كان من المفترض أن استمع اليه وزملائه من طلاب الثانوية العامة فى مؤتمر صحفى بنقابة الصحفيين. لكن عندما ذهبت وجدت النقابة محاصرة من كل الجهات وقد حيل بين هؤلاء الطلاب وإسماع أصواتهم . وهذا مع أن موضوع المؤتمر كان يشغل الرأى العام مع كل اللغط الذى أثير حول تسريب امتحانات شهادة الثانوية هذا الصيف . والأسبوع الماضى تجددت رغبتى فى لقائه هو طالب الثانوية العامة عبدالرحمن عمران من مدرسة بنهابنين وعضو المكتب التنفيذى لاتحاد طلاب مدارس مصر وهذا لثلاثة أسباب إضافية: الأول أننى طالعت مقالا له على شبكة الإنترنت بعنوان «الذين ثاروا ولم يعرفوا» وهو مقال يستحق القراءة ممن يهتمون بمستقبل هذ البلد والثانى إن ما نشرته الصحف نقلا عن أوائل الثانوية العامة مع إعلان النتائج يؤكد عمق الاقتناع العام بفشل المنظومة التعليمية وغياب الثقة بنظام الامتحان الرهيب هذا ولا أدل على ذلك من الاعتراف بلامواربة بأن الدروس الخصوصية حلت محل المدرسة تماما والثالث هو ما تضمنه قرار رئيس مجاس الوزراء بتشكيل لجنة تطوير امتحانات الثانوية العامة ومواجهة ظاهرة الغش الجماعي. وعندما التقيت عبدالرحمن عمران (18 سنة) وهو الآن قد أصبح على أعتاب الجامعة أكد لى عبث العملية التعليمية فى المدراس. أبلغنى أن فصله الدراسى بالمرحلة الثانوية كان يضم 52 طالبا وأنه لم يحصل على أى حصص مدرسية حقيقية. وأفادنى بأن المدرس الذى يعمل يقابل باستهجان من زملائه، وأن المشكلة الأم هى قتل التفكير والتفكير النقدى عند التلميذ فى الابتدائى والاعدادى فالطالب فى الثانوى وهكذا نحن أمام منظومة تقوم على التلقين والحفظ والاكتفاء بظاهر الأشياء لا بالبحث عن أسبابها وفهمها. ناهيك عن انخفاض انفاق الدولة على التعليم . وسألته عن نظام امتحانات الثانوية العامة «ببعبع» كل بيت وعن تسريبات هذا العام فأجابنى بأن النظام فى الأصل عقيم ولا يصلح لقياس القدرات أو المهارات بين طالب وآخر، كما لا يراعى الفروق بين المناطق الجغرافية وحدثنى عن تطور شعار اليونسكو بشأن غايات التعليم وارتباطه بالحياة والعمل ودور المواطن فى المجتمع، بينما يبتعد ما يجرى عندنا عن كل هذا. وتتلخص نظرة عبدالرحمن الى التسريبات فى أنها ليست بالأمر الجديد وكل ما أستجد هو تحولها من دوائر خاصة مغلقة على أبناء أصحاب النفوذ الى المجال العام بفضل «شومينج» وغيرها، وإن نبهنى الى ان الاستفادة من التسريبات تتطلب امتلاك هواتف ذكية. وهو ما لايتوافر للكافة لكنه بدا على اقتناع بأن التسريبات تبدأ من داخل وزارة التعليم نفسها وأطلعنى على الأزمة التى نشبت بين اتحاد الطلاب والوزارة بعد رصد الاتحاد التسريبات فى العديد من المواد وإصداره بيانات بهذا الشأن . وسألته عن الحل، فقال إن مجرد الإبقاء على نظام الثانوية العامة فساد لأنه لم يعد يضمن تكافؤا فعليا للفرص، فضلا عن ان الزمن تجاوزه كما ان توظيف فشل هذا النظام والمنظومة التعليمية لإعلان تنصل الدولة عن مجانية التعليم فساد أكبر . وفى رأيه فإن الاصلاح يبدأ بتوافر الإرادة السياسية المجتمعية لإقامة منظومة تعليمية تقوم على الفهم والتفكير النقدى لا الحفظ والطاعة. وبشأن «ببعبع» امتحان الثانوية العامة فالأمر يتوقف على منح الطالب على مدى ثلاث سنوات حرية الاختيار بين المراجع لكل مادة وفق محددات أما القضاء على تسريب الامتحانات فهو أكثر سهولة إذا ما أختار الكمبيوتر بين عدة نماذج. وهذا فى حال عدم تغيير المنظومة والاحتفاظ بصيغة امتحان موحد لكل الجمهورية. عندما اندلعت ثورة 25 يناير 2011 لم تكن سن عبدالرحمن قد تجاوزت بعد 13 عاما وهو كما يقول لم يشترك فى أحداثها وان كان لديه اشقاء أكبر شاركوا لكنه يعى تماما بأن هذه الثورة منحت المصريين بمن فيهم جيله الذى كان الى هذا الحد صغيرا ودون فرص المشاركة، الوعى بالحق فى النقاش والقدرة على التعبير وإبداء الرأى وهو يقينا على وعى أيضا بفضل الثورة على تشكيل اتحاد طلاب المدارس بانتخابات حقيقية. ولقد أبلغنى انه بعد اصدار بيان الاتحاد 7 يوليو عن تسريب امتحانات الثانوية صدرت الأوامر بمنعه وأمين الاتحاد وعضو آخر من دخول مقر الاتحاد ولفت نظرى الى ان وزير التعليم لم يجلس الى طلاب الاتحاد طوال أزمة التسريبات والى الآن. ولم يدخل فى حوار معهم وزاد على هذا قوله إنه لم يجلس مع الاتحاد إلا مرة واحدة فى 19 مارس الماضى فور انتخاب اعضائه. ولقد فكر اتحاد طلاب المدارس فى تنظيم مؤتمر عن أنظمة التعليم بالتعاون مع اليونسكو ولكن يبدو أن كل شىء توقف فى ظل علاقة توترت مع الوزارة والوزير. أما تشكيل اللجنة التى أشرت إليها فى بداية هذا المقال كسبب ثالث للحوار مع عبد الرحمن عمران فقد جاء على نحو بيروقراطى خاليا من اسم أى كان فى الاتحاد المنتخب أو أى طالب، وحفل بقائمة طويلة من الموظفين أصحاب المناصب والرتب من رجال الأمن. وكأننا نتعمد مصادرة المستقبل.. ولكن لا أحد بإمكانه مصادرة المستقبل لو تعلمون. [email protected] لمزيد من مقالات كارم يحيى