ماذا لو توفي الرئيس مبارك داخل مستشفي السجن, نتيجة الاستجابة للأصوات التي ترفض نقله للعلاج بمستشفي عسكري أو خاص؟ وإلي من ستوجه تهمة الإهمال والتقاعس في تقديم الرعاية الطبية المستحقة لهذا السجين المتقدم في العمر, والذي كان رئيسا لمصر علي امتداد 30 عاما, وأحد أبطال معركة اكتوبر 1973 ؟ ومن سيتحمل ضميره مثل هذا العبء, وهذا الاتهام بالتقصير؟ ثم كيف سينظر العالم لمصر التي لم توفر الرعاية الصحية المطلوبة للسجين مبارك, خاصة والرأي العام العالمي يتابع ما يجري في مصر؟ ثم ما هو تأثير ذلك علي سياسات ومواقف الدول المختلفة فيما يتعلق بالقضايا المصرية؟ والمتابع لما يجري فيما يتعلق بهذه القضية ستدهشه هذه الاحقاد والروح الانتقامية والرغبة في التشفي التي تتحكم في سلوك البعض؟ إن المواريث الثقافية والاخلاقية بالمحروسة ليس من بينها الانتقام أو التشفي, فالتسامح هو السمة العامة لسلوك المصريين, والترفع عن التشفي هو من القيم التي يحرصون عليها, فماذا حدث ليتخلي بعض الناس عن هذه المواريث؟ لقد أخطأ مبارك وارتكب نظامه سلسلة من الجرائم الفظيعة, لكن لماذا فات الناس التأسي بالرسول المصطفي صلي الله عليه وسلم ؟ لقد آذاه المشركون طوال سنوات الدعوة بمكة, كما ذاق المسلمون الأوائل أنواعا من العذاب لا يمكن لبشر أن يتحملها, ومع ذلك, عندما دخل مكة فاتحا ترفع هو والمسلمون الفاتحون عن الانتقام من مشركي قريش, وقال لهم المصطفي اذهبوا فأنتم الطلقاء وترك لنا نبي الله ورسوله صورة من صور التسامح الرفيع نقتدي بها, فهل اقتدينا بها؟ وهل اقتدي بها من يتحدثون بلسان إسلامي ويقولون إنهم الدعاة والحماة لدين الله؟ وإذا ما عدنا إلي التاريخ المعاصر, فإن أمامنا تجربة نيلسون مانديلا في جنوب إفريقيا, فعلي امتداد مئات السنين تعرض المواطنون السود للإذلال والامتهان وضياع الحقوق, ومع ذلك عندما تولي السلطة تبني سياسة التسامح, وبدأ عصرا جديدا من العلاقات مع المواطنين البيض, واستحق بذلك مكانة دولية رفيعة لأنه تسامي فوق الاحقاد والانتقام والرغبة في الثأر. المزيد من أعمدة عبده مباشر