مع تصاعد حدة المعارك الانتخابية فى السباق الرئاسى الفرنسى والتى تتنافس فيها كالمعتاد جبهتان رئيسيتان لليمين واليسار،تتزايد المخاوف لدى قطاع عريض من الفرنسيين مع تعاظم حالة اليآس وعدم الثقة فى المستقبل فى ظل السياسيات المتبعة وما خلفته من إخفاقات فى عدة مجالات،امنية واقتصادية واجتماعية. وعلى الرغم من ان حقبة الرئيس الاشتراكى الحالى فرانسوا اولاند تعد من اكثر الحقب التى شهدت التوقيع على صفقات سلاح بما يحقق مكاسب مادية هائلة ويعمل على زيادة نسبة تشغيل الايدى العاملة الا انها ايضا هى الأسوأ فيما يتعلق بملفات الأمن والارهاب. هذا بالاضافة إلى عجز الاشتراكيين عن إيجاد حلول للمشاكل المتراكمة منذ حقب رئاسية سالفة..وهو مايقلص فرصهم فى البقاء بالاليزيه لحقبة ثانية، ..وتأتى من ضمن هذه المشاكل ازدياد نسبة العجز فى صندوق التأمينات الصحية،و عجز صندوق المعاشات وارتفاع معدلات جرائم العنف بالبلاد. كما لا نغفل الإشارة الى ان الملف الخاص بالأمن والارهاب يتخذه المرشحون للرئاسة وقودا يشعلون به النقاش،خاصة بعد ان شهدت البلاد سلسلة من الاعتداءات الإرهابية الدامية التى تجعل كل حزب يسعى الى فرض اقتراحات تروق للمواطن وتوهمه بانه حل حاسم لمخاوفه.فعلى سبيل المثال صرح عمدة مدينة بمنطقة النورماندى الشمالية بأنه يعتزم طرد ارباب السوابق المسجلين تحت قيد التحريات والتتبع للملف المعروف لدى قوات الامن ب (فيش آس)،وبالطبع تثير هذه التصريحات الجدل خاصة ان معظم الذين نفذوا عمليات ارهابية ضد فرنسا من المقيدين تحت هذا الملف الأمني. وبنظرة اكثر تعمق،نجد ان كلها معطيات تمنح فرصة اوفر لليمين بشقيه الجمهورى والجبهة الوطنية المتطرفة وزعيمتها مارين لوبن فى الوصول الى الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية وهو ماتؤكده استطلاعات آراء الفرنسيين. وفى هذا الإطار يستعد الحزبان الرئيسيان لاجراء الانتخابات التمهيدية .فالحزب الاشتراكى الحاكم والذى يتوقع له ان يكون الرئيس الحالى فرانسوا اولاند مرشحه للجولة القادمة سيعقد انتخاباته التمهيدية فى 22 و29 يناير 2017، فيما تعكف اللجنة المنظمة لهذه العملية على تحديد الشروط التنظيمية التى يجب أن يوافق عليها الحزب الاشتراكى خلال اجتماع لجنته الوطنية المقررة فى 2أكتوبر 2016. وسيكون تحديد هذه الشروط رهانا بالنسبة لليسار الفرنسى فى هذه الانتخابات. اما اليمين الجمهورى الذى يتبنى أفكار اليمين الوسط فقد حدد موعد الانتخابات التمهيدية له يومى 20 و27 نوفمبر 2016 وقد اعتمد الحزب سبعة أشخاص لاختيار مرشحه للانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها فى 23 أبريل و7 مايو 2017. ويعد الرئيس السابق نيكولا ساركوزى (61 عاما)،والمنافس له رئيس بلدية بوردو ألان جوبيه (71 عاما) من أقوى المرشحين،والجدير بالذكر ان الرجلين يتنافسان فى المعترك السياسى منذ ثلاثين عاما وان كانت المؤشرات تشير إلى ان الاخير أوفر حظا، حيث تظهر استطلاعات الرأى حصوله على تأييد 39 % من الناخبين و 19%, فقط لنيكولا ساركوزي. لذا تشتد لهجة التلاسن بينهما فى الفترة الراهنة، حيث قال ساركوزى إن «ترشح جوبيه لا يزعجنى بتاتا فهو يجعلنى أشعر بأنى أصغر سنا».. أما جوبيه فنجده يتبنى لغة العقل اكثر من الهجوم منتقدا خصمه ساركوزى بانه يفتقر إلى رباطة الجأش ويصفه بأنه «شخص عصبى جدا» أو «هستيرى إلى أقصى درجة». ويرى بعض المراقبين أن الطريق امام الرئيس السابق نيكولا ساركوزى قد يكون غاية فى الصعوبة نظرا لانه لم يحقق شيئا من وعوده اثناء حقبته الرئاسية من 2007حتى 2012. ويطرحون السؤال لماذا سينتخبه الشعب من جديد؟. أما باقى مرشحى الجمهوريين السبعة فيأتون تباعا من حيث فرص الفوز وبينهم رئيس الوزراء السابق فرانسوا فيون وامرأة واحدة وهى الوزيرة السابقة نتالى كوسيسكو موريزيه، والوزير ورئيس الحزب السابق جان فرانسوا كوبيه، والوزير السابق بيرنو لومير، وجان فرانسوا بواسون. وفى هذا السياق نلمح تهافت المرشحين على اثارة قضايا جدلية كالتوجس من الارهاب والمهاجرين والإسلام.ونلمح ان قضية الهوية تستحوذ على قدر كبير من النقاش. وفى هذا السياق يرى المرشح الاشتراكي-المحتمل-أرنو مونتبور،وزير الاقتصاد السابق، أن فرض خدمة عسكرية اجبارية، مدتها ستة أشهر،تطبق على كل الفرنسيين بصرف النظر عن اللون والعرق، قد يكون الحل الوحيد لتأصيل الانتماء لدى الشباب. اما نيكولا ساركوزى فطرح فى الموضوع ذاته قنبلة جدلية اثارت استياء مالطبقة السياسية..فهو يعتبر أن الفرنسيين اصولهم أوروبية،لاتينية وإغريقية ولا حياد عنها ايا كانت أصول الفرنسيين المختلفة، مشيرا الى ضرورة «نبذ الانتماء إلى أى جذور حينما نصبح فرنسيين» مؤكدا «لابد وان يكون انتمائنا لهذا البلد دون غيره». اما الزعيمة اليمينية للجبهة الوطنية المتطرفة مارين لوبن فيرى المراقبون أنها تتقدم بخطى ثابته خاصة مع تدنى شعبية اليسار إلى مستويات غير مسبوقة منذ خمس سنوات. ويشيرون إلى أن أمامها فرصة كبيرة للوصول إلى الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية بحسب استطلاعات للرأي، وان كانت نفس الاستطلاعات تتوقع خسارتها فى الجولة الثانية فى مايو2017. وهو ما يدفعها لبذل المزيد من الجهد لتحسين صورتها وصورة معسكرها بما فى ذلك استخدام لافتات دعاية انتخابية تحمل شعار «السلام لفرنسا» دون أن تحمل اسم الحزب أو شعاره.كما انها غيرت من برنامجها و اطلقت على حملتها شعار«من اجل الشعب». واختارت مارين لرئاسة حملتها الانتخابية شخصية فرنسية-يهودية-،دفيد راشلين -29عاما-رئيس بلدية فريجيس (جنوب شرق فرنسا) وهو اصغر نائب فى مجلس الشيوخ ، وبالطبع كلها أساليب لا تخفى على الساحة مضمونها. فهى تسعى إلى تحسين صورتها واستقطاب أكبر عدد من الناخبين الفرنسيين. كما تتبنى مارين الدفاع عن الطبقة الشعبية المنهكة، قائلة انها الأكثر تضررا من ارتفاع الضرائب، وواعدة بمكافحة الفقر. وحسب المراقبين استطاعت مارين خلال الحملة الراهنة احداث تغيير نوعى فى أدائها السياسى فى محاولة لتحقيق التوازن فى التصريحات، فلا تتخذ المهاجرين الأجانب والمسلمين وقودا لحملتها كما كان فى سالف عهدها هى ووالدها المؤسس لحزب الجبهة الوطنية. فقد ادركت ان الفرنسيين المسلمين أصبحوا قوة انتخابية يعتد بها خاصة وان اكثر من 50% من الفرنسيين يحجمون عن المشاركة الانتخابية ويعدون أغلبية صامتة. وفى الجولة الرئاسية المقبلة يتوقع المتابعون للانتخابات الرئاسية ان ترتفع نسبة الغياب عن صناديق الاقتراع اكثر من السنوات الماضية. ويعود ذلك الى حالة الاحباط التى يعانى منها الفرنسيون نتيجة خيبة أملهم المتكررة فى سياسات اليمين واليسار.