استكمالا للحديث حول حقوق الأبناء، كنا قد توقفنا عند الحكمة من قضاء المرأة عدتها بعد طلاقها من زوجها فى بيته، وهى لاحتمال الرجوع فى مسألة الطلاق، وحفظ البيت والأسرة، وتعتبر هذه الحالة الوحيدة التى يستحب فيها الجمع بين المتخاصمين تحت سقف بيت واحد، إعتمادا على ما جمعهما من رصيد طيب وأبناء، ولأن الخير لا يهدم بسرعة، فى لحظة غضب.. ثم، إذا وقع الطلاق، وإستحالت الحياة بين رجل وإمرأة، علما بالتجربة أنهما لن يصلحا لإستكمال بقية حياتهما معا، إذ لامودة، ولا رحمة. يتدخل ديننا الإسلامى الراقى، ليحفظ حياة الإنسان، حتى وهو لازال جنينا محتملا فى رحم المرأة المطلقة حديثا، فتأتى الوصية الأقوى، والموجهة للنساء هذه المرة، والتى لن يستطع مخلوق أن يعلمها، سوى المرأة والله مطلع عليها وحده، فيقول المولى عز وجل للنساء صراحة: "ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله فى أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر" وقد شرط الله هنا الإيمان بالله واليوم الآخر، بعدم كتمان المرأة لحياة إنسان بدأت فى أحشائها، لأن بعض النساء قد يخفين حملهن للتخلص منه فى حالة الطلاق من زوج يكرهنه، لمحو مرحلة سابقة من حياتهن، والبدء فى حياة جديدة مع رجل أخر، دون الارتباط بأطفال، ومسئولية تعوقهن عن التمتع بحياتهن الجديدة. تلك مرحلة، تليها مرحلة كفالة المرأة الحامل، ورعايتها ماديا هى وطفلها القادم، حيث يقول الله فى كتابة الحكيم: ( وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ) ثم أستكمال النفقة حتى فطام الطفل : ( فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) كل تلك الآيات للحفاظ على حقوق الطفل الذى تخلق فى رحم أمه، وبينها وبين والده خلافات، لكن الله رغم ذلك يريد له أن يخرج للحياة، بشكل طبيعى، وينعم بحقوقه كأن والداه متحابان. لكن ثمة حقوق عامة للطفل على والديه، سواء نشأ فى أسرة متحابة ومترابطة، أو نشأ فى أسرة مفككة، فكفله والده رغم إقامته البعيدة عنه فى كنف أمه. فقد جاء رجلا إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب يشتكى عقوق ولده، فأتى سيدنا عمر بالشاب ليسأله لماذا يعق أباه، فبادر الشاب سيدنا عمر بسؤاله أولا: يا أمير المؤمنين، أليس للولد حقوق على أبيه؟ فقال عمر: بلى فسأله الشاب: ما هي؟ فأجاب عمر: أن ينتقى أمه، وأن يحسن اسمه، وأن يعلمه الكتاب، يقصد القرآن. فقال الشاب، يا أمير المؤمنين إنه لم يفعل هذا، فقد أختار أمى أمة أى عبدة كانت مملوكة لمجوسى من قبله، وأسماني جعلا، أى جعرانا، ولم يعلمنى من الكتاب حرفا واحدا! فألتفت أمير المؤمنين للرجل قائلا: أجئت تشكو عقوق أبنك؟ لقد عققته قبل أن يعقك، وأسأت إليه قبل أن يسىء إليك. وللحديث بقية.. [email protected] لمزيد من مقالات وفاء نبيل