تعاملت مع أكثر من شخص في الأسبوع الأخير، كل في حرفته ومهنته، لأكتشف أن خيانة الأمانة، سواء بالكلمة، أو المال، أو العمل، تكاد تجمع بينهم، إلا من رحم الله، حتى يصح أن يقال إن الخيانة آفة العصر، التي ابتليت بها البشرية، وبسببها شقي كثيرون، وأشقوا من خانوهم. وفي الإسلام الخلاص من ذلك. فقد حذرنا الله تعالى، ورسوله الكريم، في عشرات الآيات والأحاديث، من الخيانة. فالمسلم لا يخون: لا الكلمة، ولا العهد، ولا الأمانة. وحدثنا القرآن، عن خيانات عدة، لعل أبرزها خيانة أهل الكتاب، الذين ائتمنهم الله على أغلى ما في الوجود؛ وحيه، فخانوه. كما حدثنا القرآن عن خيانات أقرب المقربين للمرء، كأخيه، وزوجه، فضرب المثل بخيانة إخوة يوسف، وخيانة امرأة العزيز، وخيانة امرأتي نوح ولوط، فضلا عن خيانات المنافقين والكافرين، لله تعالى، ثم للمسلمين. ويكفي الخائن؛ عقوبة من الله تعالى، أنه سبحانه؛ لا يحبه. قال عز وجل: "إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ". (الأنفال:58). وقال: "إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُور". (الحج:38). وقال: "وَلاَ تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا".(النساء: 107) ومن هنا حذر الله بشدة من الخيانة، فقال: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ". (الأنفال:27). وقال: "وَإِن يُرِيدُواْ خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُواْ اللّهَ مِن قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ". (الأنفال:71) كما حذر النبي، صلي الله عليه وسلم، في أحاديث عدة، من الخيانة، فشدَّد على أن: "المكر والخديعة والخيانة في النار". (حسنه الألباني في "صحيح الجامع"). واستعاذ من الخيانة، فقال: "اللهم إني أعوذ بك من الجوع فإنه بئس الضجيع، وأعوذ بك من الخيانة فإنها بئست البطانة". (قال الألباني: حسن صحيح). وأبان أنه لا يمكن أن تجتمع: الخيانة والأمانة، فقال: "لا يجتمع الإيمان والكفر في قلب امريء, ولا يجتمع الكذب والصدق جميعا, ولا تجتمع الخيانة والأمانة جميعا". (قال الألباني في "السلسلة الصحيحة": هذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات). وعن مصير الخائن، وعقوبته في الدنيا والآخرة، قال رسول الله: "ما من ذنب أجدر أن يعجل الله تعالى لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخره له في الآخرة.. من قطيعة الرحم، والخيانة، والكذب.. وإن أعجل الطاعة ثوابا لصلة الرحم؛ حتى إن أهل البيت ليكونوا فجرة فتنمو أموالهم، ويكثر عددهم، إذا تواصلوا". (صححه الألباني في "صحيح الجامع"). وأوصانا، صلوات الله وسلامه عليه، الوصية الشهيرة: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". (صححه الألباني في "صحيح الجامع"). وعن سعد بن أبي وقاص، أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: "يُطبع المؤمن على كل خُلة غير الخيانة والكذب". (قال الهيثمي في "مجمع الزوائد": رواه البزار وأبو يعلى ورجاله رجال الصحيح). فحاسب نفسك، أيها القاريء، واستذكر خيانتك، ولعل أشدها، خيانتك لشرع ربك، وتعاليم إسلامك، ثم خيانتك أمانة نفسك، بعدم تعاهدها بالحساب والتقويم، ثم خيانتك لمهنتك، بعدم التجويد فيها، أو "خداع"، وليس "تنفيع"، الناس، منها. وحاول أن تعتذر ممن خنته، وله، وأن تؤدي إليه حقه، واقطع صلتك بكل خائن، أو محرض لك على الخيانة، سواء لله أو للرسول أو لمن حولك، فلا خير من ورائه، ولا عهد أبدا له. روى الشيخان عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قَال: "لا يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ". قال الخطابي: "(لا يُلْدَغ) خَبَر، وَمَعْنَاهُ أَمْر، أَيْ لِيَكُنْ الْمُؤْمِن حَازِمًا حَذِرًا لَا يُؤْتَى مِنْ نَاحِيَة الْغَفْلَة، فَيُخْدَع مَرَّة بَعْد أُخْرَى، وَقَدْ يَكُون ذَلِكَ فِي أَمْر الدِّين كَمَا يَكُون فِي أَمْر الدُّنْيَا، وَهُوَ أَوْلاهُمَا بِالْحَذَر". وقال أبو عبيد: "معناه: لا ينبغي للمؤمن إذا نُكب من وجه أن يعود إليه". وقال الحافظ في "الفتح": "قيل: الْمُرَادُ بِالْمُؤْمِنِ هُنَا: الْمُؤْمِنُ اَلْكَامِلُ الَّذِي قَدْ أَوْقَفَتْهُ مَعْرِفَته عَلَى غَوَامِض الْأُمُور حَتَّى صَارَ يَحْذَر مِمَّا سَيَقَعُ. وَأَمَّا الْمُؤْمِن الْمُغَفَّل فَقَدْ يُلْدَغ مِرَارًا". أخيرا: نعوذ بالله من الخيانة؛ فإنها بَئِست البطانة، والحياة.. والدين؛ الذي نلقى به الله. [email protected] لمزيد من مقالات عبدالرحمن سعد