أعتقد أن الرأى العام أصبح خلال الفترة الأخيرة مهيأ لصدور ما يسمى بالقرارات الصعبة.. وهى ستكون صعبة لأن غالبية المواطنين من كل الفئات سوف يتأثرون بها.. وهى صعبة أيضا لأن معظمها ستكون قرارات اقتصادية سوف يكون لها تأثير مادى على معظم المواطنين.. والهدف من هذه القرارات الصعبة هو إدخال تعديلات جوهرية على أسس الاقتصاد المصرى فى محاولة جادة لعودة الانضباط إلى هذا الاقتصاد، وتقليل حجم الديون الباهظة المتراكمة عليه، ومحاولة جعله اقتصادا متوازنا، حتى تقوم الدولة من عثرتها الحالية، ومما لاشك فيه أن العثرة التى يعانى منها الاقتصاد المصرى حاليا ليست وليدة السنوات الأخيرة التى أعقبت انتفاضة يناير 2011، بل هى بدأت قبل ذلك بسنين كثيرة ولم يحاول أحد أن يجد لها حلا. اليوم بدأت الدولة بكل جدية فى محاولة لإصلاح الوضع الاقتصادي، وهذه المحاولة ليست فريدة من نوعها، بل سبقتنا إليها كثير من الدول، ومعظمها نجح فى إصلاح الأوضاع الاقتصادية بها، وشهد لها المجتمع الدولى بهذا النجاح، ونحن لن نكون أقل من هذه الدول. لأن الشعب المصرى ليس أقبل حبا لدولته من شعوب تلك الدول. ولأننا نمر بمرحلة اقتصادية صعبة سوف يقتضى السير فى إصلاحها بضع سنوات، فإن الأمر يقتضى ضرورة مصارحة المواطنين بالتحديات الاقتصادية التى نواجهها، وإيضاح الحقائق وإبراز الخطوات التى لابد من اتخاذها الإصلاح هذا الاقتصاد. وبداية هذه المصارحة لابد أن تكون مع نواب الشعب، بمعنى أن تجتمع الحكومة ممثلة فى مجلس الوزراء مع أعضاء مجلس النواب فى جلسة برلمانية مغلقة أو جلستين أو أكثر، بعيدا عن حضور وسائل الصحافة والإعلام، ويدور النقاش عميقا وصريحا بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، حول أبعاد الوضع الاقتصادى والمشاكل التى يعانى منها ومقترحات الاصلاح المطلوب تنفيذها على أرض الواقع، والقرارات الصعبة التى لابد من اتخاذها لإنجاح هذا الإصلاح. وعندما يتفق الطرفان الحكومة والنواب على خطة الإصلاح وعلى القرارات المطلوب اتخاذها يتبنى نواب الشعب بأنفسهم هذه الخطة ويتقدمون بها إلى الحكومة فى صيغة توصيات برلمانية، لتقوم الحكومة بدورها فى البدء بالتنفيذ باعتبارها السلطة التنفيذية التى تلبى مطالب نواب الشعب. وهنا يكون نواب الشعب هم الذين اتخذوا هذه القرارات وطالبوا بتنفيذها وليس الحكومة ولا رئاسة الجمهورية وعلى جميع نواب الشعب أن ينزلوا إلى دوائرهم الانتخابية فى كل أنحاء الجمهورية لشرح أبعاد هذه القرارات وأهميتها لوقوف الدولة على قدميها شامخة مثل كثير من الدول الناهضة اقتصادية.. وذلك حتى لايفاجأ الشعب بهذه القرارات وتحدث لديه صدمة، قد تؤدى إلى ما لايحمد عقباه، كما حدث من قبل فى الغضبة الشعبية فى يناير 1977 فى عهد الرئيس السادات عندما فوجئ الشعب بقرارات صادرة من الدولة برفع أسعار بعض السلع الشعبية دون سابق تمهيد أو شرح أو توعية.