الاستثمار فى الإرهاب والإسلام السياسى و«الجهادي» هو العنوان الرئيسى للصراعات التى وصلت لمستويات المواجهات الكونية المرعبة، انطلاقاً من سوريا لكل دول المنطقة ولعقود قادمة. أمريكا وأوروبا وبعض الدول العربية تستثمر فى القاعدة وفروعها وأجنحتها، بينما تستثمر تركيا فى الإخوان تحت عنوان «أحرار الشام»، والمنظومة الشرقية بقيادة روسيا والصين بثقلها الاستخبارى والاقتصادى والعسكرى تقود عملية إفشال الصفقة، حتى لا تُستثمر بعد نجاحها لاحقاً فى عمق دول محور البريكس، بحسب مخطط حلف الأطلسى الذى يعتمد على تفكيك الدول بالنزعات الانفصالية، والجميع يلتقون فى سوريا شرقاً وغرباً فى نزال تاريخي، سيتحدد على ضوئه مستقبل العالم. تم إفشال مشروع الاتفاق الأمريكى الروسى لتطل نذر المواجهات الشاملة؛ لأن من شأنه كشف «جبهة النصرة- فتح الشام»، ووضعها فى مرمى الاستهداف لتختل موازين القوى لمصلحة الجيش السورى بالنظر إلى أن النصرة هى القوة الأكبر داخل المعارضة المسلحة ضد النظام، ولذلك ضربت مواقع الجيش لإعادة التموضع وإنعاش الاستثمار الغربى والتركى فى التنظيمات المسلحة ومدها بأسلحة متطورة وإدخال المزيد منها فى العمق السورى بغطاء أمريكى وصولاً للسيطرة على الرقة. هدفان للولايات المتحدة وحلفائها اليوم؛ مزيد من الاستنزاف لروسياوسوريا، وتأمين مناطق سيطرة للقوى التى تدعمها على الأرض، حيث تراجع طموح النصرة وأحرار الشام نتيجة المستجدات من مشروع «إسلامي» على كامل التراب السوري، إلى التعاون وتقديم التنازلات للحصول على مناطق حكم ذاتى محددة برعاية ودعم غربى وتركي، فإذا أصر تنظيم أو فصيل على مشروع دولة خاص به ويرفض التعاون يُقضى عليه ويُستباح كداعش، وكل قيادى داخل النصرة يرفض التنازلات والبرمجة الجديدة يُقتل مثل أبو عمر سراقب وأحمد سلامة مبروك.. إلخ. ليس هناك تناقض كما يتصور البعض بين دعم التنظيمات وقتل بعض قادتها، فهناك عملية إعادة تدوير تجرى على الأرض لجعل التنظيم محلياً كجزء من معارضة النظام وليس امتداداً للقاعدة، وتلطيفاً له ليصلح تقديمه أمام الغريم الروسى والعالم كمعارضة «معتدلة»، وهو ما سبق تنفيذه مع «أحرار الشام». أمريكا كان يهمها إقناع روسيا باعتدال «فتح الشام النصرة»، مقابل إخراج حلب من المعادلة وعزل شرق سوريا وشمالها وشمال شرقها لتمكين تركيا والإخوان من مناطق إدارتهم الذاتية، ولتمكين باقى المعارضة المسلحة وفى القلب منها النصرة من وراثة مناطق نفوذ داعش وعلى رأسها الرقة، وهو ما يتيح فى النهاية إشباع رغبات تلك الجماعات الانفصالية عن الوطن الأم ومراكز الدول، وتحقيق مصالح الولاياتالمتحدة ومشروعها التقسيمى ومصالح حلفائها، وشق طريق تلاحم المحور الشرقى المناوئ بين سوريا والعراق وإيران. الحاصل هو اجتماع إرادة تركيا وحلفها الأطلسى والولاياتالمتحدة لتحويل سوريا إلى دويلات وكانتونات منفصلة، وإذا أعلنت دويلة من الغد استقلالها وانفصالها ستمنح على الفور الاعتراف الدولي. وعلى طريقة مقال قديم لكاتب كبير عما كان سيحدث ومن يتولى الحكم والوزارات لو لم تهتز يد من أطلق النار على الرئيس عبد الناصر فى حادث المنشية، فقد تتبعت سير بعض قادة تلك التنظيمات فى سوريا ومنهم مصريون، وقد وجدوا أسماءهم وكناهم تتردد فى ملف صراعات تهدد بحرب عالمية ثالثة، ومرشحون لزعامة دويلات وجيوش مرتزقة! هم غير مؤهلين للنهوض بمسئوليات سياسية على مستوى الدول، وغاية ما يقدمونه هو تصورهم البدائى لطبيعة الحكم الإسلامى حيث قاموا بتجميدها داخل نموذج مرحلة تاريخية دون أدنى تطوير يناسب العصر، لذا يرهنون أنفسهم للحرب الدائمة بالوكالة، ولا يعثرون على ضالتهم فى الشهرة والمال والزعامات الوهمية سوى فى أحضان مشاريع القوى صاحبة المصالح. تلك الجماعات يتم خلقها واستدعاؤها وتوظيفها عمداً وليست مكونا طبيعيا مستقراً داخل الجسد العربي، وهى ليست قوية بذاتها إنما بغيرها، والرئيس السادات عندما أعاد الإخوان لحسابات ومواءمات سياسية لم يكن لهم حضور، والملك فاروق هو الذى منحهم النفوذ من جديد بعد اغتيال مؤسس الجماعة لمواجهة الوفد عدوه اللدود. ليس انحيازاً شعبيا فتدين الشعوب أسمح وأرحب من أن يستهويه تشدد وتكفير بآراء مغلوطة شاذة عن إجماع الأمة، إنما عوامل دعم اقتصادية ولوجستية قديمة بدأت خلال النصف الأول للقرن الماضى حيث رأت أمريكا دعم هذا التشدد وهذا الفكر الأحادى الانعزالى التكفيري.. ولم تنته. يتحدثون عن الديمقراطية من فنادقهم بالخارج وقد تحول الوضع إلى صراع جيواستراتيجى بين قوى دولية وإقليمية، علماً بأن الأطروحات القيمية بشأن الإصلاح السياسى والبدائل الديمقراطية قد تجاوزتها الأحداث بمجرد »تسليح الثورة« وأدلجتها بالحضور الإخوانى ثم بتلويثها بالطائفية والإرهاب، بما يعنى أن البديل الديمقراطى فى ظل صراع تطور بهذا الشكل مستحيل؛ فعادة ما ينتج عن «الحروب الأهلية» والصراعات الدولية تسويات بمحاصصات طائفية وإثنية وتقسيمات تحدد مناطق نفوذ وسيطرة كل قوة. أما الإصلاح السياسى وتحقيق مطالب الديمقراطية والحريات، فمجاله سلمى وطنى طويل المدى بين التيارات الوطنية الفاعلة تحت المظلة الوطنية دون تدخل خارجى أو توظيف ودعم من قوى إقليمية أو دولية، والأهم أنه يبدأ ويستمر إلى ما لا نهاية دون استخدام السلاح. تنقل إلى مصر الآن تجربة سوريا المشئومة من خلال خلق ثنائية القاعدة والإخوان للتغنى لاحقاً على لحن «الاعتدال»، وهانى السباعى القيادى الجهادى المعروف بعلاقاته الواسعة بشبكات الاستخبارات وباضطلاعه بنقل الدعم اللوجستى للتحول من جديد للقاعدة ومبايعة الظواهري، والتنظيمان «الإخوان والقاعدة» أصبحا محط اهتمام مختلف القوى لاستثمارهما فى مصر أثناء وبعد الاستثمار فى سوريا، وفيمَ تتقاسم أمريكا وإيران الروابط مع القاعدة، تتنافس تركيا وإيران على الإخوان، حيث يراهن الجميع على مصر لترجيح كفته فى الصراع الدائر. «نريد بناء روسيا قوية» هذا ما قاله بوتين بالجلسة الافتتاحية للدوما، والصين تسعى لأن تكون كذلك والولاياتالمتحدةوتركيا وإيران، لكن ماذا عن العرب الذين ابتلاهم الله بمرض عضال ينخر فى أجسادهم ويفيد أعداءهم؟!. [email protected] لمزيد من مقالات هشام النجار