ناقشت لجنة الثقافة والإعلام والسياحة بمجلس الشوري في اجتماعها يوم الاثنين الموافق 2 إبريل الجاري، برئاسة فتحي شهاب الدين رئيس اللجنة معايير وضوابط اختيار رؤساء مجالس إدارات وتحرير المؤسسات الصحفية القومية. كما استعرضت اللجنة الأوضاع الاقتصادية لتلك المؤسسات، وسبل تحقيق الاستقلال لها. وقررت اللجنة عقد سلسلة من جلسات الاستماع اعتبارا من اليوم التالي الثلاثاء (3 أبريل) ولمدة أسبوع للوقوف علي آراء مختلف الأطراف المعنية، تمهيدا لإقرار المعايير المناسبة لاختيار رؤساء مجالس الإدارات ورؤساء التحرير. وانطلقت الجلسات صباح الثلاثاء الماضي لبحث مصير هذه المؤسسات التي صارت صداعا في رأس الدولة حكومة وشعبا. الجدير بالذكر والذي لابد من الإشارة له قبل الولوج إلي كواليس هذه الجلسات أن العلاقة بين المؤسسات الصحفية القومية ومجلس الشوري نشأت في عهد الرئيس السادات خاصة فيما يتعلق بالملكية والتبعية وظلت هذه العلاقة حتي عام مضي دون مراجعة إلي أن قامت ثورة 25يناير التي أعطت أملا كبيرا لأبناء هذه المؤسسات في إعادة النظر في العلاقة وإعادة صياغتها بطريقة أخري تضمن لهذه المؤسسات حريتها واستقلالها. ومنذ الانتهاء من تشكيل مجلس الشوري ثارت مخاوف لدي أبناء المؤسسات الصحفية القومية حول كيفية وشكل العلاقة في ظل تغيرات سياسية علي الخريطة المصرية.. مثل وصول التيارات الإسلامية وما يستتبعها من أحزاب إلي سدة الحكم.. الشللية بدأت لجنة الثقافة والإعلام والسياحة بمجلس الشوري الثلاثاء الماضي، أولي اجتماعاتها لدراسة معايير وضوابط اختيار رؤساء تحرير الصحف القومية ومناقشة جميع الجوانب الاقتصادية والاجتماعية لهذه المؤسسات بما يكفل استقلال الصحافة. واستضافت اللجنة في يومها الأول الكاتبة الصحفية سناء البيسي رئيس تحرير مجلة "نص الدنيا" السابقة والكاتب الصحفي عباس الطرابيلي والدكتور محمود علم الدين، الأستاذ بكلية الاعلام بجامعة القاهرة، والصحفي بالاهرام المسائي الدكتور محمد منصور هيبة، وهو أيضا أستاذ بكلية الاعلام بجامعة القاهرة، وأجمعوا علي ضرورة ألا يتم انتخاب رؤساء التحرير ورؤساء مجالس الادارة في الفترة المقبلة علي الأقل. حيث بدأت الأستاذة سناء البيسي الحديث وقالت سناء مؤكدة انها لاتحبذ فكرة انتخاب رؤساء التحرير، لأن هذه الفكرة ستؤدي حتما إلي بزوغ فكرة "الشللية"، لأن رئيس التحرير وقتها سيكون ضعيفا ومنحازا "للشلة" التي أتت به ولن يكون حياديا، كما أكدت انه لابد أن يكون رئيس التحرير مثقفا يجيد لغة أجنبية وفوق مستوي الشبهات وقادرا علي إدارة المؤسسة لتحقيق التقدم الاقتصادي لها. ومن ناحيته قال الاستاذ عباس الطرابيلي إن مبدأ الانتخاب أثبت فشله في اختيار رؤساء التحرير، كما أن التعيين في الفترة السابقة أثبت فشله أيضا لتغلب الفرص والهوي وتعيين أهل الثقة حتي صارت الصحف المصرية في مؤخرة الصحف العربية وهي التي كانت لها الريادة في إنشاء الصحف، مشيرا الي أنه في السنوات العشر الأخيرة كانت الاختيارات تتم من لجنة السياسات، فتأخرت الصحف بشدة وانهارت اقتصادياتها. وأكد الطرابيلي أنه يجب ألا تكون السن معيارا لاختيار رئيس التحرير ولايجب حرمان الخبرات الصحفية من هذا المنصب ولانتقيد بسن الستين لأن الصحفي الكفء الذي يصل الي هذه السن يجب الاستفادة من خبراته، موضحا أن سن المعاش للصحفيين غير موجود في الدول المتقدمة كما أن الاجيال القديمة لم تمنع ظهور صحفيين أكفاء وخير مثال علي ذلك أحمد بهاء الدين ومحمد حسنين هيكل. واتفق الطرابيلي مع البيسي في أن رئيس التحرير يجب أن يتحدث بلغة أجنبية بطلاقة وقارئا للأدب ولجميع فروع المعرفة وإداريا علي أعلي درجة للنهوض بالصحيفة اقتصاديا وإداريا وألا يعمل في أي وسيلة إعلامية أخري. واقترح عباس الطرابيلي أن يتم أولا مناقشة ملكية الصحف القومية ووسائل الاعلام العامة وفصلها عن الدولة وأن يتم تكوين شركات صحفية تتولي إدارة العمل الصحفي بدلا من أن يكون رئيس التحرير هو المالك الفعلي لها كما حدث في السابق. خطة اسعاف فيما قال الدكتور محمود علم الدين أنه قبل الحديث عن أي شيء يخص تلك المؤسسات لابد أن نعرف أن هناك أمرين يجب حسمهما وهما وضع المؤسسات الصحفية وأسلوب الاختيار، موضحا أن هناك ثماني مؤسسات صحفية قومية يعمل بها حوالي (27 ألفا و500 صحفي واداري وعامل) تعاني كلها بلا استثناء من أوضاع اقتصادية وادارية بالغة السوء نتيجة لسنوات من الادارة السياسية وليس الاقتصادية الفاشلة والفاسدة، لدرجة أن هناك مؤسسات صحفية لا تستطيع تدبير مرتبات العاملين بها... ضاربا المثل بالوقفات الاحتجاجية والاعتصامات التي شهدتها نقابة الصحفيين لهذه الأسباب طوال السنوات الثلاث الماضية وطالب علم الدين بوضع خطة "اسعاف" لهذه المؤسسات حتي تصحح أوضاعها وبعد ذلك يتم اعادة هيكلتها وتحديد ملكيتها وعلاقتها بالدولة، مؤكدا أن الحل الأمثل لهذه المؤسسات أن تدار بأسلوب اقتصادي منضبط ومدروس، وأن يتم الغاء الاصدارات الخاسرة. وأكد علم الدين علي رفضه لفكرة انتخاب رئيس التحرير قائلا أن فكرة الانتخابات لا وجود لها في أي دولة من العالم، وقال انه يمكن اللجوء الي نظام تعلن فيه المؤسسات الصحفية عن حاجتها لرئيس تحرير تضع فيه الشروط اللازمة مثل الخبرة الصحفية والمهارات الادارية ورؤيته للتطوير ولمستقبل الصحيفة وأن يكون متفرغا لعمله ويتقدم من يري ان الشروط تتوافر فيه ويتم مناقشتهم من خلال لجنة مختارة من الأعضاء المنتخبين من مجلس الإدارة والجمعية العمومية وترفع قائمة بثلاثة أشخاص لمجلس الشوري يختار منها الأفضل. وطالب مجلس الشوري بانشاء لجنة من الاعضاء والخبراء لدراسة وضع المؤسسات الصحفية القومية وتراجع المستندات الخاصة بهذه الصحف والموجودة في الجهاز المركزي للمحاسبات للوقوف علي الوضع الحقيقي لهذه المؤسسات، ووضع سيناريوهات للاسعاف العاجل، وقال موجها كلامه لأعضاء اللجنة: "انتبهوا والا ستنفجر هذه المؤسسات من الداخل". الاستقلال التحريري أما الدكتور منصور هيبة فنبه إلي أمر خطير وهو أنه يجب أولا بحث وضعية المؤسسات الصحفية وتحديد العلاقة بين هذه المؤسسات والمنظومة السياسية داخل المجتمع وتحديد ولاء رئيس التحرير هل هو لصانع القرار الذي عينه ويستطيع إنهاء خدمته في أي وقت أم للحزب أم للشعب .. مؤكدا أن الولاء لابد وأن يكون للمهنة والرسالة. وأضاف أن رئيس تحرير الصحف القومية يجب أن يكون قادرا علي تحقيق الاستقلالية التحريرية للصحيفة وأن يتطرق لكل القضايا بحرية تامة ولا يعترض عليه أحد أو يوجهه إلي قضايا بعينها ويكون معافي في بدنه وعقله ويده ويتحدث العربية بطلاقة بالاضافة إلي لغة أجنبية. وأرجع منصور تدهور حالة الصحافة المصرية في الفترة الأخيرة الي أن هناك جهازا واحدا في الدولة هو الذي يتولي فحص الملفات الخاصة بالمرشحين وكان يطلب منه اختيار الأسوأ والذي عليه مآخذ كثيرة فجاءت هذه الاختيارات مخيبة للآمال .. وطالب مجلس الشوري والمجلس الأعلي للصحافة بدراسة ملفات هؤلاء ومحاسبتهم علي ما أوصلوا اليه هذه المؤسسات. وأكد أنه قبل الحديث عن التعيين أو الانتخاب يجب أولا خلق ثقافة الانتخاب لدي المصريين وضرب مثلا بذلك في مؤسسة الأهرام حيث تم تطبيق نظام الانتخاب وبعد شهرين وجدنا الصحفيين يقفون معتصمين مطالبين برحيل رئيس التحرير المنتخب!! وعلي عكس الآخرين أكد هيبة أن الانتخاب هو الأفضل ولكن ليس في هذا الوقت. وأشار إلي مشكلة مهمة ولا تقل خطورة عن اختيار رئيس التحرير وهي أنه يجب علاج مشكلة الخلط بين الإعلان والتحرير. سطو مسلح ولأن وضع المؤسسات القومية ليس أمرا يهم أبناء المهنة فقط بل يهم كل فرد في الشعب المصري، الذي يري أن الصحافة هي "المتحدث الرسمي باسم الشعب"، فقد تحدثت كل وسائل الإعلام عن الأمر وطرحت القضية للنقاش فرأينا حلقة برنامج "مصر تقرر" الذي يقدمه الإعلامي محمود مسلم علي قناة "الحياة2"، وما حدث فيها من مشادة كلامية بين فتحي شهاب الدين، رئيس لجنة الثقافة والإعلام بمجلس الشوري، وعضو مجلس نقابة الصحفيين الكاتب الصحفي جمال فهمي، حول ضوابط تعيين رؤساء تحرير الصحف القومية. حيث قال جمال فهمي:"إن هناك حالة سطو مسلح من التيار الإسلامي علي المؤسسات الصحفية القومية"، مشيراً إلي أن كلمة السطو المسلح من قوة السلطة ولا يمكن أن نستبدل نظاما بنظام آخر، مشدداً علي استقلال الصحف القومية وأنها مملوكة للشعب المصري. وفي المقابل قال فتحي شهاب الدين:"إن مجلس الشوري يدرس وضع الصحفيين بوضع ضوابط لرؤساء تحرير الصحف القومية"، معتبراً أن كلام فهمي حول السطو لا أساس له من الصحة. وتساءل:" ماذا تعني كلمة سطو مسلح؟"، وأضاف أن المؤسسات الصحفية يجب أن تتطور، مشيراً إلي أنه لابد أن تكون هناك إعادة هيكلة للمؤسسات الصحفية، مشدداً علي عدم وجود نية للاستحواذ وإنما للإصلاح. قومية لا إسلامية وكما سبق وأن ذكرنا أن علامة الاستفهام الكبري التي تؤرق الجميع الآن شكل العلاقة بين المؤسسات الصحفية ومجلس الشوري في ظل تغير شكل الخريطة السياسية المصرية، ومن هذا المنطلق دعا عدد من شباب الصحفيين بمؤسسة الأهرام الدكتور طارق السهري عضو الهيئة العليا لحزب النور ووكيل مجلس الشوري لعرض بعض الرؤي والمقترحات حول هذه العلاقة. وفي بداية الندوة نفي الدكتور طارق السهري وجود أي نية لدي التيار الإسلامي في السيطرة علي المؤسسات الصحفية القومية. وأن دور مجلس الشوري داعم للصحف القومية وليس مغتصبا أو مهيمنا عليها. وأضاف أن مجلس الشوري يهدف إلي ايجاد صحافة قومية تعبر عن قيم المجتمع، وأن هذا اللقاء الودي جاء رغبة من كوادر الحزب في الاستماع إلي صحفيي المؤسسات القومية حول رؤيتهم الحالية والمستقبلية لدور المؤسسات الصحفية في المجتمع. وأكد السهري أن مجلس الشوري لا يهدف إلي التغيير من أجل التغيير وانما يريد أن يعلي من قدر الكفاءات داخل هذه المؤسسات وإعادة الحقوق لأصحابها ممن اضطهدوا أو ظلموا خلال فترة النظام السابق، وأننا يجب أن ننظر إلي الامام ونطوي خلف ظهورنا صفحة الماضي لنفتح عنان الخيال إلي المستقبل.وقال: إن أعضاء حزب النور انتفضوا للدخول في العملية السياسية من أجل رفعة الوطن وليس من أجل المناصب السياسية أو المكاسب المادية، ودلل علي ذلك بأن أعضاء الحزب في مجلس الشوري أوقفوا جميع مستحقاتهم المادية الطائلة التي كان يحصل عليها رجال النظام السابق جراء انتسابهم لمجلس الشوري، وكذلك أوقفوا مشاريعهم الخاصة من أجل مصر. وعند سؤاله عن الأخبار التي تم بثها عن نية المجلس في تغيير حوالي (48) قيادة من قيادات هذه المؤسسات، أجاب السهري أن هذا الكلام عار تماما عن الصحة وأن الشوري لا يريد أن يلعب الدور القديم في أن يكون القائم علي التعيينات فقط وانما سيلعب دور المساند لهذه المؤسسات والمدعم ووفق هذا المنهج تم تشكيل لجان متخصصة من أجل دراسة ملف الصحف القومية بالإضافة للجان استماع تستهدف الخروج برؤية واضحة لحل مشكلة المؤسسات القومية مؤكدا أن بعضها عليه مديونية لمجلس الشوري تقدر بحوالي110 ملايين جنيه مما يسبب عبئاً علي المجلس وأن المجلس كان يرغب أن يرفع من علي كاهله هذه المهمة الشاقة، فضلا عن الحوار مع أصحاب الشأن للوقوف معا وبشكل مشترك علي تحديد مستقبل هذه المؤسسات. التطهير من الأغلبية أما عن ضرورة أن تكون المؤسسات القومية مستقلة عن أي جهة حتي لا تقع في سيطرة الأغلبية كما كان في السابق أجاب السهري أن التبعية لمجلس الشوري لأنه منتخب من الشعب ولا يجب أن نصوره علي أنه نوع من السيطرة والا سوف يكون البديل هو بيع المؤسسات وعندئذ تكون رهن القطاع الخاص ولكن عندما يشرف عليها مجلس منتخب حقيقي بدون تزوير ينتج أغلبية ترضي عليها الناس ولا تمارس ما كان يمارسه النظام السابق وهو بمثابة الأمن والأمان لاستقلالية هذه المؤسسات. وعن شكل الملكية وكيفية تفكير المجلس في هذا الملف وخاصة أن الطريق الذي أمامنا لا يتيح لنا الكثير من البدائل طلب السهري بتصور مكتوب ليتم دراسته فضلا عن أنهم سيجلسون مع نقابة الصحفيين للتعرف والمشاركة في تحديد الحل الأمثل في هذه الأشكالية. وأعلي حماد من قيمة الصحافة القومية وأكد أن الصحافة والصحفيين هم عين المجتمع التي تستطيع أن تصل إلي كل مكان فيه. وأضاف حماد أن مجلس الشوري غير حريص علي تملك المؤسسات الصحفية القومية فهي تشكل عبئا ماديا علي ميزانيته. واتفق الدكتور يسري حماد المتحدث باسم حزب "النور" السلفي، مع السهري بأن مشكلة مصر الحقيقية وجميع مؤسساتها هو الفساد الإداري والمالي والتلاعب الذي أنتج ظلما وتأخرا وتراجعا كبيرا وأكد أن حزب النور علي سبيل المثال لا ينتظر اشادة من أحد ولا يريد من الصحف القومية أن تمدح الحزب وإنما الهدف الحقيقي هو أن تعود الصحافة للمهنية وتمارس دورها ورسالتها وفق الحقيقة وأن تقوم بدورها النقدي وهذا ما يجب أن يكون هدفنا عقب ثورة 25 يناير مع ضرورة الاصلاح الإداري والمالي لكي نصنع نهضة حقيقية في هذا القطاع. وقال حماد: إن مسألة التغيير في الصحف القومية أحيلت إلي اللجان المختصة ولا استعجال في التغيير دون وضع الضوابط التي تفرز الأكفأ لتكون الصحافة القومية معبرة عن المجتمع بصورة واضحة، وأن الصحف القومية مثلها مثل باقي مؤسسات الدولة تعاني الفساد الإداري الذي سينحسر بعد وضع القوانين الرادعة والمقيدة له.