مدرستى هى نهج الشيخ محمد رفعت ذلك الصوت الملائكى، الذى أبكى عند سماعى لصوته من كثرة الخشوع الذى أجده وأحسه فى تلاوته".هذه كلمات للشيخ عبد الحكيم عبد اللطيف شيخ عموم المقارئ المصرية الذى رحل عن دنيانا منذ أيام، تؤكد مدى حبه واهتمامه وتقديره لقراء القرآن الصادقين المخلصين، خدم القرآن على نور فرفعه الله به مكانا عليا، ولا نتجاوز إذ أطلقنا عليه بأنه”عاشق للقرآن الكريم”، حيث لازم كتاب الله تعالى بأدب جم حفظا وترتيلا وتجويدا من المهد إلى اللحد، فعلى الرغم من تقدمه فى العمر فإنه لم يترك مدارسة كتاب الله تعالى، في مقرأته بالجامع الأزهر، وفى كل أحواله وحله وترحاله إلى أن لقى الله تعالى. ويقول الدكتور على جمعة مفتى الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار العلماء، لقد قرأت على الراحل الشيخ عبد الحكيم عبد اللطيف شيخ عموم المقارئ المصرية - رحمه الله - القرآن الكريم برواية ابن كثير كاملة، وهو من شيوخنا الأجلاء الأفاضل، حيث كان أعجوبة المحققين فى مجاله، بمعنى ما سألناه عن أى شئ فى الأحكام أو فن التلاوة أو التجويد أو فى النحو، أو القراءات، إلا وأجاب، مما يتعجب منه الإنسان، وهو أيضا خاتمة المحققين، كان أعلم أهل الأرض بعلوم القراءات، ويشهد على ذلك ما تركه من تراث هائل فى إذاعة القرآن الكريم، وكان زاهدا فى تأليف الكتب، إلا انه ترك خلفه مئات التلاميذ الذين حباهم الله حفظ القرآن بجميع رواياته وأحكامه، وندعو الله تعالى أن يرزق مصر عالما مثل الشيخ عبد الحكيم عبد اللطيف حتى تظل قبلة أهل الأرض فى علم القراءات والحفاظ على كتاب رب العالمين. انشغاله بالقرآن ويقول عمر النجل الأصغر للراحل الشيخ عبد الحكيم عبد اللطيف شيخ عموم المقارئ المصرية، عن حب وعشق وخدمة والده للقرآن الكريم وعلومه، كان كتاب الله تعالى يشغل أكثر من نحو 90% ومن جوانب حياة والدى- رحمه الله- ، حيث كان يصلى العشاء ثم يخلد الى النوم ليستيقظ قبل أذان صلاة الفجر بنحو ساعة يقرأ القرآن ويذكر الله تعالى بصيغ متعددة ومختلفة ويكثر من الدعاء والابتهال اليه وكنا نسمعه وهو يفعل ذلك كل ليلة، أحب القرآن وعشقه، متخلقا بأخلاقه فى كل أقواله وأفعاله، فيتلوه فى كل أحواله، سامعا من غيره، سواء كانوا قراء كبارا، او دارسين ومتعلمين، فتستطيع ان تقول عن حياته شغلها فى خدمة كتاب الله تعالى، حتى فى رحلاته خارج مصر لم تكن إلا من اجل القرآن الكريم، حتى جميع من عرفهم كانت تجمعهم مأدبة القرآن، فلم ينشغل بغيره أبدا، وكان يقول دائما “كل ما نحن فيه من خير هو من فضل وبركات القرآن الكريم”. وأضاف: كان والدى- رحمه الله- تراه طبيعيا معنا، ولكن حينما يدخل حلقات مدارسة القرآن سواء فى البيت أو فى مقرأته بمسجد الأزهر، ترى التجليات والنور فى وجهه، وهذا ما كان يؤكده كل من حضر مجلس علمه من التلاميذ والدارسين والمحبين له، وكان يعشق صوت الشيخ محمد رفعت، يسمعه دائما كل يوم بليل أو نهار، وحينما سألته عن سر ذلك، كان يقول لى” الشيخ رفعت يا بنى صوت ملائكى نزل من السماء”، وكان بعد سماعه يدعو له بالمغفرة ويقول” اللهم روح روحه واجمعنا به وان اشاء الله نسمعك يا شيخ رفعت فى الجنة”، وأحب ما كان يستمع ويستمتع بسورة مريم بصوت الشيخ رفعت، خاصة عندما يصل الى قوله تعالى”فحملته فانتبذت به مكانا قصيا”، كما انه كان كثير الكلام والثناء على أخلاق الشيخ رفعت، وكيف انه كان يقرأ فى مآتم الفقراء ولا يأخذ أجرا منهم، ومما يؤكد حبه للشيخ رفعت، انه أوصانا بألا نقيم له سرادق عزاء ولا نأتى بكبار القراء الحاليين، ولكن علينا بتشغيل والاستماع لشرائط واسطوانات الشيخ رفعت فى المنزل، وقبل وفاته بقليل قال لنا” اتركوني أنام حتى استيقظ لأمشى”، وكان يقصد بالمشى هنا الرحيل عن الدنيا وقد حدث، طيب الله ثراك يا أبى وطبت حيا وميتا. علامة بارزة فى القراءات وفى سياق متصل، يقول القارئ الطبيب أحمد نعينع، إن الشيخ الراحل عبد الحكيم عبد اللطيف يعد علامة بارزة فى علم التجويد والقراءات وحفظ القرآن الكريم، وبرحيله فقدنا عملاقا من عمالقة مدارس تعليم القرآن تجويدا وترتيلا بالقراءات المتواترة الصحيحة، كان سنده القرآنى عاليا، متقنا وعالما يشار إليه بالبنان، يقصده الدارسون والمتعلمون من كل حدب وصوب، ليأخذوا عنه القرآن غضا طريا، وكان المعيار عنده القارئ الجيد الذى يتلو القرآن بالأحكام السليمة والنطق الجيد، ولقد أكرمنى الله بصحبته فى مواقف متعددة كلها كانت فى خدمة القرآن، حيث عملنا معا فى لجان اختبار القراء هو فى لجنة الحفظ والقراءات والأحكام، وكنت فى لجنة الصوت، كما أننى قرأت عليه القراءات بالجمع، نحو عام كامل قبل وفاته. وعن سر حبه لصوت الشيخ محمد رفعت، يقول القارئ أحمد نعينع هذا يدل على أن الشيخ عبد الحكيم عبد اللطيف - رحمه الله- يمتلك أذنا سماعية لا مثيل لها تفرد بها دون غيره، حيث إن من المعلوم ان الشيخ محمد رفعت - رحمه الله- كان صوته ملائكيا يقرأ القرآن سليما غضا طريا نافذا الى القلوب، لا يفرط فى الأحكام ولا المخارج مع جمال صوته، كما ان وقفات الشيخ رفعت فى تلاوته مصبوغة بروح الخشوع والتمعن، حيث كان يقرأ من القلب، ومن المعلوم أن ما خرج من القلب يصل الى القلب، وكان صوته الخاشع يغزو القلوب والوجدان فى قراءة عذبة خاشعة، فكان أسلوبا فريدا فى التلاوة، فقد تميز بأمانته وتصوره لمعنى القرآن الكريم، وحسن صوته، وموسيقية أدائه حتى أطلق عليه”قيثارة السماء”. تراثه الإذاعي وعن جهوده فى خدمة القرآن الكريم من خلال الإذاعة المصرية، يقول السيد صالح رئيس شبكة إذاعة القرآن الكريم، إن الشيخ عبد الحكيم عبد اللطيف- رحمه الله- كان من أشهر علماء القراءات فى العالم الإسلامي، يفد اليه الجميع من شتى بقاع الأرض ليأخذ عنه الإجازة بالسند فى قراءة القرآن بمختلف الروايات، كما انه شارك محكما ورئيسا للجان التحكيم فى كثير من المسابقات الدولية فى العالم، وكان عضوا فى لجنة اختبار القراء فى الإذاعة المصرية، وقد سجل تقدمة للروايات الصحيحة المتعددة المتواترة للقرآن، بشكل مبسط ميسر بصوت خاشع، يفهمه كل من يسمعه، وهو عمل نادر لم يكن موجودا من قبل، حيث شارك فى تقدمة التلاوة برواية ورش عن نافع وقالون عن نافع والدورى عن ابى عمر البصرى، ويعد برنامجه “اقرأوا القرآن” خير شاهد على هذا العمل الرائع، كما قدم توضيحا كاملا لأحكام التلاوة للمصحف كاملا، وقبل وفاته قدم لجميع روايات القرآن إلا أن هذا العمل لم يكتمل بوفاته، ولكن سيظل يذاع برنامجه حتى يستفيد منه كل مهتم ومحب لشئون القرآن وعلومه.