أثارت أول مناظرة انتظرتها الساحة الفرنسية للمفاضلة بين مرشحى حزب «الجمهوريون» وأحزاب وسط اليمين جدلا شديدا بسبب ما تمخض عنها من حالة افلاس سياسى وتكرار للوعود فجاءت خالية تماما من المضمون, حيث خاض -أخيرا- سبعة مرشحون عن اليمين والوسط وهم آلان جوبيه، ونيكولا ساركوزي، وبرونو لومير ،وفرانسوا فيون، وجان فرانسوا كوبيه إضافة إلى جان فريدريك بواسون، وناتالى كوسيسكو موريزيه أول مناظرة رئاسية نقلها التلفزيون الفرنسى وحظيت بنسبة مشاهدة عالية وذلك استعدادا للانتخابات التمهيدية لتيار اليمين والوسط المقرر اجراؤها فى 22 نوفمبر المقبل، لتقديم مرشحهم للسباق المرتقب لقصر الاليزيه فى ابريل 2017. وكما أعتدنا فى الشعارات المستخدمة فى الحملات الانتخابية ركز المرشحون على القضايا السياسية والاقتصادية حيث دافع كل منهم عن أسباب خوضه غمار الانتخابات التمهيدية،وبسط كل منهم برنامجه المزمع للنهوض بالاقتصاد الفرنسى فى الخمسية المقبلة. وفيما يخص الملف الاقتصادى بالتحديد كان التركيز على قضية الضرائب وكيفية تخفيضها ليس فقط على المواطن وإنما على الشركات كوسيلة لخلق فرص عمل جديدة من شانها تقليص حجم البطالة المتفاقمة فى البلاد، وكان ايضا لجزئية ميزانية الدولة هامش من اهتمامات اطروحاتهم، فهم يَرَوْن ضرورة خفض النفقات العامة من 80 إلى 100 مليار يورو خلال السنوات الخمس المقبلة وهى مدة الرئاسة بفرنسا. اما عن الرؤية الكلية للمناظرة فقد سادت لغة الأرقام والوعود على الجزء الاول منها..بينما ركز الجزء الثانى على النواحى السياسية فكان أكثر اشتعالا من حيث الهجوم والتراشق الكلامى بين المرشح. وإجمالا كانت المناظرة فرصة ليعرض المرشحون السبعة برامجهم الانتخابية من خلال حزمة من الاقتراحات المفترضة لإخراج البلاد من المعضلات الاقتصادية التى تعترضها كما سادت لغة الاحترام المتبادل بين المرشحين دون خلوها من بعض الانتقادات المتبادلة فيما بينهم. وتجلى واضحا ان هناك نقاط تلاقى فى برامج المرشحين خاصة حينما جاء الحديث عن ألنواحى الاجتماعية فهم يَرَوْن ضرورة تمديد ساعات العمل القانونية من 35 ساعة، المعمول بها حاليا فى الأسبوع إلى 37 أو 39 , أو السماح للعمال بتحديد مدة العمل فى الأسبوع وفق احتياجات الشركات، وبالتوافق مع إداراتهم كما أبدى مرشحو اليمين توافقا واضحا فيما يتعلق بتمديد سن التقاعد بهدف دفع الاقتصاد الفرنسي وفى رؤية تحليلة للمناظرة انتقد المراقبون الطريقة النمطية شبه المستكينة التى مرت بها، وصنفها الإعلامى والمحلل السياسى فرانسوا باربيه بانها لم ترتق الى المستوى المطلوب، بل وأنها غير مجديه من منطلق عجزها عن اظهار الاختلاف فى الرؤى والأطروحات لكل من المرشحين. ويرى باربيه انها لم تعط لأحد من المرشحين الفرصة لإثبات أنه اكثر كفاءة عن الاخر ولم تتح الفرصة للفت أنظار الناخب إلى خطة او مقترح جديد. ويقول فرانسوا باربيه ان المناقشة كانت تقليدية وفاترة ولم يتمخض عنها اى مفاجئة طالما انها لم تأت بالجديد، معتبرا ان عدم هجوم ساركوزى المتوقع على منافسه الاقوى فى السباق الان جوبيه لم يمنح المناظرة الزخم المرجو منها..واعتبر المحلل ان النقاش ما بين رئيسى الوزراء السابقين فرانسوا فيون وآلان جوبيه لم يتيح للاخير اللحاق بالمرشح الافر حظا آلان جوبيه ويعتبر ان فيون اخفق فى انتهاز الفرصة لكسب مزيد من النقاط والتقليل من الفجوة الواسعة القائمة بينه وبين جوبيه وساركوزي. وفى المجمل يلخص باربيه تحليله للمناظرة بان سمة الاخفاق طالت المتنافسين ككل حتى المرشحة ناتالى كوسيسكو موريزيه المفترض انها المرأة الوحيدة المرشحة عن حزب الجمهوريين بدت باهته وأنطفأ وهج تحمسها الذى بدا منذ إعلانها عن خوضها السباق للاليزيه. كان برونو لومير أول من فجر التوتر وأشعل النقاش بين المرشحين بقوله «على أى شخص يريد أن يصبح رئيسا لفرنسا أن يملك ملفا قضائيا نظيفا». والاتهام هنا كان ضمنيا لساركوزى وكوبيه لمابينهما من قضية مشتركة انشغلت بها الساحة بعد خروج ساركوزى من الاليزيه وصنفت على أنها قضية فساد وهى المعروفة « ببجماليون»..كما طال التلميح آلان جوبيه الا انه رد بسرعة فائقة وقوية «أنا أضع تحت تصرف برونو لومير سجلى القضائي». حيث أعتبر ان المناظرة كانت فرصة ليبرئ كلا منهم نفسه من الاتهامات الملصقة به والتى يعتبرها الرأى العام ملفات فساد فمن ناحيته، حاول جان فرانسوا كوبيه تبرئة نفسه من قضية «بيجماليون» المعروفة بتزوير فواتير من الشركة المدعوة بيجاليون والتى كانت مكلفة بالإعلانات ذلك اثناء حملة نيكولا ساركوزى الانتخابية الفائتة، واشار كوبيه إلى أنه استقال من منصبه كرئيس لحزب «الاتحاد من أجل حركة شعبية سابقا» (والجمهوريون حاليا)، ليكون رهن تحقيقات القضاء الذى برأه من كل هذه التهم، وهو ما أتاح له فرصة ترشيح نفسه للرئاسة الفرنسية. ولم يكن تصريح لومير خاليا من نية إثارة توتر خصمه، فكان يشير بشكل غير مباشر إلى الحكم الذى أصدره القضاء الفرنسى ضد آلان جوبيه فى عام 2004 بالسجن 14 شهرا غير نافذة مع منع الترشح لأى منصب سياسى لمدة سنة، وذلك فى إطار قضية الوظائف الوهمية التى طالت بلدية باريس. لكن جوبيه بهدوئه المعتاد أجاب على ذلك بالقول أن «الفرنسيين هم الذين سيختارون فى نهاية المطاف مرشحهم. فإذا كانوا يعتقدون بأن الخطأ الذى ارتكبه يستحق الأقصاء من السباق الانتخابي، فلديهم أن يمتنعوا عن التصويت لصالحه. اما ساركوزى الذى كان يتابع التراشق الكلامى بين لومير وجوبيه فصارع هو الاخر ليدافع عن نفسه وليؤكد على أن سجله القضائى نظيف وخال من أى حكم يسيئ له على مدار تاريخه فى العمل السياسى الذى يمتد 37 عاما، واضاف الرئيس الفرنسى السابق «لا يوجد فرنسى تعرض للتحرش القضائى منذ 5 سنوات مثلي. لو كنت ارتكبت ولو مخالفة صغيرة لما ترشحت للانتخابات التمهيدية». وبالطبع لم تغفل المناظرة حزمة القضايا التى تهم الفرنسيين فيما يخص ملفات الارهاب والامن والهجرة ومكانة الإسلام فى فرنسا وعلمانية الدولة.. وفى هذا السياق أكد المرشحون السبعة على ضرورة تعزيز قوات الأمن لمجابهة الإرهاب ومحاربة الإسلام السياسي. اما عن ردود افعال الفرنسيين فقد عبرت شريحة من الذين طالهم الاستطلاع عن ارائهم حول المناظرة أن آلان جوبيه فاز باكثر من ب32٪ مقابل 27٪ لنيكولا ساركوزى و 11٪ لكل من برونولومير وفرانسوا فيون. وبالرغم مما شاب المناظرة من انتقادات الا انها تزيد التاكيد على تفاقم فرص الان جوبيه فى الوصول الى نهاية السباق الى الرئاسة الفرنسية ليخوض بذلك الجولة الثانية امام مرشحة الجبهة الوطنية لليمين المتشدد مارين لوبن فى مايو 2017. أما على صعيد الاشتراكيين فمازالت الساحة تترقب اعلان الرئيس فرانسوا اولاند عن الترشيح رسميا والمقرر له ديسمبر القادم، الا انه بادر بإصدار كتاب جديد يهاجم فيه مرشحة الجبهة الوطنية لليمين المتطرف مارين لوبن ويحذر فيه الفرنسيين من التصويت لهذه الزعيمة اليمينية المتشددة . ويرى المراقبون ان اولاند يستهل حملته الانتخابية بالكتاب الذى تنتظر صدوره الساحة حاليا والذى يتناول فيه اولاند عدد من القضايا عن الهوية والعلمانية الفرنسية دون ان يغفل الهجوم على الرئيس السابق نيكولا ساركوزي.