فى إطار اهتمام الدولة وفى مقدمتها القيادة السياسية بتجميل وترميم المناطق السياحية والأثرية وحمايتها من التعدى عليها وتشويهها، بدأت وزارة الآثار قبل أيام جولة جديدة من جولات ترميم اسود كوبرى قصر النيل الأربعة، والمنتظر الانتهاء من هذه الأعمال فى 20 أغسطس الحالي. هذه الأسود الرابضة بشموخ أمام مداخل كوبرى قصر النيل تحرسه منذ أكثر من 140 عاما، والتى أهينت كرامتها حينما قرر البعض اعتلاءها وتحويل أجسادها الى دفتر للأحوال الشخصية للمارة الذين تسلقوها لالتقاط الصور التذكارية فوقها ولا يغادرون قبل إثبات وجودهم عليها بعبارات تراوحت ما بين الشعارات الوطنية وذكريات العشاق الذين يسردون قصصهم دون أى مراعاة لقيمة الأثر. الدكتور مصطفى أمين الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار يقول إن اللجنة الدائمة للآثار الإسلامية وافقت على تسجيل الأسود الأربعة وكوبرى قصر النيل فى عداد الآثار الإسلامية و القبطية فى مايو الماضي، لينتقلوا رسميا إلى حوزة وزارة الآثار. وأوضح المهندس وعد أبو العلا رئيس قطاع المشروعات بوزارة الآثار أن عملية الترميم ينفذها مرممو وزارة الآثار المتخصصين فى ترميم المعادن، ونبحث مع محافظة القاهرة كيفية تأمين التماثيل الأربعة بعد الانتهاء من عملية الترميم، وحمايتها من عبث المارة، حيث إن الأسود الأربعة سبق ترميمها وإزالة الكتابات الموجودة عليهم بعد ثورة يناير 2011 لكن للأسف بعد أشهر قليلة عاود الناس تسلقها والكتابة عليها، وشدد على انه يجب إيجاد حل جذرى لمنع التشويه المستمر لهذه التماثيل الأثرية، حيث إنه لا يصح أن تترك الأسود الأربعة بهذا الشكل ليتم التعدى عليها مرة أخرى وخصوصا بعد تسجيلهم فى عداد الآثار. من ناحيتها تقول الدكتورة سهير حواس رئيس الإدارة المركزية للدراسات والبحوث والسياسات بالجهاز القومى للتنسيق الحضاري، والمسئولة عن مشروع تطوير القاهرة الخديوية بالتعاون مع محافظة القاهرة، إن كوبرى قصر النيل تم بناؤه فى البداية فى النصف الثانى من القرن ال19، لكن حالته الإنشائية تدهورت، وتم إعادة بنائه باسم كوبرى الإسماعيلية، وافتتح مرة أخرى فى عهد الملك فؤاد عام 1934. وأضافت أنه أصبح من الكبارى التراثية التى يجب الحفاظ عليها ، وتم تسجيله فى قائمة التراث وفقا لقانون 144 لعام 2006، وأضافت أن الأسود الأربعة رابضة فى مكانها منذ إنشاء الكوبرى أول مرة فى عهد الخديوى إسماعيل، وكان ارتفاعهم أعلى مما هو عليه الآن، وأشارت إلى أن الكوبرى أعيد بناؤه على طراز الارت ديكو، وهو طراز معمارى عرف فى أوائل ثلاثينيات القرن الماضي، وتم وضع مسلات وراء الأسود وتخفيض مستوى الأسود بنسب فنية إلى الوضع الموجودين عليه الآن. وقالت إنها ترفض فكرة رفع مستوى الأسود لحمايتهم من المارة، لأن هذا سيؤدى إلى الإخلال بالنسب الفنية وشددت على أنه لا يمكن تصحيح خطأ بخطأ أكبر منه، وأضافت أيضا أنها ترفض تماما فكرة وضع أسوار حولها لأن هذا سيؤدى إلى تشويه المنظر، وسيعنى أن الدولة غير قادرة على حماية تراثها. وحول كيفية حمايتها تقول إن تماثيل اسود قصر النيل ليست الوحيدة التى تتعرض للتعدى عليها وتخريبها، فتمثال سعد زغلول أمام الأوبرا وتمثال عمر مكرم فى التحرير يتعدى عليهم المواطنون باستمرار بالتسلق والكتابة، المشكلة تكمن فى ثقافة المواطنين وسلوكياتهم فى الأساس، وما نحتاج إليه هو تشديد الرقابة عليهم لمنع هذا التعدى وتأمين التماثيل، وأنه يجب أن يكون هناك عقاب رادع بالقانون لكل من تسول له نفسه التعدى على التراث، كأن يكون هناك غرامة كبيرة مثلا، لأن ما يحدث هو تخريب متعمد يعاقب عليه القانون، وأضافت انه إذا تم معاقبة شخص واحد سيردع هذا الآخرين. وقالت إن تسلق اسود قصر النيل والكتابة عليها لم يكن أمرا معهودا من قبل، فهذا الخلل حدث بعد ثورة 25 يناير حيث كان الناس تتسلقها وتلتقط الصور التذكارية معها، وبدأ البعض كتابة شعارات وطنية عليها، لكن الوطنية ليست أبدا بالتشويه والرسم على الجدران، وبعد ذلك أصبح كل من يعبر الكوبرى يحاول تسلق الأسود لالتقاط الصور والكتابة عليها، وأشارت إلى أنه يجب زيادة وعى المواطنين وحثهم على الحفاظ على تراثهم وعدم تخريبه، ويجب البدء بتلاميذ المدارس وتعليمهم أهمية الحفاظ على التراث والآثار. ويقول غريب سنبل رئيس الإدارة المركزية للترميم بوزارة الآثار أن أعمال الترميم بدأت بإزالة التشوهات بالطرق التقليدية الميكانيكية والكيميائية بمواد آمنة لا تضر بالأثر، وباستخدام تكنولوچيا الليزر فى أعمال التنظيف، كما سيتم لأول مرة بمصر استخدام مادة حديثة لطلاء القواعد بمادة مضادة للكتابة (anti graphic)، تُمكننا من إزالة أى كتابات من على القواعد بمجرد مسحها بقطعة جافة من القماش، وهى مادة سائلة يتم رشها على القواعد الجرانيتية وتعتمد على تكنولوجيا النانو وأقرتها المعاهد العلمية العالمية وتم تجربتها فى الخارج. وأضاف أنه تم الاتفاق مع هيئة التنسيق الحضارى على تصميم هيكل حديدى متحرك يتم وضعه عند القواعد فى محاولة لإعاقة التسلق لمنع وصول المارة إلى الأسود والتعدى عليها مرة أخري، وأكد أهمية رفع وعى المواطنين وحثهم على الحفاظ على آثارهم وتراثها، لأن هذه هى الوسيلة الوحيدة المضمونة للحفاظ على كنوزنا الأثرية. وحول تأثير تكرار عمليات الترميم للتماثيل الأربعة يقول الأثرى عيسى زيدان مدير الترميم الأولى بمشروع المتحف الكبير، والذى شارك فى عملية ترميم الأسود التى تمت عام 1997، ان تكرار ترميم الأسود الأربعة لن يؤثر عليها طالما يتم بطريقة علمية ومن قبل متخصصين، وباستخدام مواد لا تضر الأثر، والاعتماد على التنظيف الميكانيكى وعدم اللجوء الى استخدام أية مواد كيميائية تضر بالأثر. وعن تاريخ الأسود الأربعة حكت ياسمين الضرغامي رئيس تحرير احدى المجلات المتخصصة فى التاريخ والآثار والتراث، أن المؤرخ الفرنسى ماكس كاركجي، الذى كان متخصصا فى تاريخ مصر الحديث، روى لها أن الخديوى إسماعيل، كلف شريف باشا ناظر الداخلية بالاتصال بالفنان الفرنسى هنرى الفريد جاكمار لعمل 4 تماثيل لأسود ليتم وضعها حول تمثال محمد على بالإسكندرية، والذى صممه جاكمار أيضا، لكنه غير رأيه بعد ذلك وقرر وضعها عند مداخل الكوبرى الجديد الذى أنشأه وكانت الأسود الأربعة أصغر من الموجودة حاليا، لذا طلب اسماعيل من جاكمار عمل أربعة تماثيل أكبر وتم وضعها على مداخل الكوبرى الذى بناه الخديوى على الطراز الفرنسى ليربط بين القاهرة والجيزة، أما الأسود الأولى التى أعادها الخديوى الى جاكمار فهى موجودة حاليا عند المدخل الشرقى لمقر مكتب عمدة باريس بأوتيل دى ڤيل. وهنرى الفريد جاكمار هو فنان ونحات فرنسى ولد فى باريس عام 1824، قام بتصميم تمثال محمد على بالإسكندرية عام 1873، وتمثال محمد بك لاظوغلى الموجود بميدان لاظوغلي، وتمثال سليمان باشا عام 1874 وتوفى جاكمار فى شقته بشارع بابليون بباريس فى يناير عام 1896، و لم يمت منتحرا لأنه نسى شوارب الأسود الأربعة كما أشيع عنه.