تسعى مصر - تحت وطاة أزمة نقص موارد العملات الأجنبية - الى الاقتراض من صندوق النقد فى اطار إصلاح هيكلى للموازنة العامة للدولة، ولقد سبق لمصر أن نفذت - بعد حرب الخليج الاولى - برنامجاً للاصلاح الاقتصادى بالاتفاق مع صندوق النقد والبنك الدولى، تم بمقتضاه تخفيض ديون مصر الخارجية مع نادى باريس الى النصف على ثلاث مراحل. ونظراً لارتفاع الدين الخارجى الى قرابة 53 مليار دلاور وحتى لا تؤدى القروض الجديدة الى زيادة الاعباء على المستقبل، فمن المقترح ان يتم التفاوض مع الدائنين القدامى - وبالذات الدول العربية - على تخفيض الديون الخارجية بالتوازى مع مراحل تنفيذ برنامج الاصلاح نظراً لتشابه الظروف مع تلك فى التسعينيات من القرن الماضى - بل ان الظرف الحالى أشد خطراً - حيث تسهم مصر بشكل مباشر فى حماية المنطقة العربية والعالم من الارهاب على جبهات متعددة وتتكبد فى سبيل هذا الدفاع خسائر مادية وبشرية فادحة. وأمّا بالنسبة للموازنة العامة وبتحليل مبسط لجانب «النفقات» نجد ان 24% منها تذهب لاجور موظفى الدولة و 22% للدعم 31% لخدمة الدين المحلى، ومن هنا فان الاولوية فى علاج الموازنة تتطلب حل معضلة نسبة الاجور فى الموازنة، ولا سبيل الى ذلك إلا بإعادة هيكلة الجهاز الادارى للدولة وفصل موازنات المحافظات عن الموازنة الرئيسية وتحويل الوحدات الحكومية التابعة للمحليات الى كيانات ادارية مستقلة تعتمد على مواردها الذاتية بالاضافة الى مايقدم لها من موازنة الدولة على شكل «اعانة سد عجز» لمواجهة اعباء «الدعم» للمواطن فى التعليم والصحة، أى ان الدعم سيتوافر بشكل أفضل كماً ونوعاً مما يقدمه النظام المركزي. ومن هنا لايكون الحديث عن إلغاء الدعم ولكن توفير آلية جديدة له، وكما ان فصل المحليات والتى يعمل بها قرابة 3 ملايين أى نصف العاملين بالجهاز الادارى سيسمح بالارتقاء بأحوالهم ورفع هذا العبء عن الموازنة الرئيسية، ولتحقيق هذا الهدف فإن الادارة المحلية فى حاجة - لموازنة مواردها الذاتية - الى «حق التشريع» المحلى و«حق التمويل المحلى» فى فرض رسوم وضرائب محلية ينظمها القانون علاوة على إطلاق مشروعات ذات جدوى اقتصادية ممولة من البنوك، وهكذا فإن الدعم الاساسى من جانب والارتقاء بمستوى أجور العاملين بالدولة من جانب آخر علاوة على تمويل المشروعات المحلية دون أعباء على موازنة الدولة الرئيسية يمكن تحقيقها من خلال برنامج اللامركزية يصمم للوصول الى هذه الاهداف، وامّا بالنسبة لدعم الطاقة فيتم رفعه خلال ثلاث سنوات مع مراعاة ترشيد استخدام الكهرباء والمياه والحد من نمو الصناعات والخدمات الكثيفة الاستهلاك لها، مع امكانية تطبيق «ضريبة كربون» على كل طن وقود تقليدى تستخدم فى تمويل تكنولوجيات الطاقة المتجددة من رياح وشمس وخلايا هيدروجينية. ويأتى السبيل لتخفيض نسبة الدين العام وزيادة النسب الموجهة للاستثمار العام والتعليم والصحة عن طريق زيادة بند «الايرادات» وتمثل الضرائب - فى كل انحاء العالم - المورد الاساسى للخزينة العامة من خلال الضرائب التصاعدية والقيمة المضافة وضرائب الثروة والتركات، وعلى الارباح الرأسمالية فى البورصة وعلى كل انشطة الوساطة والسمسرة، ويؤدى اصلاح الادارة الضريبية وعدم هدر المستندات والقبول بأنواع متعددة من المصروفات الى توسيع القاعدة الضريبية وتحول منشآت الاقتصاد الموازى الى الرسمى، وتتعاظم الايرادات ايضاً فى حال تطبيق لوائح مستقلة للهيئات الاقتصادية العامة وشركات قطاع الأعمال العام تضيف لموارد الدولة من خلال الارباح والضرائب وبالإضافة الى الاستفادة من الاصول غير المستغلة بالمشاركة أو البيع أو بحق الانتفاع العام وإنشاء هيئة لإدارة هذه الأصول. تدرج العناصر السابق ذكرها ضمن اطار من الالتزام نحو دفع الاستثمار وتذليل المعوقات البيروقراطية وانضباط مالى ونقدى صارم، وقيام المسئولين بإعطاء المثل فى التقشف وبساطة الحياة، والارتقاء بمناخ المنافسة ومحاربة الفساد والمشاركة المجتمعية الواسعة فى الرقابة على هذه المجالات. لمزيد من مقالات شريف دلاور