تثمن مصر دائما صداقتها والأواصر القوية مع الهند.وعلى مدى عدة قرون، اشترك شعبا هاتين الحضارتين القديمتين فى التبادل الثقافى والاقتصادي، وفى العصر الحديث، كافح الزعيمان المصرى سعد زغلول والهندى المهاتما غاندى ضد الاستعمار طلبا للحرية والاستقلال الوطني. إن إرث التقارب القوى الذى اتضح عندما قاوم كل من الرئيس المصرى جمال عبد الناصر ورئيس الوزراء الهندى نهرو الانتهاكات التى تعرضت لها سيادة أراضيهما فى جوا والسويس بتوقيع اتفاق الصداقة عام 1955 وتأسيس منظمة دول عدم الانحياز، يعكس التماسك بين الدولتين ويضع الأساس لشراكة حيوية ولتبادل المصالح. واليوم، قربت الطموحات المشتركة بين مصر والهند من مطالب الرخاء فى كل من الدولتين. وتوضح زيارتى الثانية للهند خلال أقل من عام مستوى التقارب السياسى بين الدولتين، مع محاولتيهما الدءوبة لتقوية هذا التعاون. وفى هذا الإطار، فإن التشاور وتبادل الآراء حول القضايا المتعلقة بالسلام الدولى والأمن ومكافحة الإرهاب والتنمية المستديمة وإصلاح المنظمات الدولية تعد من أهم القضايا ذات الاهتمام المشترك بين البلدين. كما يعتبر تعزيز العلاقات الاقتصادية واحدا من أهم الأهداف التى نسعى لتحقيقها. فالاستثمارات الهندية فى مصر تصل إلى 3 مليارات دولار فى عدة قطاعات مثل البتروكيماويات والصناعات الدوائية والمنسوجات وغيرها من القطاعات. وتوفر مصر التى ترتبط باتفاقات للتجارة الحرة مع العالم العربى وافريقيا وأوروبا فرصة عظيمة لجذب المزيد من الاستثمارات الهندية. وتتبنى الحكومة المصرية سياسات اقتصادية لتنويع الاقتصاد وتحقيق تنمية ملموسة على المدى البعيد. وتم سن قوانين وقواعد لخلق بيئة مناسبة لتحفيز الاستثمارات الأجنبية والمشروعات الصغيرة والمتوسطة، فى حين تعد المشروعات الضخمة مثل مشروع تطوير منطقة قناة السويس مناطق ذات إمكانات محتملة للمزيد من التعاون مع الهند. وفى الوقت ذاته، يحرص المستثمرون المصريون على الاستفادة من الفرص التى توفرها المبادرات المهمة، مثل «صنع فى الهند» و»استثمر فى الهند»، والبعض منها بدأ بالفعل فى ضخ الاستثمارات بالسوق الهندية. ويشكل التبادل الثقافى والعلاقات بين الشعبين بعضا من سمات التواصل والتى تؤسس لصداقة طويلة المدي. فيستمتع الشعب المصرى بمختلف الأنشطة الثقافية التى يوفرها مهرجان «الهند على ضفاف النيل» السنوي، وقريبا سيتمكن الشعب الهندى أيضا من الاستمتاع بمذاق الثقافة المصرية خلال الدورة الأولى من المهرجان الجديد «مصر على ضفاف الجانج». ففى الدول التى تتمتع بزيادة القوة السكانية من الشباب، مثل دولنا، يكون التعاون فى مجالات التعليم الحديث والتكنولوجيا، مفتاحا لخلق مستقبل أفضل. وبناء عليه، فإننا نتطلع إلى تعزيز التعاون مع الهند فى تلك المجالات تحديدا، خاصة فى ضوء السمات الثقافية والاجتماعية المشتركة بين شعوبنا. إن الملايين التى توافدت على ميدان التحرير فى يناير 2011 طالبت بتحقيق العدالة الاجتماعية، والذين قاموا بالثورة فى يونيو 2013، طالبوا بنظام سياسى أكثر انفتاحا أمام الجميع يحترم حقوق الإنسان والحريات، ويحفظ لمصر هويتها، نجحوا جميعا فى تمهيد الطريق أمام تحول مصر نحو الديمقراطية. وأدرك أن ذلك الطريق لم يكن يوما يسيرا، فهى عملية متواصلة تتطلب الصبر واستلهام دروس الماضي، حتى يتم التوصل إلى النتائج المأمولة. وخلال السنوات الثلاث الماضية، تبنى الشعب المصرى بنجاح دستورا جديدا، وانتخب رئيسا ومجلسا للنواب، وهم مصممون على إقامة نظام أكثر ديمقراطية يحمل مباديء المساواة والمواطنة وحقوق الإنسان والحريات، ويضمن حياة كريمة للجميع. إننا مدركون لمدى صعوبة التحديات فى مسارنا نحو الديمقراطية، فضلا عن العقبات التى تنتج عن حجم الأعباء الاقتصادية والسياسية والاضطرابات فى المنطقة التى تؤثر علينا بشكل مباشر. وعلى الرغم من ذلك، فإننى مقتنع بأن إرادة وإصرار الشعب المصرى يمكن أن يجعله يتغلب على أى تحديات نواجهها أمامنا. كما أن مصر فى مقدمة الحرب ضد الإرهاب، والذى استفاد من الفراغ الأمنى فى بعض دول المنطقة، بسبب الصراعات والأزمات المستمرة، ومع ذلك، أعتقد بأن محاربة الإرهاب هى فى الأساس حرب أيديولوجية ضد الكراهية والتطرف والعنف. ويعد الأزهر منارة الإسلام المعتدل، وهو يؤدى دورا رئيسيا فى تصحيح مسار الإسلام، لكى يعكس الروح والقيم الحقيقية للإسلام، والتى تدعو إلى التسامح والسلام وقبول الآخر. وتسعى مصر إلى تحقيق سياسة خارجية متوازنة تجاه شركائها، وتهدف إلى التعامل مع التحديات التى تواجهها منطقة الشرق الأوسط. إننا على ثقة بأن تعثر عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين يجب أن ينتهي، وأن إحلال سلام عادل وشامل على أساس حل الدولتين تكون فيه القدسالشرقية عاصمة لدولة فلسطينية مستقلة، هو الطريق الوحيد لحل هذا الصراع الذى امتد لأكثر من نصف قرن. لقد دعوت الطرفين لمضاعفة جهودهما لإحياء عملية السلام بناء على قناعة عميقة بأن التوصل إلى حل لهذا الصراع سيخلق واقعا جديدا فى المنطقة وسيسهم بشكل كبير فى استقرارها. إن التوصل لحلول سياسية للأزمات الحالية فى سوريا وليبيا واليمن له أهمية قصوي، ويعد أمرا حيويا لوقف إراقة الدماء والمعاناة الإنسانية وللحفاظ على وحدة وسلامة أراضى هذه الدول. إننى أعتبر الهند شريكا استراتيجيا نتطلع للتعاون معه من أجل تحقيق أهدافنا المشتركة والمساهمة فى الحفاظ على السلام الدولى وخلق مستقبل آمن وأفضل لشعوبنا وللأجيال القادمة. صحيفة »تايمز أوف إنديا» نقلا عن الحساب الخاص للمتحدث باسم الخارجية المصرية على «تويتر»