عن جابر بن عبد الله، رضى الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ كُانَّ لَهُ ثَلاَثُ بَنَاتٍ يَؤويِهنَّ، وَيَرْحَمْهُنَّ، وَيكَفُلهُنَّ، وَجبَتْ لَهُ الجَنَّةُ البَتّة» قال: قيل: يا رسول الله فإن كانت اثنتين؟ قال: « وَإنْ كَانَتْ اثْنَتَيْنِ». هذا هو منهج الإسلام الذى نادى بعدم تفضيل الذكور على الإناث وورد آيات قرآنية صريحة وأحاديث نبوية شريفة فى ذلك تحرم وتجرم مثل هذا اللون من التمييز الذى كان سائدا فى الجاهلية. ورغم تأكيد المجتمع أن المرأة أصبحت مساوية للرجل فى الحقوق والواجبات، خاصة بعد تقلدها مناصب مهمة فإن إنجاب الإناث لا يزال مشكلة مؤرقة فى مجتمعاتنا الإسلامية، فلا تزال الرغبة الكامنة فى إنجاب الولد مسيطرة على عقلية الكثيرين، حتى أصبحت كراهية إنجاب البنات لدى البعض مرضا اجتماعيا على حسب وصف خبراء الاجتماع. تناسى بعض ضعاف النفوس قول الله تبارك وتعالى : “ لِّلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَن يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ. أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ”، ولم يفرق بريق إنجاب الذكور وكراهية الإناث بين غنى وفقير، ولا بين أمى ومتعلم فالكثير يفرح بإنجاب الولد ويحزن لإنجاب البنت لدرجة أن هناك مئات من حالات الطلاق يقع بسبب إنجاب الإناث، وكذلك هناك زوجات كثيرات تعرضن للاضطهاد والظلم من الأزواج للسبب نفسه، وهذه المشكلة متعلقة بالعديد من الموروثات الاجتماعية وبقايا العادات الجاهلية. قضية جاهلية ويقول الدكتور نبيل السمالوطي، أستاذ علم الاجتماع بجامعة الأزهر، إن تفضيل الذكور عن الإناث قضية جاهلية نهى عنها القرآن الكريم ونهى عنها الرسول عليه الصلاة والسلام، وقال تعالي: «وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم يتوارى من القوم من سوء ما بشر به»، فالإسلام ساوى تماما بين الرجل والمرأة فى جميع الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والكرامة الإنسانية فلا توجد أى تفرقة فى الإسلام بين البنات والبنين، بل ظهر ذلك منذ العصر الجاهلى - عصر القبليات - حيث كان يوجد الصراع بين القبائل بعضها البعض، وكانوا يميزون الذكور لأنهم من يقومون بالدفاع والحماية والقوة، ولذلك كانوا يفضلون إنجاب الذكور، وأيضا لانتشار الزنا فى ذلك الوقت فكانوا يقومون بوأد البنات للتخلص منهن، أما فى عصرنا هذا وبعد التقدم العلمى والوعى الدينى نجد أن المرأة أصبحت فى أحسن المراكز العلمية والمناصب الوظيفية وتراعى والديها، بل تكون بارة بهما أكثر من الابن الذى أخذته مشاغل الحياة وأيضا تكون مسئولة عن أسرتها وتقوم بواجباتها على أكمل وجه فلا يوجد داع لتفضيل الذكور عليها ، فلا يصح أن نصبح مثل العصر الجاهلى الذى لم يكن فيه وعى ولا دين ولا علم، فلا نعتمد فى عصرنا هذا على القوة البدنية فقط لكن نريد القوة العقلية والفكرية والإيمانية والروحية، وهذا يقوم به البنات والبنون معا وليس البنين فقط. فتنة فى المجتمع وأضاف: إن الزوج الذى يلوم الزوجة على إنجاب البنات قد عاد للعصر الجاهلي، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم “ دعوها فإنها منتنة “ فهى جاهلية منتنة، والمرأة ليست المسئولة عن النوع حتى تلام، والمسئول الأول والأخير هو الله سبحانه وتعالى هو من يعطى وهو من يأخذ، “ يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما “ ، أما من الناحية البيولوجية فالمسئول عن نوع المولود هو الرجل، ولكن من يدبر الأمر وبيده هو الله هو الخالق، وليس مهما كونه ذكرا أو أنثى ولكن المهم كيف نربى الولد والبنت وننشئهما تنشئة سليمة ونعلمهما تعليما جيدا. وأن يكون الأب مسئولا مسئولية كاملة فى تربية أبنائه، فالقوامة ليست المسئولية المادية فقط وإنما هى الرعاية والتربية السليمة للأبناء وكيفية تربية الولد وليس الذكر، فالرجل يعنى مسئولية ورعاية فنربى الولد ليكون رجلا و ليس ذكرا، ونربى البنت أيضا لتكون أما صالحة، كما يجب أن يكون هناك دور للإعلام للتوعية بذلك وأيضا جمعيات حقوق المرأة ومؤسسات المجتمع المدنى للقضاء على المشكلات التى تنشأ فى المجتمع من ذلك والتى تصل أحيانا للطلاق والتفكك الأسري. مجتمع ذكوري من جانبه يقول الشيخ عبدالعزيز النجار، مدير عام الدعوة بمجمع البحوث الإسلامية، إن قضية تفضيل الذكر على الأنثى وتحويل المجتمع المدنى من مجتمع متوازن فى نظرته للجنس البشرى إلى مجتمع يميل إلى الذكورة ويفضل الذكر على الأنثى يعد من القضايا الشائكة التى تم تداولها عبر العصور المختلفة حتى جاء الإسلام ليصحح الأفهام ويوضح الحقيقة الراسخة عبر الأذهان فيقول ربنا جل فى علاه: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِى خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً . وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِى تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ . إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا” الآية الأولى من سورة النساء التى اهتمت بحقوق الأنثى وأعادت لها كرامتها ومكانتها فى المجتمع، والنبي، صلى الله عليه وسلم، قبل أن يودعنا وفى خطبة الوداع أوصانا بالنساء خيرا (فاستوصوا بالنساء خيرا) وكررها وقال فى حقهن (خيركم خيركم لأهله) وقال فى موضع آخر منتصرا لحق الأنثى (ما أكرمهن إلا كريم وما أهانهن إلا لئيم)، ومن يظن أن إنجاب أنثى أو ذكر عائد لعيب فى الأنثى هو فهم خاطىء فالأنثى لا ذنب لها بهذا الظن مما دعا أنثى فى العصر الجاهلى تنشد (ما لأبى حمزة لا يأتينا .. غضبان ألا نلد البنين .. والله ما هذا بأيدينا .. وإنما نعطى الذى يعطينا)، فالأنثى كلها خير ونقول لأمثال هذا الرجل إنك لست أفضل من سيد الخلق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم حين جاءته فاطمة ضمها وشمها وقال:( ريحانة أشمها وعلى الله رزقها). فهم خاطئ وأضاف: إنه لا يتألم من إنجاب الأنثى ولا يفضل الذكر عليها إلا كل أحمق وهل تصدقنى لو أخبرتك بخبر النبي، صلى الله عليه وسلم، أن الأنثى ربما تكون سبب سعادتك فى الجنة (من كان له ثلاث بنات أو ثلاث أخوات أو بنتان أو أختان اتقى الله فيهن وأحسن إليهن كن له حجابا من النار). والمتبعون لأهوائهم لا ينصتون إلا للعادات القديمة والموروث الجاهلى دون الإنصات لشريعة الإسلام التى جعلت الأنثى نصف المجتمع لقوله صلى الله عليه وسلم: (النساء شقائق الرجال) ولنتأمل قول الله تعالي: «فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّى وَضَعْتُهَا أُنثَي وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنثَي» ، ولا شك أن الذى وهبها الأنثى هو الله تعالى وكان ذلك على خلاف مرادها حيث كانت ترجو الأنثى فقول امرأة عمران (وليس الذكر كالأنثي) هذا بظنها هى لما بينهما من فوارق، ولقد خلد القرآن الكريم كثيرا من النساء. وطالب الجهات المعنية أن تشمر عن ساعد الجد وتواجه مسألة تفضيل الذكر على الأنثى وليعلم المجتمع أن الأفضلية فى عطاء الله فإذا وهبك الوهاب ذكرا كان خيرا لك وإن كانت أنثى فهو خير لك، والله يختار لك ما فيه صلاحك فى الدنيا والآخر، وإن منعك الولد كان أيضا خيرا له فعطاؤه خير ومنعه خير، وما عليك إلا أن تستقبل عطاء الله برضا النفس وبصدر مملوء بالإيمان.