خرجت من مستشفي الدمرداش في العاشرة تماما, كان الجو لطيفا والشمس في السماء باهته. هل كان من الضروري أن تطلبي مني يا أمي أن أحضر لكي شهادة وفاة أختي؟ مع أنني كنت أتصور أن أمي قوية, وكانت قوية بالفعل, حتي كان يوم انهيارها يوم أن وقفت ابنة أختي الصغيرة تلح عليها أن تحضر لها أمها و كانت تختارها لا أعرف لماذا؟ مع أن أبوها موجود وجدها وكل الأسرة, كانت تترك كل هؤلاء وتقف في مواجهة أمي, هتيلي أمي... حتي مسكتها أمي من كتفيها وأخذت تهز فيها أمك ماتت يا سمر... أمك ماتت يا سمر وأخذت تصوت صواتا مرعبا صوات أشبه بجئير مخبولة, هزت الموجودين فبكينا وهي سقطت مغمي عليها, و حملناها بعد أن رششنا عليها الماء وذهبنا بها للطبيب وعلق لها الكلولوكوز وأعطاها حقنة تقوية, وعندما أفاقت كانت تردد, مش عايزة أشوف البنت دي... مش عايزة أشوف البنت دي وأنا أهز فيها: خلاص.. خلاص يا أمي.. أبوس أيدك إحنا في الشارع أنت مش مؤمنه, وحدي الله, ودموعي المتحجرة بدات تفلت مني. هل هذا مكتوب علي لسبب لا اعرفه أن أظل هكذا أقوم بالأعمال المؤلمة والذي يهرب منها الجميع؟ المستشفي بلا ملامح و أن كان في محيطها مساحه من الخضرة لم تفلح في التقليل من انكساري ومرارتي, المرضي متناثرون ما بين الطرقة والأسرة, الجدران تنشع رطوبة, وقفت أمام الموظف, في أنتظار ان يستخرج الشهادة, كنت متعبا وأريد أن أجلس علي الكرسي ولكن شجاعتي خانتني, فظللت واقفا حتي حصلت عليها, و خرجت وفي يدي شهادة الوفاة.. ثم ركبت الاتوبس الذاهب الي المنيل لكي أذهب إلي المعهد الذي لم أكن اذهب أطلاقا الي محاضراته أو أشتري كتبه بتاتا.. نزلت من الأتوبيس ثم تجاهلت الذهاب للمعهد وانحرفت في شارع مواز وسرت الي ان وقفت أمام عمارة من أربع طوابق, صعدت درجات السلم المبرئ حتي الدور الثالث. وقفت ثواني امام الباب أحاول أن أرسم ابتسامة علي وجهي.. لم أستطع.. دققت علي الجرس فتحت لي خطيبتي وابتسمت لي ابتسامة مرحة احماتك بتحبك.. الكرنب اللي بتحبهب حاولت حماتي أن تقوم ولكن لم تستطع لثقل وزنها. قالت: هو عارف غلاوته عندي قد أيه. كانت تلبس عباءة زرقاء وأنا كنت خائفا أن يحدث شي يربكني فابكي فقلت: أنا عايز أخرج؟ قالت: مش تاكل... قلت: لا, قالت: طيب ثواني.. هربت بعيني إلي الخارج ناظرا من الشباك الي الأشجار العارية من الأوراق باحثا عن تجمعات الطيور التي تكاد تخرم أذني خرجنا الي الشارع, الاسفلت مكسر والشارع مكتظ بالسيارات رغم انه شارع جانبي انحرفنا حتي وصلنا الي الكورنيش.. جلست علي الطوار وأخذت أنظر إلي البحر قالت: تصدق أنا كنت حاسة أنك حاتيجي النهارده كانت طيبة وداخلها شفاف بشكل لا يصدق وكنت مشفقا عليها من النزول في أرضي المملحة العقيم, كان داخلي يقين أن هذه البنت لن تكون من نصيبي, لا يمكن أن تكون كل هذه الطيبة والبراءة لي, حتي انا نفسي لم أتخيل مرة واحدة أنها تسير بجواري باعتبارها زوجتي وبجوارنا ولد او بنت او أولاد تسير وأنا ضجر او مرح, كانت الأحلام تنتهي عند نقطة معينه نقطة مبهمة لم أحددها, تعرفت عليها وأنا في السنة الأولي بالمعهد كنت دائما أحب الجلوس بجوار البحر وحدي لم تكن رومانسية أو انني أعيش في خيالات أبدا ولكن المشكلة الأساسية أنني لم أستطع أن أتواصل مع احد حاولت أن اقيم صداقة ولكن المعهد زحمة وكل شلة مكتفية بذاتها, أو ربما أنا شخصيا كنت غير قادر علي التآلف, كان داخلي منطفئا ولم أكن استطيع أن اقفز علي حالة وأمثل المرح والبهجة, كنت ضعيفا ومهملا رغم أنني مثلا كنت في مرحلة الثانوية أكثر الشباب صخبا ولكن شيئايسقط داخلك فجأة وخلاص يخطف منك البهجة والفرح وتهمل وتصبح منسيا,....... ابتسمت ونظرت الي البحر الهادي باحثا عن كلمات فسكتت ونظرت مثلي الي البحر... قالت: شايف.. وأشارت نحو قارب.... عجوز وأبنته أو حفيدته الصغيرة التي تفرد الشبك في قوة وعزم قلت حياة صعبة قالت: النهاردة فيه فيلم في سينما افاتن حمامه. االمغتصبونب بطولة ليلي علوي, قايمة فيه بدور ممتاز... اندفعت سيارة في عنف, العربه حمراء تركب فيها فتاه وشاب يلبس نظارة تغطي مساحة كبيرة من وجهه. شهادة الوفاة عرقت في يدي فنقلتها إلي يدي الأخري قالت أيه ده؟ وسحبت الورقة من يدي.. نظرت فيها وشحب وجهها واستغرقت في تفكير عميق ثم مدت يديها إلي وقالت: البقية في حياتك. نظرت إلي الأشجار العارية وأنا أمنع الدموع التي تتراقص في قوة.. قمت وتلفت ومسحت الدموع في كم القميص وسرت وهي بجواري تنظر إلي البعيد..