أعلم أن الأولوية لدي كثيرين الآن هي التعليق علي نتائج الجولة الأولي من الانتخابات الرئاسية, خاصة بعد أن ظهرت في صورتها الرسمية. ولكن الأمر الذي رأيناه منذ البداية وأيا كان المرشح الفائز في النهاية فهو أن هناك مجموعة من القضايا الكبري التي يجب أن تكون علي طاولة رئيس البلاد, وعليه أن يأخذها بالجدية التي تستحقها. ومن هذه القضايا ما تعلمناه ليس فقط منذ بداية الحملات الانتخابية, أو حتي ما قبلها منذ قيام ثورة يناير, أو حتي ما قبل قبلها منذ كان هناك نظام قديم, وهو القضاء المصري الذي كان من ناحية واحدا من السلطات التي لعبت دورا في تقييد قوة النظام القديم حينما أبطلت المحكمة الدستورية العليا قوانين ومجالس للشعب, ووقف القضاة احتجاجا عل تزييف الانتخابات وغيرها من أمور; ومن ناحية أخري أنها كانت واحدة من سلطات ثلاث حافظت علي الدولة أثناء المرحلة الانتقالية; وهي التي في النهاية حفظت كرامة الانتخابات المختلفة من التزوير والاحتجاج والرفض. القضاء إذن كان حجر الزاوية في كل الأوقات, وهو المؤسسة التي بقي احترامها قائما من الشعب سواء خلال النظام السابق أو بعد الثورة. ولذلك يجب أن تكون هذه المؤسسة موضع اهتمام خلال المرحلة المقبلة, سواء خلال الممارسة أثناء المرحلة الانتقالية, أو خلال وضع الدستور الجديد للبلاد. ولا يخفي علي أحد أنه بقدر ما أثبت القضاء المصري قدرة عظيمة علي ممارسة عمله بمهنية عالية, ونزاهة مقدرة, إلا أن المرحلة المقبلة تقتضي أيضا الاعتراف أن المحاكم المصرية المختلفة خلقت حالات من البلبلة, ربما لا يعرفها المتخصصون, ولكنها كانت سائدة لدي الرأي العام المصري الذي تصبح له أهمية خاصة خلال الفترات السياسية الحرجة. لقد تطايرت أحكام القضاء المصري حتي كادت تلغي الانتخابات الرئاسية, وتناقضت أحكام المحاكم المختلفة حتي بات المواطنون حائرين فيما هو الموقف العادل الذي يقضي به صحيح القانون. صحيح أن المعضلة أحيانا كانت واقعة في كثرة وتضارب القوانين; وأحيانا كانت المشكلة في أن المواقف المعروضة كانت كلها جديدة علي صاحب الحكم. ولكن المؤكد أن للأمر زاوية أخري لها جانب متفق عليه وهو ضرورة الاستقلال الكامل للقضاء كواحد من سلطات الدولة الرئيسية; أما غير المتفق عليه حتي الآن أن هناك حاجة إلي إصلاح النظام القضائي كله بحيث يتوافق مع الحال في ظل نظام ديمقراطي حيث يتلامس القضاء مع السياسة وتفاعلاتها وسخونتها وإعلامها وما فيها من تنافس واحتكاكات بين قوي سياسية مختلفة. [email protected] المزيد من أعمدة د.عبد المنعم سعيد