بسرعة فائقة وغير مبررة, اختفي شعار تحرير الصحافة, الذي رفعه ثوار يناير في الاسابيع الاولي من الثورة, وهو يعني الانتقال بالمؤسسات الصحفية القومية التي تمتلكها وتوجهها الحكومة من مدرسة صحافة التعبئة التي تسعي لحشد الرأي العام حول سياساتها واجراءاتها الي مدرسة الصحافة الحرة التي تعبر عن اتجاهات الرأي العام, ليحل محله شعار تطهير الصحافة الذي حصر طموح الثوار في مجرد اقصاء رؤساء تحرير هذه الصحف, ورؤساء مجالس اداراتها من المحسوبين علي العهد البائد, عن مناصبهم ليحل محلهم اخرون من المحسوبين علي العهد الحالي, ليقوموا بالمهمة نفسها, الي ان يتحول الي عهد بائد, فيستبدلون بغيرهم ممن يظن انهم اكثر ولاء للرئيس القادم, اكثر قدرة علي حشد الجماهير حول سياسة الحكومة الجديدة. والامبراطورية الصحفية التي تمتلكها وتوجهها الحكومة منذ بداية ستينات القرن الماضي, تشمل الان ثماني مؤسسات صحفية قومية تصدر55 مطبوعة صحفية يومية واسبوعية فصلية, ويعمل بها اربعة آلاف صحفي يمثلون اكثر من ثلثي اعضاء نقابة الصحفيين, واكثر من20 الف اداري وعامل, وتملك اصولا تقدر بمليارات الجنيهات تشمل عقارات واراضي فضاء وجامعات خاصة وشركات صناعية و تجارية تعمل في مجالات مختلفة لا صله لها بالصحافة, وبينها ستة صروح تعتبر جزءآ من تاريخ الوطن, بينها ثلاث يتجاوز عمر كل منها مايزيد علي القرن هي الاهرام ودارالهلال ودار المعارف, واقتربت الثالثة وهي روز اليوسف من القرن, وتجاوز عمر اخبار اليوم والجمهورية و وكالة انباء الشرق الاوسط نصف القرن ولعبت جميعها وبدرجات متفاوتة ادوارا بارزة في معارك تحرير الوطن وتحرير الشعب والدفاع عن الديمقراطية, وكانت ولاتزال احد اعمدة بناء النهضة المصرية, ومنذ نهايات القرن التاسع عشر, وبصرف النظر عن ان الظروف التي ادت الي دخول الحكومة الي مجال اصدار الصحف بعد ثورة يوليو, ثم نقل ملكية الدور الصحفية الكبري عام1960 الي الاتحاد القومي وهو التنظيم السياسي الوحيدانذاك كان له مايبرره في ذلك الحين, الا انه مع الزمن وفي ظل مدرسة صحافة التعيئة التي حولت الصحف الي مايشبه النشرات الاعلامية, والبيانات الرسمية, انعكس بالسلب علي حرية الصحافة, وعلي مهنية الصحفيين, ثم مالبث ان طال الاوضاع الاقتصادية للمؤسسات الصحفية القومية. بسبب ماشاع من فساد واهدار للمال العام في بعض اداراتها, ولان المالك سواء كان الاتحاد القومي او الاتحاد الاشتراكي او مجلس الشوري كان دائما غائبا لايعنيه الا أن يضمن قيام الصحف التي يملكها بتعبئة الرأي العام وحشده وراء سياستها سواء كانت صالحة او كانت طالحة وهو الاغلب. وهكذا تحولت الصحف القومية الي صحف حزبية تنطق بلسان الحزب الحاكم, وتتغزل في الرئيس الجالس وتطبطب علي الحكومة القائمة. وهو مانهض الصحفيون منذ اكثر من عشرين عاما لمقاومته ومحاولة تعديله, واسفر هذا عن توصية اصدرها مؤتمرهم العام الثالث عام1996, وتضمنها قانون تنظيم الصحافة الذي صدر في لعام نفسه, ولايزال قائما حتي الان في المادة55 التي تنص الفقرة الثامنة منها علي أن تكون الصحف القومية مستقلة عن السلطة التنفيذية وعن جميع الاحزاب وتعتبر منبرا للحوار الوطني بين كل الاراء والاتجاهات السياسية والقوي الفاعلة في المجتمع. ولم تنفذ هذه الفقرة من المادة, لان الصحف القومية طبقا للفقرة الاولي من المادة ذاتها مملوكة ملكية خاصة للدولة, يمارس حقوق الملكية عليها مجلس الشوري, وهو المجلس الذي انشأه الرئيس السادات خصيصا عام1980, لكي تنتقل اليه ملكية الصحف القومية. بعد ان حل الاتحاد الاشتراكي والذي ظل الحزب الوطني المنحل يحوز الاغلبية فيه دائما وحدث ماكان متوقعا,. اذا ماعادت انتخابات مجلس الشوري تنتهي بفوز حزب الحرية والعدالة بالاغلبية فيه لتضاف الي الأغلبية التي يحوزها وحلفاؤه. حتي اختفي شعار تحرير الصحافة الذي رفعه الثوار, ليحل محله شعار تطهير الصحافة الذي روجت له الصحيفة الناطقة بلسان الحزب المرشح لان يكون حاكما, وقالت بوضوح ان رؤساء تحرير الصحف القو مية ينتمون للتيار الليبرالي الذي لايعبر عن هوية الامة.. ليتأكد ان الذي يروجون لذلك لايعنيهم في شيء ان تتحرر الصحف القومية, لتكون صحفا مستقلة عن كل السلطات والاحزاب. مشاكل الصحف القومية, المتراكمة لايحلها نقلها من ملكية الدولة الي لملكية الخاصة اذ لايمكن التفريط في مؤسسات بهذا الحجم وهذا التاريخ, ولكن الذي يحلها ان يعفي مجلس الشوري من سلطة ممارسة حق الملكية عليها, لان مجلس حزبي., سوف يمارس بالقطع هذا الحق لصالح الحزب او الاحزاب صاحبة الاغلبية فيها. لتنتقل هذه السلطة الي مجلس وطني للصحافة, يكون مستقلا تماما عن كل السلطات والاحزاب, يتو لي ادارتها علي اسس مهنية واقتصادية سليمة, ويفتح صفحاتها للتعبير عن الاحزاب والتيارات باختصار المطلوب تحرير الصحافة القومية.. لأن التحرير هو الذي سيجلب التطهير وليس العكس خاصة حين يكون الهدف من هذا التطهير, هو اقصاء المختلفين في الرأي المزيد من مقالات صلاح عيسى