طلب مني كثرة في الصحافة والإعلام التعليق علي حكم المحكمة الخاص بالرئيس السابق حسني مبارك ومن كانوا معه; ومن ناحيتي كان الاعتذار واجبا لأن التعليق علي الأحكام ليس واجبا كما أنه يحتاج إلي تخصصات قانونية. ومع ذلك فقد انقلب حال الناس في مصر, وأصبح الجميع له في القانون نصيب, بل إن الأحكام قادت إلي أسبوع عنيف في السياسة المصرية حيث عادت المليونيات مرة أخري, واختلط حالها بالمحاكمات, مع الانتخابات الرئاسية, وكما هي العادة دائما خرجت جماعة عن المسار وخلقت مسارا موازيا يفوز فيه من خسروا الانتخابات من قبل, مضافا إليها اختراع مصري عبقري هو أن يجمع الخاسرون الأصوات التي حصلوا عليها فإذا بهم فجأة يفوزون علي من هم في الصف الأول. وطالما أن الشعب اجتمع في ميدان التحرير, ورفع القادة علي الأعناق, فلابد أن صناديق الانتخابات كانت اختراعا مخاتلا. الأمر ليس جديدا تماما, فقد حدث مثله منذ فترة طويلة حتي أيام النظام البائد حينما بدأت تنظيمات موازية في الميلاد من أول اتحادات الطلبة, وحتي النقابات العمالية, وانتهي الأمر ببرلمان شعبي اقترح خبير منا أن ينعقد بعد الثورة لوضع الدستور. كان ذلك متصورا قبل الثورة ولكن بعد أن قال الشعب كلمته فإن الحاجة إلي تلك الحالة من التوازي لم يعد ما يبررها, ولكنها عادت علي أية حال ليس فقط لأنها صارت من قبيل العادة, ولكنها تعطي من خسر فرصة جديدة في إفساد الطريق علي من فاز, وربما حتي إفساد الطريق علي المجتمع كله ووضع الأمر كله بين يدي الشعب في الميادين. هكذا اختلطت أمور كثيرة, ولو كنا في بلد آخر لحصل علي جائزة كبري من يفك طلاسم الموقف الذي امتزجت فيه الأحكام القضائية بتلك الثورية. وطالبت جماعة بالعدالة الانتقالية دون تحديد معانيها التي تغيرت منذ محاكمات نورمبرج بعد الحرب العالمية الأولي, وحتي المحاكمات التي جرت في ديمقراطيات الموجة الثالثة في أوروبا الشرقية وأمريكا الجنوبية. علي أية حال فقد ضاع في الضجيج حديثنا السابق عن قضاء مصر العادل, والطريق الديمقراطي إلي السلطة السياسية عبر صناديق انتخاب شفافة, والمحاكمة الواجبة أمام القاضي الطبيعي. راح كل ذلك وولي بعيدا, ومن العجيب أن ذلك حدث بعد ليلة انتهاء حالة الطوارئ لأول مرة منذ عقود طويلة; وكأن المسألة كلها في الجينات, فما أن نتخلص من حالة استثنائية فلابد أن تفرض الجماهير الجبارة وجهة نظر أخري تصر علي دوام الحالة الاستثنائية للأمة. [email protected] المزيد من أعمدة د.عبد المنعم سعيد