الصراعات الداخلية المسلحة التى تشهدها بعض الدول العربية، تصاعدت فيها بشكل ملحوظ ظاهرة انضمام النساء إلى صفوف المقاتلين، سواء فى الجيوش النظامية أو التنظيمات المسلحة، حيث أصبحت المرأة طرفا فاعلا بالغ الأهمية لا يمكن تجاوز دوره خاصة فى دول سورياوالعراق واليمن وليبيا. وأكدت دراسة للمركز الإقليمى للدراسات الاستراتيجية بالقاهرة ان دوافع زيادة الانخراط النسائى فى عمليات القتال وحمل السلاح، كثيرة ومتعددة ومن أبرزها الدفاع عن النفس وحماية مستقبل الأبناء، والانتقام لبعض أفراد العائلة، والظروف الاقتصادية الضاغطة. وأشارت الدراسة إلى انه على الرغم من تصاعد حدة الصراعات وارتفاع معدلات الخسائر البشرية الناتجة عنها، خاصة فى صفوف النساء والأطفال؛ إلا أن ذلك لا ينفى أن ظاهرة "الكتائب النسائية" فى الصراعات العربية الداخلية المسلحة تتزايد تدريجيًا فى ظل توافر بيئة داخلية حاضنة. وتؤكد الدراسة أن ظاهرة انضمام النساء إلى القوى المتحاربة انه لم تعد قاصرة على دولة محددة فى المنطقة العربية؛ بل باتت تشمل مختلف الدول التى تشهد الموجة الراهنة من الصراعات المسلحة، كما أنها بدأت تتوسع لتشمل جميع الأطراف، بداية من القوات الحكومية والجبهات التابعة لها، وانتهاءً بالتنظيمات الإرهابية المسلحة، كتنظيم "داعش" و"جبهة النصرة"، إلى جانب قوات المقاومة الشعبية؛ حيث يأتى فى مقدمتها اليمن، التى تعد النموذج الأحدث فى نشأة الفرق النسائية المقاتلة خاصة بين صفوف المقاومة الشعبية فى مواجهة جماعة "أنصار الله" الحوثية وقوات على عبد الله صالح، حيث انتشرت بشكل واضح فى مدينة تعز تحديدًا. كما تم تشكيل قوات شرطة نسائية فى المحافظة ذاتها بهدف القيام بمهام تفتيش المنازل التى يمكن أن تكون مأوى للعناصر الحوثية، علاوةً على تفتيش المركبات التى يُعتقد أنها تحمل على متنها عناصر حوثية متخفية فى زى النساء. وفى مقابل ذلك، يستخدم الحوثيون بعض العناصر النسائية فى الصراع بطريقة غير مباشرة من خلال قيام بعض النساء التابعات لهم بالاعتداء على المسيرات والتظاهرات النسائية التى تُندد بالممارسات الحوثية فى البلاد. كما تشهد الساحة السورية اتساعًا كبيرًا فى عدد التنظيمات النسائية المقاتلة على كافة الجبهات، إذ تمثل الجبهة الكردية أكثر التنظيمات اعتمادًا على النساء المقاتلات فى سوريا؛ حيث قامت قوات الحماية الكردية بتأسيس قوات نسائية تُسمى ب"وحدة حماية المرأة الكردية"، والتى تتكون من قوات نسائية تتراوح أعمارهن بين 18 و24 عامًا تقوم بمهام قتالية عديدة. ووفقًا للعديد من التقديرات يبلغ عدد النساء بين صفوف الأكراد ما يقارب 10 آلاف امرأة من إجمالى 50 ألف مقاتل، بما يوازى 20 % من قوات الحماية الكردية، وهو ما يتكرر فى الجيش السورى الحر الذى يعتمد على النساء المقاتلات بدرجة أقل نسبيًّا؛ حيث قام الجيش الحر بتشكيل كتيبتين نسائيتين، هما "أمناء عائشة"، و"بنات ابن الوليد". هذا بالإضافة إلى تكوين بعض الفرق النسائية التابعة لبعض الأقليات الدينية، مثل المسيحية السريانية فى سوريا، ومن أبرزها "كتيبة حماية نساء بيث نهرين" وهى تسمية تاريخية باللغة السريانية وتعنى بلاد الرافدين، حيث تقطن الأقلية السريانية حول نهرى دجلة والفرات، وتقوم تلك الكتيبة بعمليات عسكرية فى مواجهة تنظيم "داعش". أما على صعيد التنظيمات المسلحة وخاصة تنظيم "داعش"، فقد قام التنظيم بتشكيل كتيبتين نسائيتين، هما "الخنساء" بقيادة "أم مهاجر" والتى تحمل جنسية تونسية، وتتكون الكتيبة من 60 امرأة، وتشتهرن ب"اللثام الأسود على وجوههن" وحمل أسلحة فتاكة بشكل مستمر، وكتيبة "أم الريان"، وتم نشرهما بشكل أساسى فى مدينة الرقة السورية. وعلى الجانب الآخر، اعتمد النظام السورى أيضًا على نمط الكتائب النسائية فى إطار تشكيله لما يُسمى "لبؤات الدفاع الوطني" أو "المغاوير"، والتى تضم ما بين 500 إلى 800 مقاتلة تتراوح أعمارهن بين 18 و50 عامًا، وانتشرت بشكل رئيسى فى حمص، حيث تشتهر نساء تلك الكتيبة بقدرتهن الفائقة على القنص. ومع انتشار تنظيم "داعش" فى العراق، تزايد بشكل مضطرد دور النساء فى عمليات القتال، لا سيما بين الأكراد، من خلال قوات "البشمركة"، ففى 6 يونيو 2016، انضمت دفعة نسائية جديدة لقوات "بشمركة روج آفا" قوامها 26 مقاتلة بعد تلقيهن دورة عسكرية مكثفة تتضمن استخدام الأسلحة الثقيلة، علاوة على تدريبات الإسعافات الأولية. وفى ليبيا، يبدو أن تنظيم "داعش" قد بات قريبًا من الاعتماد على العناصر النسائية فى عملياته القتالية، وذلك وفقًا لتقرير نشرته صحيفة "ميرور" البريطانية، والذى أشار إلى وجود ما يقارب ألف امرأة يقاتلن فى صفوفه، وذلك بعد تلقيهن تدريبًا لمدة ثلاثة أسابيع على استخدام الأسلحة، علاوة على تأهيلهن نفسيًّا ليصبحن انتحاريات، حيث تتراوح أعمارهن بين 15 و18 عامًا، وجاء أغلبهن من تونس. ويأتى ذلك متسقًا مع التصريحات التى نشرتها صحيفة "التايمز" البريطانية فى فبراير 2016 على لسان طاهر الغرابلى رئيس المجلس العسكرى لمدينة صبراتة، الذى أكد قيام السلطات باعتقال سبع نساء، وقتل ثلاث أخريات تابعات للتنظيم حاولن تفجير أنفسهن بحزام ناسف. وتقول الدراسة إنه مع الانتشار الواسع للتنظيمات الإرهابية فى سوريا، خاصة فى المناطق التى تقطنها أقليات مسيحية، لم يعد أمام النساء اللواتى تخشين على مستقبل أبنائهن سوى الانضمام للمقاومة المسلحة عبر تكوين فرق نسائية تساعد فى عمليات القتال بهدف هزيمة "داعش". وهناك سبب اخر لتزايد ظاهرة انضمام النساء إلى التشكيلات المقاتلة يتمثل فى الانتقام لبعض أفراد العائلة حيث دفعت عمليات القتل والتهجير القسرى التى نتجت عن الحرب الداخلية بعض النساء لحمل السلاح والانخراط فى الحرب بهدف الانتقام لأفراد عائلاتهن الذين قتلوا على يد أطراف الصراعات المختلفة، على غرار تطوع النساء فى الكتائب النسائية للجيش السورى الحر، لا سيما فى المناطق التى تقع شمال غرب اللاذقية. وتؤكد الدراسة ان الأوضاع الاقتصادية الضاغطة لها دور كبير فى ظهور الكتائب النسائية ففى بعض الأحيان يكون الدافع المادى وراء انخراط النساء فى الصراع المسلح، لا سيما مع تزايد معدلات الفقر والبطالة الناتجة عن اتساع دائرة الحرب، إذ أن انضمام النساء فى بعض التنظيمات المسلحة يضمن لهن مصدر دخل، لا سيما النساء اللواتى ينضممن إلى تنظيم "داعش" فى سوريا، حيث تحصل كل منهن على راتب يوازى 25 ألف ليرة سورية بشرط التفرغ الكامل لأعمال التنظيم، وهو ما يساوى 200 دولار تقريبًا، بشكل يساعد فى توفير المطالب الأساسية للحياة من مأكل وملبس وغير ذلك.