ها نحن نتورط أكثر فى تبعات التهاون مع بدايات التجاسر بانتهاك القانون بإذاعة تسريبات لتسجيلات الخصوم فى السياسة. وأما الحلقة الأخيرة التى تُعرَض هذه الأيام فهى قيام بعض السلفيين ببث ما يصفونه بأنه تسريبات لمكالمات تليفونية بين قيادات شيعية فى مصر وزعيم عراقي، ويقولون إنها تكشف ما يطلقون عليه (خطة تشييع مصر)!. ينطلق هؤلاء بلا اعتبار لما يُجيزه وما يُجِّرمه القانون، بل من آراء يؤمنون بها ويريدون لها أن تبدو وكأنها حقائق كونية لا خلاف عليها ولا يجوز الاختلاف عليها. مثلاً، يُقرّ الدستور بأن حرية الاعتقاد مطلقة. أما هم فيدينون أفكاراً ومذاهب وعقائد لا يؤمنون بها، وتراهم يبدأون من مواقفهم ويبنون عليها كما لو كانت حججاً مفحمة، بينما كان يجب عليهم أن يبذولوا جهداً لإثبات أنه يجوز البناء على هذه الأسس!. لم يُخفِ السلفيون يوماً عداءهم المطلق لكل من عداهم، بل لمن يختلف معهم من ضمن صفوفهم، وليس صحيحاً أن الأقباط هم ضحاياهم الوحيدون، فهناك أيضاً، مع الشيعة، العلمانيون والقرآنيون والبهائيون والمتصوفة، بل وفصائل من أهل السنة..إلخ إلخ. ومن غرائبهم أن بعضهم يصطفون مع دول أخرى فى خصومة الرأى ضد الأزهر، وكان هذا أوضح ما يكون بعد مؤتمر الشيشان الذى عرض فيه فضيلة الإمام الأكبر رأياً لم يَرضَ عنه البعض! فشن قطاع عريض من السلفيين المصريين حرباً ضروساً على شيخ الأزهر وصلت إلى اعتبار الأزهر وما يمثله ومَن يُمثلّه مِن الفرق الضالة!!. أما السكوت على التسجيلات وتسريبها، فهو الكارثة الكبري، لأنه يسحب من الدولة صلاحيات تحتكرها الدولة الحديثة التى تجيز التسجيل وفق شروط خاصة تنحصر فى يد الأجهزة الرسمية، وفى كل الأحوال لا يجوز الإذاعة على الرأى العام إلا بالأجزاء التى يسمح بها القضاء..إلخ. وأما أن تُحرِّر فئةٌ ما نفسَها من الضوابط القانونية، وأن تأتى ما من شأنه إحداث فتنة فى أوساط العامة، مثلما حدث فى مجزرة الشيعة فى عهد مرسي، فينبغى التصدى لها قبل فوات الأوان. [email protected] لمزيد من مقالات أحمد عبد التواب