اضطررت لتغيير كل خططى فى الكتابة، نحيت كل الأفكار جانبا، ولملمت أوراقى التى كنت قد أعددتها لكتابة مقال هذا الأسبوع وأعدتها إلى مكانها فى المكتبة وهى لا تزال بيضاء لم أخط فيها حرفا، فما حدث هذا الأسبوع قد أصابنى بكرب وغم لم أشعر بهما منذ سنوات.. وكيف لا أشعر بكل هموم الدنيا وأنا أرى الخلاف يدب بين بلدى.. وبلدى؟. منذ أن لمست قدمى أرض المملكة السعودية للمرة الأولى فى عام 2005، ومنذ أول صلاة أديتها فى المسجد النبوى الشريف، اعتبرت أن هذه الأرض هى موطن قلبى وروحى، ذلك الوطن الذى أشعر بالحنين إليه إذا طال ابتعادى عنه، تماماً مثلما أشعر بالحنين إذا مضت عدة أيام لم أهيم فيها فى شوارع العتبة وباب الشعرية والجمالية والحسين حيث ولدت، أو فى شوارع شبرا والمطرية حيث عشت فترة الشباب، فكنت كلما سنحت الفرصة أهرع إلى أرض الحرمين، أتنسم رحيق السنة النبوية، وأعيش حياة حقيقية أشعر معها أنى عدت إنساناً بعد أن ضاعت الإنسانية فى غياهب الحياة القاسية. باختصار لقد أصبحت مصر هى موطن القلب، والمملكة هى موطن الروح، ولم يكن هناك نزاع فى مشاعرى بين الوطنين، بل كانا يتكاملان ويسكنان قلبى فى تناغم ممتع، أبحث فى مصر عما يذكرنى بأرض الحرم، وأبحث فى أرض الحرم عما يذكرنى بمصر، أتشوق لمصر وأنا هناك، وأذوب حنينا للمملكة وأنا هنا، أحببت الملك عبد الله –رحمه الله- كما لم أحب أحداً من قبل، كنت أشعر نحوه بشعورى نحو والدى، ولا أعلم كيف سكن قلبى هذا الشعور رغم أنى لم أتشرف بلقائه أبدا، وشاء الله أن أكون فى المملكة وقت وفاته، وأن أتقاسم مع إخوانى فى أرض الحرم شعور الحزن لفقده، فتوحدت دموعنا، وشعرت بأنى منهم، وأنا بالفعل منهم.. وشعرت بأنهم منى، وهم بالفعل منى، ولم ولا ولن أتخيل أن يحول بينى وبين أرض الحرم شىء، مثلما لا يمكن أن أتخيل أن يحول بينى وبين وطنى مصر شىء. وقد لا يصدق أحد أنى لا أعلم سبب ذلك الخلاف الذى يقولون إنه دب بين الوطنين، ولا أريد أن أعرفه أيضا، فأنا أكره السياسة التى تأبى إلا أن تسقينا العذاب ألوانا، ولم نجن منها إلا الفرقة والكراهية، ولكن كل ما أعرفه أنى محبط وحزين، أعيش لحظات تمر كل واحدة منها كالدهر، وإن كان عقلى يأبى الاستسلام لفكرة الفراق، وثقتى فى ربى تجعلنى على يقين بأن تلك السحابة الكئيبة ستذهب إلى غير رجعة إن شاء الله، ويعود الوطنان إلى وحدتهما، تماماً كما يتوحدان فى قلبى. لمزيد من مقالات عماد عبد الراضى;