اين انت ياصغيري .. يامن كنت تطل علي بنظرة شوق لا تتغير وملمح برئ ثابت .. فبأي جحر جائر تركت رائحتك الطيبة وفي اي حفره انطفأ نورك الحاني ..كنت انيس الوحشة وغافلتني وهجرت الي الموت. عشية هذا الرحيل المفاجئ أصبحت اعود الي الدار فلا اجد من اضمه الي صدري واتمدد وحيده بدونك في نفس الفراش الذي شهد مولدك اسمع صوتك المميز في احلامي وضحكاتك وانت تطير فالجنه تشرح صدري اين عيونك لتري وحدتي لم يبق لي سوي الحسره وسيظل فى العين دمعه ، وفي القلب مرارة حتي ارحل اليك وانام جوارك . كلمات بطعم المراره شقت قلب الام الثكلي التي فقدت وليدها ذات الاربعة اعوام علي يد ابيه الذي تلفح بعبائة الشيطان وتناسي دمائه التي تسري في اوردة طفله وتنصل من الرحمه وادار ظهره للانسانية وفي لمح البصر ازهق روح ابنه الوحيد وسطر بيديه شهادة وفاته وكان اخر ما سمعه البرئ من كلام الدنيا شتائم والده القاتل وحتي تكتمل ملحمته نذالته ترك جثة صغيره علي فراش الموت وذهب بلا رجعه دون ان يواري جسد فلذة كبده خلف الثرى ؟ مأساة انسانية هزت قلوب اهالي محافظة اسيوط اصوات صراخ الام الثكلي اوقفت كل قدم سائر بالشارع وهي تحمل صغيرها بين يديها والعيون الدامعه تتعلق بها وتساؤلات سارت بالنفوس ما الذي اودي بحيات البرئ هل اهلكه المرض اللعين هل تناول ماده سامة في غفلة من والده هل هل هل حتي فجرت الام مفاجأه التي اشعلت النيران في دماء الذين تراصوا من حولها وقالت ان زوجها الملعون قتل صغيرها بيديه الاثمتين ولاذ كالجبان بالفرار وانتشر الرجال في كل شبر بالمحافظة وكان الارض قد انشقت وبلعته . سردت الزوجة الشابة تفاصيل مقتل ابنها الوحيد امام عينها وقيدها الخوف من انقاذه رغم انها كانت تضمه بين ضلوعها وقالت " استيقظ صغيري كعادته واصوات ضحكاته ترن في ارجاء بيتنا المتواضع باسيوط وراح يلهو ويلعب وبين الحين والاخر يهرول الي صدري ويحتضني وتناول معي افطاره ثم انشغل في مشاهدة التليفزيون وتفرغت للأعمال المنزليه وتجهيز الغذاء قبل مجئ والده من العمل وكنت اطل علي طفلي من وقت لاخر واداعبه واقبله ولكن حاله من الهدوء انتابته فلم يبعثر محتويات غرفته كعادته ولميثقلني بطلباته حتي اعتقدت انه مريض وضممته الي صدري لاستدفئ بانفاسه وظل يقبل رأسي وكانه كان يعلم ان ملك الموت سوف يقبض روحه وانه سيرحل عني ويتركني فريسه للاحزان . عاد زوجي من عمله في موعده ورفض صغيره لتناول الغذاء رغم الحاحه عليه لتناوله لمرضه ولكنه استمر فى الرفض ولم يستطع ان يقول لي انه نال كل نصيبه فى الدنيا ولم يعد له شئ فيها راح يلهو ويلعب ويقفز علي اساسات المنزل حتي انزلقت قدماه الصغيره وهوي علي الارض من مكان مرتفع فانتابته الام شديدة بساقه اليسري حملته الي طبيب القرية الا انه كان في اجازة العيد ولم نجد امامنا سوي السفر الي مدينة اسيوط لالحاقه باحد المستشفيات ، ثلاثة ساعات تمر علينا كالدهر ونحن نستقل القطار وصغيرنا يصرخ من شدة الالم وانا امسح دموعه وتدلك جسمه البرئ حتي وصلنا وكان جميع الاطباء والممرضين قد هجروا المستشفي بمناسبة الاعياد والمستشفي خالية علي عروشها الا من المرضي الذين تعالت اصواتهم دون معالج وانضم صغيري الي صفوفهم وبدأت رحلة والده للبحث عن طبيب او حتي ممرض ولاح لهم بالافق احد العاملين بالمستشفي وبث فيهما الروح وابلغهما انه سوف يتوجه الي منزل الطبيب النبطشي لايقاظه مرت الساعه تلو الاخري والصغير يصرخ علي سرير المستشفي وامه تعتصر من شدة الام الصغير ووالده يشعل السيجاره تلو الاخري ويهدد صغيره ويتوعده اذا لم يكف عن الصراخ والبكاء سوف يطفئ نيران سيجارته في جسده ، حتي ضاق الاب من فلذة كبده فلماذا يبكي الصغير من شده الامه فالوقت الذي لابد ان يتلفح بشيم رجال الجنوب ويحتمل الوجع ويكتم الامه ويحبس الدموع وفجأه تحول الاب الي ثور هائج وبيديه الغليظتين انهال ضربا علي جسد الصغير لارغامه علي عدم البكاء ولم يكتفي بل جذبه من علي فراش المرض وطرحه علي الارض وانهال عليه ركل ورغم كل هذا التعذيب لم يكف الطفل عن الصراخ فقام الوالد برطمه علي الارض وعلي الحائط ولم يتركه الا جثة هامدة. الغريب ان الاب اعتقد ان صغيره مغشيا عليه فتهللت اصاريره لانه سيرتاح من بكائه وصراخه الا ان الام الثكلي اكتشفت ان صغيرها جثه هامده فامسكت بجلباب زوجها القاتل واخذت تصرخ الا ان الزوج فر هاربا تاركا جثة صغيره .