احتبست أنفاس العالم مع التصعيد الخطير في الصراع بين التحالفين الأمريكي والروسي في معركة حلب الكبري، وإعلان أمريكا قائمة من الخيارات العسكرية ردا علي اجتياح الجيش السوري وحلفائه شرق حلب، محققا أكبر المكاسب منذ اندلاع الأزمة السورية، عقب انهيار الاتفاق الأمريكي الروسي، الذي تضمن خطوات لحل الأزمة، تبدأ بالهدنة، يعقبها فصل جبهة النصرة المصنفة إرهابية عن باقي التنظيمات المسلحة التي يصفها التحالف الأمريكي بالمعارضة المعتدلة. تضمت قائمة الخيارات الأمريكية التي تم تسريبها، توجيه ضربات جوية لمواقع الجيش السوري، بدعوي ارتكابه جرائم بحق المدنيين في شرق حلب، وتزويد التنظيمات «المعتدلة» بأسلحة نوعية، منها صواريخ محمولة مضادة للدبابات والطائرات، وفرض منطقة حظر جوي علي الطائرات السورية فوق عدد من المناطق التي تسيطر عليها المعارضة «المعتدلة». قطعت روسيا الطريق أمام الخيارات العسكرية الأمريكية بنشر منظومة جديدة من صواريخ إس 300 المضادة للصواريخ والطائرات، والتي يمكن أن تنقل روسيا تشغيلها إلي الجيش السوري إذا تعرض لضربات جوية أمريكية، وهو ما يشكل تهديدا خطيرا للدور الأمريكي في الأزمة السورية، إلي جانب إرسال 3 قطع بحرية من البحر الأسود إلي ميناء طرطوس، والمزودة بصواريخ متطورة ومعدات حرب الكترونية، وإعلان روسيا أن أي اعتداء علي الجيش السوري يهدد قواتها، وسيدفعها إلي الرد علي الاعتداء. جاءت هذه التطورات الخطيرة في ظل اشتباك سياسي حاد. المندوب الأممي دي ميستورا تقدم باقتراح يفضي إلي تقسيم حلب، ويتضمن سحب مقاتلي جبهة النصرة، والذي قال إن عددهم 900 مسلح فقط، وليس 4 آلاف مقاتل وفق كلام دي مستورا نفسه أمام الأممالمتحدة قبل يومين، مقابل فك الحصار عن شرق حلب، وأن تكون تحت سيطرة من تبقي من المسلحين، الذين ينتمون إلي المعارضة «المعتدلة»، ورفضت كل من روسياوسوريا اقتراح دي ميستورا، وواصلت القوات السورية تقدمها في شرق حلب، مضيقة الخناق علي المسلحين المحاصرين، الذين دعتهم إلي الخروج من حلب جميعا. كانت وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاجون» قد اعترضت علي الاتفاق الأمريكي الروسي الذي توصل إليه وزيرا خارجية البلدين، ورأي أن الموافقة علي فصل جبهة النصرة عن التنظيمات المسلحة المعتدلة، وتوجيه ضربات جوية مشتركة لكل من داعش وجبهة النصرة، لن يخدم إلا قوات التحالف الروسي السوري الإيراني، الأقوي علي الأرض، بينما ليس لدي التحالف الأمريكي أي قوات يمكنها السيطرة علي الأراضي التي ينسحب منها داعش والنصرة، وبالتالي ستسهم أمريكيا في تسريع انتصار التحالف الروسي، خاصة بعد فشل الاعتماد علي أكراد سوريا، لقلة عددهم، وضعف تجهيزاتهم، والاعتراض التركي علي الاستعانة بهم، وكذلك فشلت محاولة تشكيل «الجيش السوري الجديد» من مقاتلين جري تجنيدهم من النازحين السوريين في الأردن، وانهارت قواته أمام داعش في أول معركة يخوضها تحت حماية الطائرات الأمريكية قرب مدينة البوكمال علي الحدود السورية العراقية. هكذا وجدت أمريكا أنها مضطرة للتراجع عن البند المتعلق بفصل جبهة النصرة عن باقي التنظيمات «المعتدلة»، وهو ما رأته روسيا مراوغة من الجانب الأمريكي، ليشن حلفاؤها هجوما ضاريا علي حلب، ولم تفلح الحملات الدعائية والجهود الدبلوماسية في إيقاف الهجمات. تضيق خيارات التحالف الأمريكي، وتتراوح بين التصعيد العسكري الواسع، بما يحمله من مخاطر اندلاع حرب مباشرة بين التحالفين، ويشعل المنطقة بأكملها، وربما العالم، أو العودة إلي الحلول السياسية، ومحاولة التوصل إلي هدنة سريعة، يمكنها أن توقف تقدم قوات التحالف الروسي مؤقتا، إلي حين تتمكن الولاياتالمتحدة من إيجاد شريك قوي علي الأرض، يمكنه الاستحواذ علي بعض الأراضي التي سينسحب منها كل من داعش والنصرة، ولا يوجد في الأفق إلا مجموعات من العشائر السنية في شرق سوريا وغرب العراق، لكنها لا تملك الخبرات القتالية، وأعدادها لا تكفي لمنافسة الجيش السوري وحلفائه، أما الخيار الأخير فهو الاعتماد علي تركيا، لكن التدخل التركي الواسع قد يحمل معه مخاطر اندلاع حرب واسعة، عندما تتصدي كل من روسيا وإيران وسورياوالعراق للجيش التركي المنهك بعمليات التصفية التي أعقبت محاولة الإنقلاب الفاشلة ضد أردوغان، ورغم كل هذه المخاطر، فالمؤكد أن الصراع بين التحالفين سوف يستمر مهما تبدلت الأدوات. لمزيد من مقالات مصطفى السعيد