بالحسرة والالم استقبل اهالى قرية تلبانة بمركز منيا القمح جثمانى اثنين من ابنائها خرجا بحثا عن حياة كريمة فى بلاد مجهولة قبل ان يعودا جثتين هامدتين قذفت بهما مشاعر الطمع والجشع ليهويا الى قاع البحر قبل ان يصلا الى مبتغاهما ويعثر على جسديهما ويتم اصطحابهما مرة اخرى للقرية التى غادراها لكن هذه المرة ليواريا الثري. كانت القرية قد شهدت ليلة حزينة اثر تردد الانباء عن مصرع الشابين محمود ياسر جودة بيومى 18 عاما طالب بالأزهر ومحمود ناصر عبد الستار 20 عاما من أبناء القرية فى حادث غرق قارب للهجرة غير الشرعية برشيد، حيث كانا قد قررا السفر لاوروبا بحثا عن فرصة عمل وقد توجه الأهالى على اثرها لمرافقة اسر الشابين الى محافظة البحيرة للتعرف على نجليهما واصطحابهما حيث شيعت الجنازة وتم دفنهما بمقابر القرية. وفاحت رائحة الحزن فى سماء القرية المنكوبة واتشحت النسوة بالسواد ليطلقن الصراخ والعويل على خيرة شباب القرية وكلمات التعازى بطعم الحسرة تنهال على اسر الفقيدين وفى اثناء الجنازة تعلقت أما الشابين فى النعش الذى يحمل جثمانهما ليتوارى خلف الثرى واصررن على حمل النعش على اكتافهن ليزفوا العريسين الى مثواهما قبرهما كل منهما تنادى على فلذه كبدها وزهرة عمرها وشبابها لعل الحياة تعود اليهما ويرتميان فى احضان امهاتهما اللاتى اضناهما وجع بعاد فلذات الاكباد عنهما. وكان المشهد اقسى من ان يوصف امام القبر عندما اصرت والدة احد الشابين على النزول معه الى القبر كى تؤنس وحدته لعل الحياة تعود اليه ويسرد لها لحظات الرعب والخوف الذى سكنت قلبه وهو يصارع امواج البحر العاتية متشبثا بالحياة ومتعلقا بروح والديه واشقائه الا ان مياه البحر ابتلعته وقالت الام الثكلى ان ابنها الشاب اصر على السفر الى الخارج رغم انه لم يستكمل دراسته وقرر شد الرحال الى بلاد الله حاملا كفنه بين يديه لجلب المال لنفسه واسرته الا ان البحر الثائر ازهق روحه وابتلع آماله وراحت الام المكلومة تصرخ من اعماق قلبها وتتساءل بنظرات شاردة من الذى سيرتمى بين احضانى بعد عودته من المدرسة ومن الذى سيرافقنى الى السوق ويحمل عنى الحقائب ومن الذى سوف استدفئ بانفاسه الطاهرة فى ليالى الشتاء القارسة البرودة ومن الذى سيملأ اركان المنزل بالبهجة والسرور فقد كانت اصوات ضحكاته تهز الجدران ففى لمح البصر فقدت مهجة القلب والسند والامان. بينما وقفت والدة الشاب الآخر تنعى رحيله فهو كان أكثر حنانا عليها من اشقائه ورغم انها اعترضت على سفره واخبرته بما يتعرض له كل مسافر بطريق غير شرعى الا انه اصر على شد الرحال حتى وان كان الثمن عمره وحياته وقالت انه كان ابن موت فقد كان محبوبا من اهالى القرية وكان يخدم الكبير والصغير ويوم سفره راح يقبل يديها ويد ابيه واشقاءه ويطلب منهم الدعاء له بان يصل بسلامة الله إلى ايطاليا واذا تعرض للغرق وصعدت روحه إلى ربها فيدعو له بالرحمة والمغفرة وطلب من امه الا تصرخ عليه اذا مات اثناء السفر ولا ترتدى ثوب الحداد لانه فضل البعد عن اسرته والسفر لبلاد الغربه لجلب المال لمساعدة ابيه فى تربية اشقائه.