بعد نكسة 67 أدرك الشعب المصرى وقواته المسلحة أن ارض مصر لن يتم استردادها وتحريرها إلا بالقوة العسكرية، خاصة أن إسرائيل بعد احتلالها سيناء آمنت بأن جيشها هو الجيش الذى لايهزم ووصلت هذه الثقة إلى حد الغرور حتى إن الجنرال إسحاق رابين صرح بقوله: «بواسطة قواتنا الجوية نستطيع أن نغزو أى مكان فى العالم حتى لو كان القطب الشمالى» وفى نفس الوقت فإن مصر حكومة وشعبا والقوات المسلحة رفضت الهزيمة واصبح شعار شعب مصر والقوات المسلحة أن ما اخذ بالقوة لايسترد إلا بالقوة وأنه لامفاوضات ولاصلح مع إسرائيل. بدأ الاعداد لتحرير أرض سيناء فورا عقب حرب 67 بعد توقف القتال بإعادة تنظيم القوات المسلحة جنبا إلى جنب مع إعادة بناء المقاتل المصرى. لقد بدأت حرب أكتوبر فى الحقيقة منذ وقت إطلاق النيران فى يونيو 67 فالجندى المصرى لم يفقد إرادة القتال وإنما الحقيقة أن القوات المسلحة المصرية كانت هى الضحية الأولى لأسباب خارجة عن إرادتها وبدأت الأعمال القتالية منذ يونيو 67 بمعركة رأس العش فى 30 يونيو عندما قامت وحدات مقاتلة إسرائيلية بمحاولة الاستيلاء على منطقة بور فؤاد (المنطقة الوحيدة فى سيناء التى لم يتم احتلالها) بواسطة مفارز من المدرعات والعربات المدرعة وتصدت لها فصيلة من الصاعقة فى منطقة رأس العش وأحدثت بها خسائر كبيرة وقامت القوة الاسرائيلية بإعادة المحاولة إلا أنها فشلت مرة أخرى وظلت بورفؤاد هى المنطقة الوحيدة التى لم يتم احتلالها إلى أن تم تحرير سيناء فى حرب أكتوبر.وفى 14 يولية 1967 قام تشكيل جوى من المقاتلات المصرية بقوة 20 طائرة مقاتلة بمهاجمة تجمعات للعدو فى قلب سيناء وتكررت هذه الطلعات يوم 15 يوليو 67 كما قام بعض أفراد من الصاعقة بعبور القناة وتدمير مخزن رئيسى للذخيرة فى منطقة بور توفيق.وفى يوم 21/7 قامت المدمرة إيلات الاسرائيلية بالدخول فى المياه الإقليمية لمصر فى البحر الأبيض المتوسط وصدرت الأوامر من القوات البحرية للنشى صواريخ للتصدى لها وتم إطلاق صواريخ سطح/ سطح من اللنشات انتهت بتدمير المدمرة إيلات وإحداث خسائر وصلت الى 250 جنديا إسرائيليا وكان ذلك أول استخدام للصواريخ سطح/ سطح فى العالم. هذه الأعمال القتالية ردا على القول بأن الضباط والجندى المصرى فقدوا إرادة القتال والتى تدل على الروح القتالية العالية والإصرار على مواصلة القتال لحين تحرير الأرض. من يونيو 69 تحولت إسرائيل الى سياسة الردع الجسيم باستخدام قواتها الجوية وصرح عازرا وايزمان بأن من يملك السماء يملك الارض واعتباراً من يناير 1970 بدأت القوات الجوية الاسرائيلية فى عمليات القصف الجوى فى عمق الدولة ضد الاهداف المدنية والعسكرية وصرحت جولدا مائير بأن الوسيلة الوحيدة لمنع قيام حرب شاملة هى ضرب العدو المصرى بعنف للتأثير على الروح المعنوية للشعب المصرى وإضعاف القيادة السياسية وقامت بتوجيه 3838 طلعة جوية خلال الشهور الأربعة الأولى من عام 1970 وأعلن إيجال ألون أن إسرائيل ستمنع إقامة شبكة صواريخ د. جو فى منطقة القتال لأن السيطرة الجوية فوق منطقة القناة حتمية وفى إطار هذه الاحداث كان القرار الجمهورى رقم 199 بتشكيل قيادة قوات الدفاع الجوى التى تشمل وحدات الصواريخ والمدفعية والرادار وكان الجميع يعلم أنه للقيام بعمليات هجومية لاسترداد الأرض فإنه يلزم توفير الحماية الجوية للقوات البرية وعناصر المهندسين ومن هنا كان اهتمام القوات المسلحة بتجهيز عناصر الدفاع الجوى من الصواريخ والمدفعية حتى إن الرئيس الراحل/ جمال عبد الناصر اجتمع أكثر من مرة بقادة وحدات صواريخ الدفاع الجوى (قادة لواءات وقادة كتائب) للاطمئنان على هذه الوحدات جاهزة لتنفيذ مهامهما القتالية وبعد دخول وحدات صواريخ د. جو الى الجبهة وتمام انتشار حائط الصواريخ الذى قام بالتصدى لطائرات القوات الجوية الاسرائيلية وأحدث بها خسائر كبيرة حدث تحول استراتيجى فى ميزان القوة لمصلحة القوات المسلحة المصرية. فى الساعة الثانية ظهرا يوم 6 أكتوبر عبرت نحو 250 طائرة قتال مصرية خط القناة وقامت بتوجيه ضربات جوية ضد مطارات العدو فى سيناء ومراكز القيادة ومراكز الاعاقة ووحدات الدفاع الجوى الإسرائيلى وفى نفس الوقت بدأ التمهيد النيرانى بقوة الفى مدفع بقصف مستمر ضد تجمعات العدو فى سيناء بمعدلات وصلت الى 10000 دانة مدفعية فى الدقيقة وقامت وحدات من الصاعقة والقوات البحرية بعمليات لسد أنابيب النابالم فى العملية السابقة للهجوم وبعد نحو 30 دقيقة من اقتحام قناة السويس قام العدو باستخدام قواته الجوية بأعداد كبيرة لمنع قواتنا من استكمال القتال وبدأت فى قصف القوات والمعابر وقد انفجرت نصف طائرات الموجة الأولى تقريباً نتيجة للحماية القوية من عناصر الدفاع الجوى وقام رجال المشاه والصاعقة بقتال دبابات العدو شرق القناة (نحو 300 دبابة) فى الخطوط الأمامية ولمدة 6 8 ساعات ولحين وصول الدبابات المصرية تم تدمير نحو 100 دبابة إسرائيلية ونتيجة للخسائر الكبيرة فى طائرات العدو صدرت الأوامر للطيارين الإسرائيليين بعدم الاقتراب من قناة السويس ووصل الى شرق القناة نحو 100000 جندى وأكثر من 1000 دبابة ومدفع وتكبدت القوات الإسرائيلية خسائر كبيرة وفى صباح يوم 7 أكتوبر كانت قواتنا قد نجحت فى تحطيم خط دفاعي محصن (قالت عنه إسرائيل إنه يحتاج إلى قنبلة ذرية) وانشأت خمسة رءوس كبارى ووصلت الى عمق 6 8 كم وأعلن موشى ديان أن خسائر إسرائيل فى الطائرات وصلت الى أكثر من 50 طائرة وأن الطيران الاسرائيلى عاجز عن اختراق شبكة الدفاع الجوى وذلك بالرغم من محاولة الطيران الاسرائيلى التركيز فى هجماته على القوات البرية (شرق وغرب القناة) والكبارى والمعابر بالإضافة إلى وحدات الصواريخ للدفاع الجوى وقد تم تقدير أعداد الطلعات الجوية حتى يوم 26/10 نحو 4600 طلعة جوية وتقدر كمية الصواريخ والقنابل نحو 32000 طن وكان متوسط الطلعات اليومية نحو 150 180 طلعة عدا يوم 7 أكتوبر كان نحو 450 طلعة. إن نجاح القوات المسلحة المصرية فى اقتحام قناة السويس وتحديد توقيت بداية المعركة هو عمل عسكرى رائع يتم تدريسه فى جميع المعاهد والأكاديميات العسكرية الذى كانت نتيجته الحصول علي المبادأة وتحقيق المفاجأة وانتهت بتحرير أرض مصر (مصر المحروسة). الحديث عن حرب أكتوبر لاينتهى ويحتاج الى مجلدات ليعلم الجيل الحالى والشباب مدى التضحيات التى بذلها آباؤهم وأجدادهم للحفاظ على الوطن الغالى ويكفى أن نتذكر آلاف الجنود وهم يرددون الله أكبر... الله أكبر... على طول قناة السويس. إن القوات المسلحة المصرية هى جزء من الشعب المصرى ولايخلو أى بيت مصرى من جندى أو ضابط من القوات المسلحة والفترة القريبة الماضية اثبتت أن القوات المسلحة هى أحد الاسباب الرئيسية لنجاح ثورة 25 يناير و 30 يونيو وتأمينها وهذا ضمن مهام القوات المسلحة بالاضافة إلى الدفاع عن حدود الدولة فهى مسئولة عن حماية وتحقيق الأمن الداخلى وحماية الشعب وسوف تظل الأجيال تذكر هتاف شعب مصر (الجيش والشعب ايد واحدة) . إلى شعب مصر العظيم. القائد الأسبق لقوات الدفاع الجوى لمزيد من مقالات ◀ فريق محمد زاهر عبد الرحمن