كان يحتضن الدنيا بين ضلوعه الصغيرة حتي لاتغيب عنه الحياة ويفتح ذراعيه الصغيرتين للأمل ويحبو اولي خطواته في رحله حياته فرغم من انه لم يتجاوز الرابعة من عمره وعقله مثل العود الاخضر وقلبه بصفاء السماء الا انه كان يحمل داخله أمنيات وأحلام تنوء عن حملها الجبال الراسيات وكان يعشق السهر ويخاصم النوم وكأنه يعلم مايخبئه له القدر بأن ساعات حياته في الدنيا معدوده وانه سيطير إلي الجنة ليلهو مع رفاقه وتعوضه السماء بحوريه تكون أما له بدلا من أمه التي فارق احضانها وهو طفل بريء. «محمد» 4سنوات كان يهز جدران منزله المتواضع بمدينة كفر الشيخ من اصوات ضحكاته ولهوه مع والديه فهو اول الفرحة وزهرة العمر ووهبته الاقدار وجها ملائكيا وخفة ظل وذكاء يفوق عقل شاب في العشرين حتي خطف قلب كل من حوله من الاهل والجيران وكانوا يداعبونه اثناء سيره في الشارع ويقبلونه ويمطرونه بالدعوات بأن يطيل الله في عمره وكأنه كانوا يدركون ان ملك الموت يحوم حول الصغير ليغافل كل محبيه ويلتقط روحه الطاهرة. كان ابوه شديد التعلق به فهو أول من رأته عينه وهو الذي سيحمل اسمه ويحمل نعشه عند الممات وهو عصاته التي سيتوكأ عليها عند الكبر فكان يأخذه معه اينما ذهب فهو موظف في الوحدة المحلية يعمل ساعات النهار في وظيفته ويخرج ساعات الليل للتنزه مع ابنه الذي كان يعشق ركوب الدراجة البخارية خلف ابيه ليسير به في الطرقات اثناء الليل ليداعبه الهواء المحمل بنسائم انفاسه الطاهره وتتطاير خصلات شعره علي جبينه وهو يتعلق بثياب ابيه من الخلف ويتمايل مع الدراجه يمينا ويسارا وكانت تلك الرحلة يعشقها الصغير وينتظرها كل مساء . وجاء اليوم الذي لم تشرق فيه شمس النهار وكأن السماء اعلنت الحداد علي رحيل الصغير واستقل الاب دراجته البخارية متوجها لزياره صديقة المريض مستغلا انشغال ابنه «محمد» في مشاهده التليفزيون وبمجرد ان سمع الطفل صوت محرك الدراجة انتفض من مكانه وانخرط في الصراخ والبكاء وكأنه كان ينعي رحيله ويبكي علي هجره للدنيا قبل ان يتمتع برحيقها وحاولت امه تهدئته دون جدوي وراح يرطم رأسه في الحائط مما دفع امه الي الاتصال هاتفيا بابيه وطلبت منه العوده حتي يأخذ ابنه معه وكانت الرحلة الاخيرة للذهاب الي الموت. عاد الاب لانه لم يحتمل بكاء ابنه ولم يدر بخلده انه سوف يقدمه قربانا لعفاريت الاسفلت وعلت الضحكات وجه الصغير عندما حملته امه واحتضنته وضمته لدقائق بين ضلوعها وكأنها كانت تودعه ثم قبلت كل ذره في جسده ووضعته علي الدراجة خلف ابيه ووقفت تراقبه حتي اختفي من امام عينيها، ثم اسرعت لفراشه لتنام مكانه وتري صوره في الغرفه ومرق امامها شريط من ذكرياتها معه واحست ان مكروها سيلحق به واسرعت تطلب زوجها كي يعود بفلذه كبدها الا انه لم يرد. سار الاب بدراجته قاصدا منزل صديقه في قرية مجاورة له بمحافظة كفر الشيخ والابن يتعلق بثيابه واغواه الهواء وخلو الطريق من الماره والسيارات وسار بسرعة جنونية متناسيا ان فلذة كبده يجلس وراءه حتي طار الصغير في الهواء من فرط السرعة ولم يستطع ابوه انقاذه وتصادف مرور سيارة من الخلف دهست الصغير وحولت جسده البريء الي اشلاء وكاد الاب ان يفقد روحه وهويصرخ عندما شاهد ثري الارض يرتوي بغيث دم ابنه الوحيد وكل جزء من جسده متناثر علي الارض واتصل بزوجته لنجدته والاستغاثه بأقاربه لمساعدته في لم اشلاء ابنه بعد ان اخفاها الظلام الدامس عن عينيه ووقعت الكارثة علي الام الثكلي كالصاعقة وحملت ثري الارض علي رأسها وهي تحتضن ماتبقي من جسد ابنها البريء. وكان المشهد اقسي من ان يوصف وهي تشق صفوف من يحملون نعش ابنها ليتواري جسده خلف الثري وهي تتعلق بالنعش وتتوسل اليهم ان يدفنوها حية بجواره كي تؤنس وحدته داخل القبر فهو كان يخاف من الظلام وتخشي عليه من عتمة القبر وبشق الانفس هرول المشيعون بالنعش تاركين الام الثكلي تصارع الموت لتلحق بابنها.