جامعة كفر الشيخ تنظم فعاليات المسابقة الكشفية الفنية لجوّالي الجامعة    محلية النواب: قوانين الانتخابات اتسقت مع الدستور وراعت التمثيل العادل    النائب محمد زين الدين: قانون مياه الشرب يدعم توجه الدولة في مشاركة القطاع بالاستثمار    شركة تنمية الريف المصرى تفتتح عددا من المشروعات التنموية والمبانى الخدمية بأراضى ال1.5 مليون فدان    انطلاق الندوة الخامسة من سلسلة ندوات حول الزراعة الذكية    مسؤول إسرائيلي: إسرائيل أصبحت معزولة تقريبا عن معظم شركائها التقليديين بسبب موقفها في الحرب وسلوكها حيال القضايا الإنسانية    مدير إعلام الهلال الأحمر: أقل من 100 شاحنة لا تكفي لمليوني فلسطيني في غزة    ماذا قالت باكستان عن قرار الهند بتعليق معاهدة مياه نهر السند؟    مصر تهنئ الأردن بمناسبة الاحتفال بذكرى يوم الاستقلال    ليفاندوفسكي ولامين يامال يقودان قائمة برشلونة أمام أتليتك بيلباو    الأهلي يحيى ذكرى تتويجه الأخير بدوري أبطال أفريقيا    محامي دولي: أتوقع أن تخصم المحكمة الرياضية الدولية 6 نقاط كاملة من الأهلي    المقاولون العرب يهنئ محمد صلاح بجائزة أفضل لاعب بالدوري الإنجليزي    «خطاب وجهات واستفسار».. بيراميدز يصعد أزمة تأجيل سيراميكا بخطوة جديدة    ريال مدريد يعلن إصابة نجم الفريق «تفاصيل»    حبس مدرس متهم بالتحرش بطفلة أثناء التدريس في الشرقية    بالاسم ورقم الجلوس.. موعد نتيجة الصف الثاني الإعدادي 2025 في محافظة الإسكندرية    غدا.. انطلاق الدورة الخامسة من مهرجان القاهرة للسينما الفرنكفونية.. وتكريم خاص لليلى علوي ومحمد سلماوي    «قلوبهم سودة ونواياهم خبيثة».. احذروا من هذه الأبراج    الدكتور سامح سعد في ضيافة أولى حلقات برنامج كلام في العلم على القناة الأولى قريبا    "عبدالغفار" يشارك في إطلاق المرحلة الجديدة من اختبار الجين الرياضي    وكيل وزارة الصحة بالمنوفية: تحويل المدير المالي والمتغيبين عن العمل وممرض بمستشفى تلا للتحقيق    منظمة الصحة العالمية تدعو الحجاج إلى اتخاذ الاحتياطات الصحية اللازمة خلال مناسك الحج    المئات يشيعون جثمان القارئ السيد سعيد بمسقط رأسه في الدقهلية    الصحة: إجراء الفحوصات الطبية ل 117 ألف مواطن من طالبي كارت الخدمات المتكاملة    يسبب السكتة القلبية.. تناول الموز في هذه الحالة خطر على القلب    فريق فيلم "أسد" يحتفل بعيد ميلاد محمد رمضان.. (فيديو)    محافظ دمياط يستقبل نائب وزير الصحة ووفد حقوق الإنسان لبحث الخدمات الصحية والاجتماعية    تأييد حكم المؤبد لموظف قتل شخصا بسلاح ناري بالعبور    «التضامن» تؤسس معسكرا لتأهيل مدربين في تعزيز التواصل الأسري بين الآباء وأبنائهم    رسميًا.. السعودية تحدد موعد استطلاع هلال ذي الحجة لتحديد أول أيام عيد الأضحى 2025    محافظ بني سويف يلتقي وفد المجلس القومي لحقوق الإنسان    موعد امتحانات الصف الثالث الإعدادي الترم الثاني 2025 محافظة القاهرة.. وجدول المواد    مجلس النواب يوافق على تقسيم الجمهورية إلى 4 دوائر لنظام القائمة الانتخابية    الصحة العالمية تشيد بإطلاق مصر الدلائل الإرشادية للتدخلات الطبية البيطرية    صلاح يترقب لحظة تاريخية في حفل تتويج ليفربول بالدوري الإنجليزي    منافس الأهلي - ميسي يسجل هدفا رائعا في تعثر جديد ل إنتر ميامي بالدوري الأمريكي    عاجل- مجلس الوزراء يوضح موقفه من جدل "شهادة الحلال": تعزيز المنافسة وإتاحة الفرصة أمام القطاع الخاص    خطوة بخطوة.. إزاي تختار الأضحية الصح؟| شاهد    عيد الأضحى 2025.. هل تصح الأضحية بخروف ليس له قرن أو شاه؟ «الإفتاء» تجيب    وزير الخارجية يتوجه لمدريد للمشاركة فى اجتماع وزارى بشأن القضية الفلسطينية    الاحتلال الإسرائيلي يقتحم عدة قرى وبلدات في محافظة رام الله والبيرة    إيرادات السبت.. "المشروع x" الأول و"نجوم الساحل" في المركز الثالث    الكشف عن مبنى أثري نادر من القرن السادس الميلادي وجداريات قبطية فريدة بأسيوط    «يوم بحس فيه أني محظوظة».. رسالة وفاء عامر لجمهورها بعيد ميلادها    محافظ الشرقية: 566 ألف طن قمح موردة حتى الآن    تأجيل استئناف المتهمين بتجارة المخدرات وغسيل الأموال على حكم سجنهم بالمؤبد    ميلاد هلال ذو الحجة وهذا موعد وقفة عرفات 2025 الثلاثاء المقبل    20 يوما على امتحانات الثانوية العامة.. تعرف علي موعد إعلان أرقام الجلوس للطلاب    مصرع ربة منزل في سوهاج بعد تناولها صبغة شعر بالخطأ    ارتفاع أسعار البيض في الأسواق اليوم 25-5-2025 (موقع رسمي)    "آل مكتوم العالمية": طلاب الأزهر يواصلون تقديم إسهامات مؤثرة في قصة نجاح تحدي القراءة العربي    وزير الإعلام الكويتى يؤكد حرص بلاده على دعم وحدة الصف الخليجي    استعدادًا لعيد الأضحى.. «زراعة البحر الأحمر» تعلن توفير خراف حية بسعر 220 جنيهًا للكيلو قائم    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاحد 25-5-2025 في محافظة قنا    30 دقيقة تأخر في حركة القطارات على خط «القاهرة - الإسكندرية».. الأحد 25 مايو    ما هو ثواب ذبح الأضحية والطريقة المثلى لتوزيعها.. دار الإفتاء توضح    نشرة أخبار ال«توك شو» من المصري اليوم.. مرتضى منصور يعلن توليه قضية الطفل أدهم.. عمرو أديب يستعرض مكالمة مزعجة على الهواء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المسألة ‬الكردية كيف ‬كانت ؟
نشر في الأهرام اليومي يوم 02 - 09 - 2016


(1)
من ‬المظاهر ‬المعبرة ‬عن ‬الفوضى ‬التي ‬تسود ‬المشهد ‬الحالي ‬في ‬الشرق ‬الأوسط ‬ذلك ‬الصعود ‬العنيف ‬للمسألة ‬الكردية، ‬فكيف ‬يمكن ‬أن ‬نحلل- ‬في ‬هذه ‬الشروط ‬الجديدة- ‬نطاق ‬المطالبات ‬الكردية (‬استقلال ‬ذاتي؟ ‬استقلال؟ ‬وحدة؟)‬؟ ‬وهل ‬بالإمكان ‬أن ‬نستخلص ‬من ‬تحليل ‬هذه ‬المطالبة ‬ضرورة ‬أن ‬تؤيدها ‬كل ‬القوى ‬الديمقراطية ‬والتقدمية ‬في ‬الإقليم ‬وفي ‬العالم؟
تتسبب ‬المجادلات ‬بخصوص ‬هذا ‬الموضوع ‬في ‬تشوش ‬كبير. ‬ويرجع ‬السبب- ‬في ‬رأيي- ‬إلى ‬تبني ‬معظم ‬الفاعلين ‬والمراقبين ‬المعاصرين ‬لرؤية ‬لا ‬تاريخية ‬لهذه ‬المسألة، ‬حيث ‬تحول ‬حق ‬الشعوب ‬في ‬تقرير ‬المصير ‬إلى ‬حق ‬مطلق، ‬يجب ‬الدفاع ‬عنه ‬كحق ‬أصيل ‬لجميع ‬الشعوب ‬في ‬الحاضر ‬والمستقبل، ‬وحتى ‬في ‬الماضي. ‬ويُعتبر ‬هذا ‬الحق ‬من ‬الحقوق ‬الجماعية ‬الأكثر ‬جوهرية، ‬والذي ‬يعلو ‬في ‬الأغلب ‬شأن ‬الحقوق ‬الجماعية ‬الأخرى ‬في ‬النطاق ‬الاجتماعي ‬«الحق ‬في ‬العمل، ‬التعليم، ‬الصحة، ‬المشاركة ‬السياسية.. ‬الخ. «‬
وبالإضافة ‬إلى ‬كون ‬مضمون ‬هذا ‬الحق ‬المطلق ‬غير ‬محدد ‬بدقة، ‬فإن ‬مستحقيه ‬قد ‬يكونون ‬إذن ‬أي ‬«جماعة» ‬تشكل ‬أغلبية ‬أو ‬أقلية ‬داخل ‬حدود ‬دولة ‬أو ‬إقليم. ‬وتُعرِّف ‬هذه ‬الجماعة ‬نفسها ‬كجماعة ‬«خاصة» ‬بسب ‬اللغة ‬أو ‬الدين ‬مثلاً، ‬وتَدّعي ‬ سواء ‬عن ‬حق ‬أم ‬خطأ- ‬وقوعها ‬ضحية ‬تمييز ‬أو ‬اضطهاد.‬
بينما ‬تأتي ‬تحليلاتي ‬ومواقفي ‬في ‬مواجهة ‬هذه ‬الرؤية ‬اللاتاريخية ‬للقضايا ‬وبالحقوقب ‬الاجتماعية ‬التي ‬تُعبّر ‬من ‬خلالها ‬الحركات ‬الاجتماعية ‬في ‬الماضي ‬والحاضر ‬عن ‬مطالبها. ‬كما ‬أُولي ‬أهمية ‬قصوى ‬للتقسيم ‬الذي ‬يفصل ‬العالم ‬الرأسمالي ‬الحديث ‬المزدهر ‬عن ‬عوالم ‬الماضي.‬
فقد ‬اتخذ ‬التنظيم ‬السياسي ‬لتلك ‬العوالم ‬السابقة ‬أشكالاً ‬متنوعة ‬بشكل ‬هائل، ‬بدءًا ‬من ‬بناء ‬السلطة ‬فوق ‬مناطق ‬شاسعة (‬والتي ‬يُطلق ‬عليها ‬اإمبراطورياتب) ‬إلى ‬مَلَكيات ‬أصغر ‬ذات ‬درجات ‬متفاوتة ‬من ‬المركزية، ‬دون ‬استبعاد ‬التمزق ‬المتطرف ‬للسلطات ‬الذي ‬يتجاوز ‬الأفق ‬القروي ‬بالكاد ‬في ‬ظروف ‬معينة. ‬ومن ‬الواضح ‬أن ‬موضوع ‬هذه ‬المقالة ‬لا ‬يتطرق ‬إلى ‬مراجعة ‬خليط ‬الأشكال ‬السياسية ‬السابقة ‬على ‬الحداثة ‬الرأسمالية. ‬إنما ‬سأشير ‬فحسب ‬هنا ‬إلى ‬بضعة ‬أقاليم ‬اتخذت ‬شكل ‬البنية ‬الإمبراطورية: ‬الإمبراطوريتان ‬الرومانية ‬والبيزنطية، ‬الخلافة ‬العربية- ‬الفارسية، ‬الإمبراطورية ‬العثمانية.‬
ويعتبر ‬هذا ‬التصنيف ‬المشترك ‬بين ‬البنيات ‬المذكورة ‬مضللاً ‬أكثر ‬منه ‬مفيدًا، ‬رغم ‬اشتراكها ‬جميعًا ‬في ‬خاصيتين ‬اثنتين: (‬أ) ‬أنها ‬تجمع ‬بالضرورة ‬وبحكم ‬نطاقها ‬الجغرافي ‬شعوبًا ‬وجماعات ‬مختلفة ‬من ‬حيث ‬اللغة ‬والدين ‬وأنماط ‬الإنتاج ‬والحياة ‬الاجتماعية. (‬ب) ‬أن ‬المنطق ‬الذي ‬يحكم ‬إعادة ‬إنتاج ‬الحياة ‬الاجتماعية ‬والاقتصادية ‬فيها ‬ليس ‬ما ‬يحكم ‬الرأسمالية، ‬وإنما ‬من ‬خلال ‬ما ‬أسميته ‬أنماط ‬الإنتاج ‬الخراجية (‬الشائع ‬تسميتها ‬اإقطاعيةب). ‬
لذلك ‬أعتبر ‬من ‬قبيل ‬السفه ‬عقد ‬المشابهات ‬بين ‬جميع ‬تلك ‬الإمبراطوريات ‬السابقة (‬سواء ‬تلك ‬التي ‬سادت ‬على ‬أقاليم، ‬أم ‬أخرى ‬مثل ‬الإمبراطورية ‬الصينية) ‬وبين ‬الإمبراطوريات ‬التي ‬بنتها ‬القوى ‬الرأسمالية ‬الكبرى (‬سواء ‬كانت ‬إمبراطوريات ‬استعمارية ‬مثل ‬الإمبراطوريتين ‬البريطانية ‬والفرنسية، ‬أم ‬الإمبراطوريات ‬الحديثة ‬التي ‬لا ‬تملك ‬مستعمرات ‬رسميًا ‬مثل ‬الإمبراطورية ‬الأمريكية ‬والتي ‬تعتبر ‬شكلاً ‬فريدًا ‬يُطلق ‬عليه ‬إمبراطورية). ‬وتنتمي ‬أطروحة ‬بول ‬كيندي* ‬الذائعة ‬عن ‬اسقوط ‬الإمبراطورياتب ‬إلى ‬هذه ‬الفلسفات ‬المجازفة ‬العابرة ‬للتاريخ.‬
(‬2)‬
أعود ‬إلى ‬الإمبراطورية ‬التي ‬تتعلق ‬مباشرة ‬بموضوعنا، ‬أي ‬الإمبراطورية ‬العثمانية ‬التي ‬بُنيت ‬في ‬وقت ‬كانت ‬أوروبا ‬تقطع ‬الصلة ‬مع ‬ماضيها ‬لتدخل ‬في ‬الحداثة ‬الرأسمالية. ‬فقد ‬كانت ‬الإمبراطورية ‬العثمانية ‬نفسها ‬دولة ‬قبل ‬رأسمالية. ‬وتصنيفها ‬كإمبراطورية ‬تركية ‬هو ‬في ‬حد ‬ذاته ‬توصيف ‬غير ‬دقيق ‬ومضلل. ‬فربما ‬كان ‬لحروب ‬غزو ‬القبائل ‬التركمانية ‬شبه ‬الرعوية ‬من ‬آسيا ‬الوسطى ‬دورها ‬الفعال ‬في ‬التدمير ‬المزدوج ‬للإمبراطورية ‬البيزنطية ‬والخلافة ‬في ‬بغداد، ‬والدور ‬الأكبر ‬في ‬استيطان ‬الأناضول ‬وتراقيا ‬الشرقية. ‬لكن ‬سطوة ‬السلطان ‬امتدت ‬بعيدًا ‬إلى ‬مناطق ‬الأرمن ‬والأكراد ‬والعرب ‬واليونان ‬وسلاف ‬البلقان. ‬ويقود ‬تصنيف ‬هذه ‬الإمبراطورية ‬كإمبراطورية ‬متعددة ‬القوميات ‬إلى ‬إسقاط ‬خاطئ ‬للواقع ‬اللاحق ‬على ‬الماضي، ‬إذ ‬إن ‬القوميات ‬البلقانية ‬والعربية (‬المناهضة ‬للعثمانيين) ‬هي ‬في ‬صورتها ‬الحديثة ‬من ‬منتجات ‬تغلغل ‬الرأسمالية ‬في ‬الإمبراطورية.‬
فكل ‬شعوب ‬الإمبراطورية- ‬من ‬أتراك ‬وعرب ‬ كانت ‬تتعرض ‬للاستغلال ‬والقهر ‬بالطريقة ‬نفسها، ‬بمعنى ‬أن ‬الأغلبيات ‬الفلاحية ‬جميعًا ‬كانت ‬خاضعة ‬لنفس ‬مبدأ ‬الإتاوة ‬الضريبية ‬الباهظة. ‬وكانت ‬مقهورة ‬بواسطة ‬ذات ‬الحكم ‬المطلق. ‬ومن ‬المؤكد ‬أن ‬المسيحيين ‬قد ‬أُخضِعوا ‬لتمييز ‬إضافي. ‬لكن ‬لا ‬ينبغي ‬أن ‬ننظر ‬هنا ‬إلى ‬أشكال ‬الاضطهاد ‬االقوميب ‬باعتبار ‬أنها ‬ضد ‬المسيحيين ‬ولا ‬ضد ‬المسلمين ‬غير ‬الأتراك (‬الأكراد ‬والعرب). ‬فالطبقة ‬الحاكمة ‬المرتبطة ‬بالحكم ‬السلطاني ‬قد ‬ضمت ‬في ‬صفوفها ‬أعيانًا ‬مدنيين ‬وعسكريين ‬ودينيين ‬من ‬كل ‬أجزاء ‬الإمبراطورية، ‬بما ‬في ‬ذلك ‬جنين ‬البورجوازية ‬الكومبرادورية (‬اليونانية ‬والأرمنية ‬بشكل ‬خاص) ‬الذي ‬أنتجه ‬التغلغل ‬الرأسمالي.‬
ولا ‬تنفرد ‬هذه ‬الإمبراطورية ‬الشرقية ‬بهذه ‬القسمات ‬الخاصة. ‬إذ ‬يمكن ‬الاستشهاد ‬بتعبيرات ‬مماثلة ‬في ‬الإمبراطوريتين ‬النمساوية- ‬المجرية ‬والروسية. ‬بل ‬حتى ‬في ‬الإمبراطورية ‬الإثيوبية ‬في ‬عهدي ‬منليك ‬وهيلا ‬سيلاسي، ‬حيث ‬لم ‬تتطابق ‬سلطة ‬املك ‬الملوكب ‬مع ‬سيطرة ‬الأمهرة، ‬لأن ‬الفلاحين ‬الأمهرة ‬لم ‬يلقوا ‬معاملة ‬أفضل ‬من ‬الآخرين، ‬وتكونت ‬الطبقة ‬الحاكمة ‬من ‬كل ‬أقاليم ‬الإمبراطورية (‬فقد ‬تضمنت ‬مثلاً ‬عددًا ‬معقولاً ‬من ‬الإريتريين ‬الأصلاء!).‬
لا ‬يوجد ‬شيء ‬مما ‬سبق ‬في ‬النظم ‬الإمبريالية ‬الحديثة. ‬فقد ‬بُنيت ‬الإمبراطوريات ‬الاستعمارية (‬لبريطانيا ‬العظمى ‬وفرنسا..) ‬وكذلك ‬الإمبراطورية ‬الأمريكية ‬غير ‬الرسمية، ‬بشكل ‬نظامي ‬على ‬أساس ‬التمييز ‬الحاد ‬بين ‬شعب ‬المركز ‬الاستعماري ‬وشعوب ‬المستعمرات ‬والبلدان ‬التابعة، ‬حيث ‬حُرِمت ‬الأخيرة ‬من ‬الحقوق ‬الأساسية ‬المكفولة ‬لسكان ‬المركز ‬الاستعماري.‬ولهذا ‬فقد ‬صار ‬نضال ‬الشعوب ‬المُخضَعة ‬لسيطرة ‬الرأسمالية ‬الإمبريالية ‬نضالاً ‬من ‬أجل ‬التحرر ‬الوطني، ‬الذي ‬يكون ‬بالضرورة ‬وبطبيعته ‬معاديًا ‬للإمبريالية.‬
لا ‬يجوز ‬أن ‬نخلط ‬بين ‬هذه ‬القومية ‬الحديثة (‬المناهضة ‬للإمبريالية، ‬ومن ‬ثم: ‬التقدمية) ‬وبين ‬كل ‬التعبيرات ‬الأخرى ‬للحركات ‬القومية ‬غير ‬المعادية ‬للإمبريالية، ‬سواء ‬كانت ‬قومية ‬تستلهم ‬الطبقات ‬الحاكمة ‬في ‬البلدان ‬الإمبريالية، ‬أو ‬الحركات ‬القومية ‬غير ‬المعادية ‬للإمبريالية ‬مثل ‬حركات ‬شعوب ‬البلقان ‬التي ‬سأعود ‬إلى ‬مناقشتها ‬فيما ‬بعد. ‬وإنه ‬مما ‬يتعارض ‬مع ‬المقتضيات ‬الأساسية ‬للتحليل ‬العلمي ‬للمجتمعات ‬التاريخية ‬افتراض ‬المشابهة ‬بين ‬أبنية ‬الإمبراطوريات ‬القديمة ‬وبين ‬الأبنية ‬الخاصة ‬بالإمبراطوريات ‬الرأسمالية ‬الإمبريالية، ‬والجمع ‬بينهما ‬في ‬مفهوم ‬زائف ‬ل ‬االإمبراطوريةب.‬
(‬3)‬
لقد ‬كانت ‬نشأة ‬الأيديولوجيات ‬القومية ‬لاحقة ‬بكل ‬هذا. ‬فهي ‬لم ‬تتشكل ‬إلا ‬في ‬القرن ‬التاسع ‬عشر ‬في ‬البلقان ‬وسوريا ‬ووسط ‬الأرمن، ‬وفيما ‬بعد ‬وسط ‬أتراك ‬روميليا ‬كرد ‬فعل ‬للآخرين. ‬ولا ‬توجد ‬أدنى ‬ومضة ‬تشير ‬إلى ‬نشأة ‬قومية ‬كردية. ‬وقد ‬ارتبط ‬صعود ‬القوميات ‬المذكورة ‬ارتباطًا ‬وثيقًا ‬مع ‬عمليات ‬الحضرنة ‬والتحديث ‬الجديدة ‬التي ‬اضطلعت ‬بها ‬الإدارات. ‬وكان ‬باستطاعة ‬الفلاحين ‬أنفسهم ‬الاستمرار ‬في ‬التحدث ‬بلغاتهم ‬وتجاهل ‬لغة ‬الإدارة ‬العثمانية ‬التي ‬لم ‬تكن ‬تظهر ‬في ‬الريف ‬إلا ‬لجمع ‬الضرائب ‬أو ‬جلب ‬الجنود. ‬لكن ‬الأمر ‬اختلف ‬في ‬المدن ‬الجديدة، ‬وخاصةً ‬وسط ‬الطبقات ‬المتوسطة ‬المتعلمة ‬الجديدة، ‬حيث ‬كانت ‬إجادة ‬اللغة ‬المكتوبة ‬ضرورة ‬يومية. ‬وكان ‬من ‬الحتمي ‬أن ‬ينشأ ‬من ‬هذه ‬الطبقات ‬الجديدة ‬الجيل ‬الأول ‬من ‬القوميين ‬بالمعنى ‬الحديث. ‬ولعل ‬الطابع ‬الريفي ‬للمناطق ‬المسكونة ‬بالأكراد ‬في ‬الأناضول ‬التركي ‬الأوسط ‬يفسر ‬لنا ‬التشكل ‬المتأخر ‬للقومية ‬التركية (‬الكمالية) ‬وكذا ‬التأخر ‬نفسه ‬بالنسبة ‬للقومية ‬الكردية.‬
وتساعدنا ‬الموازاة ‬بين ‬الإمبراطورية ‬العثمانيةوالإمبراطورية ‬النمساوية- ‬المجرية ‬في ‬تفسير ‬العملية ‬التي ‬ستدمر ‬هاتين ‬الإمبراطوريتين ‬فعليًا. ‬فقد ‬تكونت ‬الإمبراطورية ‬النمساوي ة- ‬المجرية ‬قبل ‬نشأة ‬الرأسمالية ‬الأوروبية، ‬لكنها ‬كانت ‬جارتها ‬الأقرب، ‬كما ‬أعيد ‬بناء ‬بعض ‬أقاليمها (‬النمسا، ‬بوهيميا) ‬على ‬الأسس ‬الجديدة ‬للرأسمالية. ‬ومن ‬ثم ‬نشأت ‬المسألة ‬القومية ‬هنا ‬في ‬القرن ‬التاسع ‬عشر. ‬ونحن ‬مدينون ‬للماركسيين ‬النمساويين (‬أوتوباور ‬وغيره) ‬بتحليلهم ‬الجيد ‬لهذا ‬البعد ‬للتحدي ‬الاشتراكي، ‬والسياسات ‬المقترحة ‬التي ‬أعتبرها ‬الأكثر ‬تقدمًا ‬في ‬شروط ‬ذلك ‬الوقت: ‬الحفاظ ‬على ‬مزايا ‬الدولة ‬الكبيرة ‬ولكن ‬مع ‬الإسراع ‬في ‬تحويلها ‬بتدابير ‬تقدمية ‬اشتراكية (‬راديكالية ‬أو ‬حتى ‬ديمقراطية- ‬اجتماعية) ‬بما ‬يخلق ‬أممية ‬الشعوب ‬المبنية ‬على ‬التزام ‬صارم ‬بسياسات ‬تكفل ‬المعاملة ‬العادلة ‬للجميع، ‬مصحوبة ‬بسياسة ‬صادقة ‬تحترم ‬الاستقلال ‬الثقافي. ‬لكن ‬تسلسل ‬الأحداث ‬لم ‬يسمح ‬بنجاح ‬هذا ‬المشروع، ‬وإنما ‬خدم ‬لصالح ‬قومية ‬بورجوازية ‬متواضعة.‬
أما ‬قوميات ‬البلقان ‬والقومية ‬العربية- ‬السورية ‬التي ‬ظهرت ‬فيما ‬بعد، ‬فقد ‬ارتبطت ‬بالرأسمالية ‬الطرفية ‬في ‬الأقاليم، ‬وانتصرت ‬وساعدت ‬بالفعل ‬في ‬إزالة ‬الإمبراطورية ‬العثمانية.‬لكن ‬الضعف ‬الذي ‬اتسمت ‬به ‬تلك ‬القوميات ‬قد ‬أعاق ‬مسعى ‬قوادها ‬في ‬البحث ‬عن ‬تأييد ‬القوى ‬الخارجية (‬خاصة ‬بريطانيا ‬العظمى ‬و/ ‬أو ‬روسيا) ‬في ‬مواجهة ‬الحكم ‬العثماني. ‬وقد ‬دفعوا ‬ثمن ‬هذا، ‬فالدول ‬الجديدة ‬التي ‬أنشأوها ‬بقيت ‬تحت ‬نير ‬الدول ‬الاستعمارية ‬السائدة، ‬بريطانيا ‬وفرنسا ‬بالنسبة ‬للعرب، ‬وبريطانيا ‬وألمانيا ‬بالنسبة ‬للبلقان.‬
وفي ‬أرمينيا ‬تعرضت ‬حركة ‬التجديد ‬القومي ‬الأرميني (‬حيث ‬عرفت ‬حضارة ‬مستقلة ‬رائعة ‬قبل ‬إدماجها ‬في ‬الإمبراطورية ‬العثمانية) ‬للهزيمة ‬بعد ‬المذبحة ‬التي ‬وقعت ‬عام ‬1915. ‬وكانت ‬هذه ‬القومية ‬ممزقة ‬بين ‬قومية ‬البرجوازية ‬الأرمينية ‬الجديدة ‬المهاجرة ‬في ‬مدن ‬روميليا (‬القسطنطينية، ‬سميرنا، ‬وغيرهما) ‬والتي ‬احتلت ‬مواقع ‬في ‬عالم ‬المال ‬والشركات ‬الجديدة، ‬وبين ‬قومية ‬الأعيان ‬والفلاحين ‬في ‬الأراضي ‬الأرمينية. ‬كما ‬أن ‬إدماج ‬جزء ‬صغير ‬من ‬هذه ‬الأراضي ‬في ‬الإمبراطورية ‬الروسية (‬أرمينيا ‬السوفيتية ‬فيما ‬بعد، ‬ثم ‬أرمينيا ‬المستقلة) ‬قد ‬زاد ‬الأمر ‬تعقيدًا ‬بتزايد ‬المخاوف ‬من ‬مؤامرات ‬سان ‬بطرسبرج، ‬خاصة ‬أثناء ‬الحرب ‬العالمية ‬الأولى. ‬وقد ‬اختارت ‬السلطات ‬العثمانية ‬طريق ‬الإبادة ‬الجماعية. ‬وأسجل ‬هنا ‬أن ‬الأكراد ‬قد ‬عملوا ‬هنا ‬كأداة ‬في ‬تنفيذ ‬المذبحة، ‬وكانوا ‬المستفيدين ‬الرئيسيين ‬منها، ‬فقد ‬ضاعفوا ‬حجم ‬أراضيهم ‬بعد ‬الاستيلاء ‬على ‬القرى ‬الأرمينية ‬المدمرة.‬
وتعتبر ‬القومية ‬التركية ‬الحديثة ‬أحدث ‬عهدًا. ‬فقد ‬تشكلت ‬أولاً ‬على ‬أيدي ‬مثقفين ‬نسبيًا ‬ذوي ‬خلفية ‬عسكرية ‬والإدارات ‬العثمانية ‬في ‬مدن ‬روميليا (‬القسطنطينية، ‬سميرنا، ‬تسالونيكي) ‬كرد ‬فعل ‬لصعود ‬القومية ‬في ‬البلقان ‬والقومية ‬العربية- ‬السورية. ‬بيد ‬أنه ‬لم ‬يكن ‬لهذا ‬صدى ‬وسط ‬الفلاحين ‬الأتراك (‬والأكراد) ‬في ‬وسط ‬وشرق ‬الأناضول. ‬وكانت ‬خيارات ‬القومية ‬التركية ‬التي ‬أصبحت ‬فيما ‬بعد ‬خيارات ‬الكمالية ‬هي: ‬الأوربة، ‬العداء ‬للعثمانية، ‬تأكيد ‬الطابع ‬التركي ‬للدولة ‬الجديدة ‬ونمطها ‬االمتعلمنب ‬وليس ‬العلماني، ‬لأن ‬المواطن ‬التركي ‬الجديد ‬يتم ‬تعريفه ‬بالانتماء ‬الاجتماعي ‬للإسلام (‬فليس ‬هناك ‬اعتراف ‬بالقلة ‬من ‬الأرمن ‬الذين ‬نجوا ‬من ‬المذبحة، ‬أو ‬اليونانيين ‬في ‬القسطنطينية ‬وسميرنا) ‬ولكن ‬مع ‬اختزال ‬الإسلام ‬في ‬وضعية ‬المؤسسة ‬العامة ‬التي ‬تسيطر ‬عليها ‬وتتلاعب ‬بها ‬الحكومة ‬الجديدة ‬في ‬أنقرة.‬
وقد ‬سمحت ‬الحروب ‬التي ‬خاضها ‬الكماليون ‬من ‬1919 ‬إلى ‬1922 ‬ضد ‬القوى ‬الإمبريالية ‬للجماهير ‬الفلاحية ‬التركية (‬والكردية) ‬بالالتفاف ‬حول ‬القومية ‬التركية ‬الجديدة. ‬ولم ‬يتمايز ‬الأكراد ‬عن ‬الأتراك، ‬فقد ‬حاربوا ‬معًا ‬في ‬صفوف ‬القوات ‬المسلحة ‬الكمالية. ‬وقد ‬أصبحت ‬القومية ‬التركية ‬الكمالية ‬بحكم ‬الظروف ‬قومية ‬معادية ‬للإمبريالية. ‬ورأت ‬هذه ‬القومية ‬أن ‬العثمانية ‬والخليفة ‬لم ‬يحميا ‬شعوب ‬الإمبراطورية (‬من ‬أتراك ‬وأكراد ‬وعرب) ‬وإنما ‬على ‬العكس ‬سهلا ‬اختراق ‬الإمبريالية ‬الغربية ‬واختزال ‬الإمبراطورية ‬إلى ‬إقليم ‬رأسمالي ‬طرفي ‬خاضع. ‬ومالم ‬تفهمه ‬القومية ‬العربية ‬ولا ‬البلقانية ‬وقتها ‬أنها ‬قد ‬دعت ‬صراحة ‬إلى ‬تأييد ‬القوى ‬الإمبريالية ‬ضد ‬سلطة ‬الباب ‬العالي. ‬ثم ‬قامت ‬القومية ‬الكمالية ‬المعادية ‬للإمبريالية ‬بتسديد ‬الضربة ‬القاضية ‬للعثمانية.‬
هامش
* ‬Paul Kennedy, ‬The Rise and Fall of the Great Powers. - ‬Economic change and Military conflict from 1500 ‬to 2000, ‬Unwin Hyman, ‬London, ‬1988
لمزيد من مقالات د. سمير أمين


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.