يفقد الإنسان على مر عمره العديد من الأهل والأصدقاء، ولكن تكون فجيعته فى غياب صديق العمر الذى لن يعوضه زمن، فالأيام تمر وتغيب معها شموسها، وهكذا الأصدقاء والأحباب، منهم من يغيب طواعية وينكمش داخل ذاته بهمومه وأفراحه، ومنهم من يغيبهم الموت قسرا، ليتركونا قلوبا حزينة. عندما يغيب الموت أعز الأصدقاء، فهذا قدره لا راد له، فكل ما نحياه مكتوب، أقدارنا، أرزاقنا، أعمالنا، أسرنا الكبيرة التى ترعرعنا فيها والصغيرة التى أنبتناها وسقيناها بروحنا ودمنا..فهكذا تنقضى مسيرة الحياة، أيامها، لياليها، حلوها ومرها، الى أن تأتى لحظة فراق صديق ليس كأى صديق، إنه توءم الروح، تربينا وكبرنا وعشنا معا فى سراى القبة، التى تشهد شوارعها علينا كم سارت فيها أقدامنا، لا نفترق أبدا..الى أن باغتتنا فترات الاغتراب ليعمل كل منا فى مكانه، ولنكون أسرا جديدة، وإن كان المسكنان تقاربا بحكم المسافات، ولكن بعدت الشقة بيننا بسبب طبيعة العمل، ولم يمنع هذا أن نتلاقا ونتحاكى ونتذكر ضاحكين حكايات الصبا، حتى زادت فترات البعاد. هكذا مرت أيامنا حتى فوجئت بمكالمة من صديقى الغالي، وعندما أفقت من غفوتى أعدت طلبه وكلى ثقة فى أنه سيكون طرفى الثانى ويطلب منى كعادته أن نتلاقى فى ناديه، الطيران، أو الشمس الذى اشترك به، ثم يكون ردى : «إن شاء الله قريبا»..الى أن فوجئت بصوت زوجته، وهنا انقبض قلبى وشعرت بغصة، ومن تجاربى أحسست أن صديقى ربما يكون مريضا بالمستشفى وأن زوجته الفاضلة «مشكورة» تبلغنى أو تنبهنى وهذا واجب..إلا أن حدسى قد خاب، فالموت كان أسبق ليخطف كمال أحمد زكي، او كرم كما ناديناه وعرفناه كريما. عاش صديق عمرى جميلا فى حياته، وأنبت نباتين طيبين خلفا له، المهندس أحمد والجميلة مي، وكما كان فى حياته بارا بأهله، سيدعو نباته الطيب له ليزيد من حسناته.. لقد زهد كرم الدنيا ونافس على الآخرة، فهى خير وأبقي. وإلى أن نلتقى ياأغلى كرم، لك منا الدعاء بالرحمة والمغفرة والفردوس الأعلى مع النبيين والصديقين والشهداء بإذن واحد أحد..وأعهدك ألا أترك عملى يسلبنى بقية أصدقائي. لمزيد من مقالات محمد أمين المصرى