعها ولا ينقصها لتحقيق هذه المساهمة إلا توافر شروط هذه المساهمة التي هي في الأساس تلك الحريات العامة التي تسمح لهم بالتنظيم والتعبير عن مطالبهم الخاصة بالعدالة الاجتماعية. المزيد من مقالات أمينة شفيق