فى 17 يونية من العام المقبل، تحل مئوية مولد مبدع كبير أثر فى ضمير أمته، وبجهوده تحققت انجازات ثقافية وأدبية لا يزال الكتاب والأدباء ينهلون من عطائها حتى اليوم، الأمر الذى يدفعنى لأن أطالب وزارة الثقافة وأجهزتها بالإعداد من الآن لإقامة مؤتمر واحتفالية كبيرة فى ذكراه. إذ ترك فارس السيف والقلم يوسف السباعى بصمات مؤثرة على مسيرة مصر الثقافية والأدبية، فدوره لا يُنكر فى تأسيس نادى القصة بالتعاون مع العملاقين توفيق الحكيم وإحسان عبد القدوس، وإنشاء دار الأدباء التى مثلت إرهاصة لاتحاد كتاب مصر، كما كان وراء تأسيس دار الأوبرا الجديدة، والمجلس الأعلى للفنون والآداب والعلوم الاجتماعية (المجلس الأعلى للثقافة حاليًا)، وجوائز الدولة التقديرية والتشجيعية، فضلاً عن تبنيه لقضايا المواهب الشابة وهمومها، ودوره فى الحملة التى شنتها "الأهرام" تحت رئاسته فى السبعينيات لإلغاء الضرائب على الكتب، واتخاذه مشاركته فى العمل السياسى العام، سبيلاً لتحقيق انجازات للمثقفين وأرباب القلم، ولأعماله هذه وغيرها استحق أن يطلق عليه الأديب الكبير توفيق الحكيم لقب «رائد الأمن الثقافي». على صعيد الإبداع كان السباعى – على حد تعبير أستاذنا الأديب يوسف الشارونى – يتميز باتجاهين: الأول الاتجاه الفانتازى المتمثل فى تحطيمه الفواصل بين عالمى الواقع والخيال والثانى الاتجاه التاريخى والواقعى والشعبى. وكانت بدايته الإبداعية فى مجال القصة القصيرة وليس الرواية على عكس الشائع بين العامة، ففى سن 17 عامًا وتحديدًا سنة 1934م كتب قصته الأولى بعنوان «فوق الأنواء»، وأعاد نشرها فيما بعد فى مجموعته القصصية «أطياف» 1946م، ليتوالى بعدها نتاجه المتميز ليصل إلى 21 مجموعة قصصية و4 مسرحيات و16 رواية. والده الأديب محمد السباعى كان المدرسة الإبداعية الأولي، التى من خلالها تشرب حب الأدب والإبداع، وربما كانت وفاة الوالد وهو فى سن مبكرة، سببًا فى شيوع التفسير الميتافيزيقى للحياة والموت فى رواياته، وتلك النهايات المأساوية التى غلفت معظمها. ولا أنسى تأثير «حارة الروم» بالدرب الأحمر - حيث ولد ونشأ - فى أدبه، فكثير من شخوصه استوحاها منها. الغريب أن السباعى استشهد على أياديٍ من زعموا الانتساب لقضية فلسطين، تلك القضية التى كان أسبق المبدعين العرب إلى مناصرتها مسخرًا قلمه لخدمتها والتعريف بها من خلال رواياته لهذا أعتقد أن الإعداد لاقامة احتفالية بمئوية مولد هذا الأديب الكبير، ينبغى أن يبدأ من الآن، ليشارك فى أعمالها كل من عمل الراحل لأجلهم من العرب والأفارقة، فهى ذكرى رجل جمع بين الوطنية والعروبة والنظرة القومية الشاملة للإنسانية. لمزيد من مقالات أسامة الالفى